الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الأسد والإخوان.. أعداء الظاهر وحلفاء الباطن
أحمد منصور 

حتى تُبنى الوطنية وفضاؤها الوطني نحتاج إلى إطلاق سراح الصراحة والشفافية الاجتماعية قبل السياسية. من أجل السيطرة على حكم سوريا ليس وحده الأسد الطاغية، بل ومعه تنظيم الإخوان المسلمين، إخوان الشياطين هم من اختطفوا صرخات وطموحات السوريين عنواناً ومآلاً وما يزالوا.

ضمن هذا العنوان على الأرجح، إن ما يحدث في الشمال السوري من اقتتال أطرافه، الفصائل متعددة المرجعيات "شكلاً"، وبين التنظيمات الراديكالية الإرهابية، ما هو إلا تكتيك من استراتيجية واسعة عمدت ومنذ اللحظات الأولى لانطلاقة الانتفاضة السورية، على تحريف مسار ثورة السوريين وبكافة الطرق، عنوان ومآل من ثورة مجتمع ضد واقع معيشي متردٍ من كل جوانب الحياة بسبب استمرار الطغمة الحاكمة المُستبدة في اختطاف وسلب، حاضر ومستقبل، مقدرات وموارد عموم السوريين، حتى تمكنت تلك الاستراتيجية منذ بدايات النصف الأول من العام الثاني لانطلاقة الانتفاضة السورية من تثبيت اختراقاتها لأغلب صفوف الثورة السورية، والتي ما زلت متمسكاً في أنها ثورة عفوية ضد مظلومية تاريخية كبرى وتحويل معظم هذا الحراك المجتمعي العفوي والتاريخي تدريجياً إلى عدة حالات، أما كتل وأحزاب وتيارات سياسية متواجدة في الخارج تعاني من سذاجة التعاطي السياسي ومتنافرة ومتناقضة فيما بينها، والأهم إنها مفصولة عن المجتمع السوري في الداخل وهذا دلالة على أن جميعها يعاني من حالة الفقدان لأيَّ اعتبار اجتماعي واستنادات محلية، أو مجموعات فصائلية مُقاتلة ومتقاتلة فيما بينها أكثر الأوقات من أجل السيطرة على مصادر الطاقة والموارد، أو إلى جماعات دينية آيديولوجية إرهابية. معظم السوريين وبنسبة تتجاوز 99,99% لا ينتمون إلى هذه الحالة الدخيلة غصباً على حياته اليومية، ومستعدون أن يحاربوها في حال أتيحت لهم الفرصة لذلك، أن تلك الاستراتيجية التي قادها كل من الروس والإيرانيين واستخبارات النظام السوري، وبالتأكيد مع مساندة من أجهزة دولية ثانية نجحت نوعاً ما وضمن تكتيك "وصف جزئية من موضوعية الثورة على أن هناك جزءاً يقوده التطرف والإرهاب" مما جعل من معظم البلدان الإقليمية والدول المُقررة تفقد ثقتها في أغلب المعارضة السورية، وكذلك الثوار، ولا يجب أن ننسى ما قاله رئيس أمريكا الأسبق دونالد ترامب "الأسد حيوان ولكن علينا التعامل مع واقع أن كل الخيارات هناك سيئة، ولكنه أفضل السيئين، إنه الطاغية المفيد".

ضمن هذا التصور، متاح القول إن ذلك هو ما جعل اللاعب الروسي وكذلك الإيراني وعبر أجهزة مخابرات النظام المُستبد من تكثيف قواهم الإعلامية مستغلين شبكة العلاقات الخارجية التي تربطهم مع بعض الأوساط الإعلامية من تصوير الوضع في سوريا على أن ما يحدث هو مواجهة قتالية بين القوات الحكومية السورية مدعومة من الجوية الروسية، وبرياً القوات الإيرانية، وبين تنظيمات متطرفة إرهابية تتبع للقاعدة وداعش والنصرة، دون تجاهلهم تصويب مسألة مهمة إلى أن هناك معارك تخوضها قوات النظام الحكومية ضد الفصائل المتمردة التي ترتبط ضمنياً مع التنظيمات المتطرفة ضمن البُعد الآيديولوجي والسياسي على اعتبار أن من يقود المعارضة الرسمية ويوجه تلك الحالة الفصائلية هم تنظيم الإخوان المسلمين فرع سوريا.

وضمن كل ذلك السياق الموضوع أعلاه، أستطيع القول إن الإخوان المُسلمين على الأغلب وعبر مشغلاتهم الإقليمية، تركيا وقطر، على ما يبدو أنهم استعدوا لدخول مرحلة جديدة من تغيير ألوان وشكل التموضعات على لوحة الصراع في الشمال السوري ووفق ما يخدم مصالحهم التفاوضية مع طغمة النظام السوري، ولكن على الأمد الطويل، من حيث إنهاء حالة تعدد الفصائلية ليكون البديل في الشمال السوري، حالتين لا ثالث بينهما، حالة يطلق عليها الجيش الوطني الحر الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين عبر وزارة الحكومة المؤقتة، أو حالة ثانية هي حالة التعفن واستمرار التدمير مع الأسد عبر سيطرة القاعدة الإرهابية متمثلة في جبهة النصرة، وما يسمى اليوم هيئة تحرير الشام، على أجزاء جديدة من مناطق سيطرة الفصائل سابقاً وفي الإمكان العودة إلى الخرائط لمعرفة تلك الأماكن لاحقاً.

ولكن مع فارق أن تلك الورقتين من الممكن اعتبارهما أوراقاً تفاوضية في أيادي المشغلات الإقليمية، ولكنها أوراق عبثية لا قيمة لها في قرار الحل النهائي في سوريا، حيث إن ورقة الآيديولوجيات الدينية من الصحيح أنها كانت تُستخدم في القرن العشريني الماضي وبعدة طرق من حيث كيفية تشكيل ضغوطات سياسية أو مشاغبات ميدانية ما، ولكنها مع بدايات هذا القرن الواحد والعشرين أصبحت أوراقاً يعمل حتى من صنعها على أتلافها تدريجياً، وهذا يشمل حتى إنهاء ملفات الأنظمة الديكتاتورية والقمعية مثل النظام الطاغية في سوريا.

إن القرن الواحد والعشرين بدأ عبر ثورة تكنولوجيا كبرى غيّرت عدة مفاهيم حول كيفية قيادة العالم وكيفية إدارته من القوى الكبرى وأعادت التفكير لدى تلك الدول حول كيفية إدارة سيطرتها على بلدان العالم الثالث من حيث كيفