الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الخلاف بين إسرائيل وإيران يتجاوز النووي
عمار ديوب
تتصاعد نبرة المواقف الإسرائيلية والإيرانية المناهضة للآخر. جذر التصعيد أن الدولتين تقودهما تيارات سياسية متشدّدة، وإذا كانت هناك فكرة سائدة أن الأنظمة المتشدّدة هي التي تعقد التحالفات، والاتفاقيات، فإن سعة قضايا الخلاف بين الدولتين تؤكد أن لا إمكانية للتصالح بين المشروعين، وبالتالي هناك عمليات عسكرية إسرائيلية مستمرة في سوريا ضد المواقع العسكرية الإيرانية، داخل إيران وخارجها، وفي الأيام الأخيرة تعلن إسرائيل عن رفضٍ كامل للاتفاق النووي مع إيران؛ أمريكا ليست خارج اللعبة هنا، بل وتدعم إسرائيل. إيران تستعرض عضلاتها، أنها تسيطر على أربع عواصم عربية، وترفض مشاركة دول المنطقة في الاتفاق النووي، كي لا ترتفع أسقف وشروط المفاوضات، وهي بذلك تستخف بهذه الدول، ولا سيما العربية وإسرائيل. الأخيرة تردّ، وعلى وقع المفاوضات الجارية بفيينا، أن على الإدارة الأمريكية أن تنسحب من تلك المفاوضات، التي تبتز فيها إيران أمريكا والعالم، وتستهلك الوقت للوصول إلى القنبلة النووية، وضمن ذلك تحوز على مليارات الدولارات وتلغى العقوبات عليها. إن إسرائيل تجد نفسها، وضمن تناقض مشروعها "التاريخي" مع إيران، أن الاتفاق النووي ليس كافياً، هذا إن عُقِدَ، وتطالب بتفكيك الصناعة النووية العسكرية بأكملها. تعي جيّداً إسرائيل أنها استطالة غربية في منطقتنا، وتعي إيران بدورها أنها مرفوضة من عالمنا العربي بكل طوائفه، بما فيه الشيعة، ولكنها تستغلّ ضعف العرب، والتأزّم الشديد في البنية الاجتماعية، لتجعل الشيعة العرب إيرانيين، وتشيّع أعداداً من طوائف أخرى؛ ليس هذا فحسب، بل أصبح وجودها مرفوضاً أمريكياً. الوعي المشترك هذا، يدفع الدولتان للتشدّد ضد الأخرى، سيما أنّ لكل منهما أيديولوجيا تسيّر شؤون السياسة، وهي مستندة إلى نصوصٍ "دينية"، لا يمكن تجاوزها، ومهما تمتعنا ببراغماتية ونفاق كبيرٍ في إدارة العلاقة مع العالم، ومحاولة إبعاد التضييق عليهما، فهما غير مقبولتين إقليمياً وعالمياً. فشلت إيران كثيراً في جعل نفسها دولة إقليمية، فهي ليست أكثر من صاحبة أيديولوجيا طائفية وميليشيات للقتل والتهديد بها في الدول العربية، وإسرائيل أيضاً تتنوع أشكال الرفض العربي والعالمي للتطبيع معها، رغم ارتفاع حدّة التطبيع بين بعض الأنظمة العربية وإسرائيل؛ ففي مصر والأردن والمغرب هناك احتجاجات قوية ضدها، وحتى في بعض إمارات الإمارات العربية المتحدة، هناك رفض لكل اتفاقيات إبراهام، ولكل ما تفعله أبو ظبي خاصة، من تنسيقٍ عالي المستوى بينها وبين إسرائيل. لا يكاد يمرّ أسبوع إلّا ونشهد خلافاً بين الدولتين، في مياه الخليج العربي أو في سوريا أو لبنان، وأماكن أخرى. هنا لا يمكن الاستكانة لفكرة سائدة، ويجب التدقيق فيها كثيراً، وتتحدث عن "الفراغ" الأمريكي من المنطقة وضرورة ملئه، واستغلال الدولتين له، لعقد تحالفات مع دول أخرى للهيمنة على المنطقة. شهدنا مؤخراً حراكاً إماراتياً واسعاً، نحو سوريا وتركيا وإيران، وقبله حاولت طهران ترسيخ نفوذها بالعواصم الأربعة، وهناك تركيا، التي تمدُّ نفوذها إلى كافة الدول العربية، وتعيد علاقاتها مؤخراً مع مصر والامارات، وتمدُّ ذلك النفوذ إلى أسيا الوسطى، وتضيّق الخناق على إيران أيضاً. إن استجلاب روسيا لدعم النظام السوري، وبغض النظر عن الروايات عنه، وأن أمريكا سمحت لها بذلك، جعل منها فاعلاً كبيراً، يحدُّ من نفوذ تركيا وإيران وإسرائيل، ويفرض سياسات معينة على المنطقة، من قبيل التنافس مع إيران وتركيا في سوريا خاصة. إن تحالف إسرائيل وروسيا يمهد لهيمنة على المنطقة بأكملها، والتحرك الإماراتي لا يعادي الحلف الأخير، بل ويستند إليه كذلك؛ التحرك الإماراتي، ومهما تطورت العلاقة مع إيران لن يرقى إلى مصافي التحالف مع إسرائيل، وقد تكون هناك ترتيبات مع السعودية كذلك؛ ونظراً لدورها الإسلامي يتمّ التعتيم عليها؛ وهنا من الجدير الاهتمام بزيارة ولي عهد السعودية إلى دول الخليج، وتنسيق المواقف بينها، وقد يفضي ذلك إلى "حلف جديد". مشكلة إيران الكبرى أنها لا تستطيع أن تكون دولة إقليمية رغم أنها تفكر بعقلية إمبراطورية! فهي ليست متصالحة مع العالم، وأيديولوجيتها تثير الكراهية وتمارس التطييف والقتل في سوريا واليمن والعراق ولبنان، وقد فشلت في أن تكون تحت الرعاية الأمريكية رغم استفادتها من تلك الرعاية بعد 2003، وهذا بدرجة ما دفع نحو تحالف ٍ"عربي" مع إسرائيل، ومؤخراً شهدنا علاقة جيدة بين الأخيرة وتركيا، وهناك تنسيق عالي المستوى بينها وبين روسيا، والأمر يتجاوز سوريا ولبنان. إن تعدّد المحاور في المنطقة، وعدم استطاعة أحدها فرض نفسه على البقية، وضعف دور المنطقة، ودور روسيا القوي، وعدم مغادرة أمريكا، يجعل المنطقة بفوضى إقليمية واسعة. التوعد الإسرائيلي لإيران وتشدّد الأخيرة أحد احتمالات اشتعال المنطقة. الفكرة الأخيرة تشير إلى أن أية حرب بين إيران وإسرائيل قد تبدأ بطهران وتتصاعد في المنطقة وصولاً إلى غزة، حيث ميليشيات إيران ممتدة، وكذلك قد تتدخل أمريكا، وهذا بدوره سيعطي إيران مبررات قوية لقصف القواعد الأمريكية في الخليج والعراق والأردن، وهكذا. الآن، إيران والدول الأوربية وأمريكا وروسيا يتفاوضون للوصول إلى اتفاق نووي، وإن عقد الاتفاق بعد مفاوضات ستستمر لأشهر مستقبلية، فهذا سيُبرد المنطقة قليلاً، ولكنه لن يثني إسرائيل عن القيام بعمليات عسكرية قوية وستكون بالضرورة مسنودة أمريكياً، وستصرّ إسرائيل على تفكيك الميليشيات الموجودة على حدود إسرائيل، والمطالبة بتفكيك الصواريخ الباليستية. لا تذهب إيران إلى فيينا من أجل ذلك، بل تريد رفع العقوبات، وعدم النقاش حول وجودها الإقليمي، والعودة الى الاتفاق النووي القديم دون تغيير، وربما تفضل الوجود الإقليمي على النووي! ولكن لنفترض أن اتفاقاً ما تمّ الوصول إليه، فهل سيخفّف ذلك من العداء بين الدولتين؟ إن الفوضى الإقليمية تعمُّ، والمحاور الجيوسياسية تتعدّد وتتضارب، وتبرز محاور دولية كبرى، كالمحور الصيني الروسي، وهناك المحور الأمريكي البريطاني الأسترالي، ودول كبرى تسير بركبهما. إن المحاور الدولية تتصارع أيضاً في منطقتنا، وأمريكا لن تغادر سيما أن الصين تزيد من حضورها فيها. هذه المحاور ستستغل الفوضى الإقليمية في منطقتنا، وستعزّزها أيضاً، وهذا سيزيد المنطقة تأزماً، وستحاول كل من إيران أو تركيا أو إسرائيل، والآن الإمارات والسعودية، وهناك روسيا، أن تفرض هيمنتها، وبالتالي قد تشهد تصعيداً خطيراً بين إسرائيل وإيران، وتطال آثاره المنطقة بأكملها، وهذا سيكون إن تمّ الوصول للاتفاق النووي أم لا، وهنا ترتفع أسهم القائلين بفشل المفاوضات النووية. روسيا ستحاول ضبط المنطقة، وأمريكا تتجه نحو تثبيت الاستقرار والديكتاتوريات، ولكن بروز التطلعات الإقليمية "الإمبراطورية" سيدفع نحو مشكلات كبرى، قد تتحوّل إلى حروبٍ في هذه الدولة أو تلك، وبالأصل لم تستقر الأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا والآن هناك إثيوبيا والحرب فيها، والمشكلات العميقة في السودان. إن كل هذه التعقيدات، لا تسمح بما ترغب به أمريكا وروسيا من استقرارٍ، وهما ليستا على وفاقٍ وتنخرطان بمحاورٍ مختلفة، ولكن قد تخففان من خطر الفوضى أيضاً، وهذا ما سيجبرهما بالنهاية للبحث عن صفقات معينة للأماكن المشتعلة، وهذا دونه تعقيدات كبرى، وليس آخرها التصعيد بين إيران وإسرائيل وأوكرانيا. عمار ديوب ليفانت - عمار ديوب

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!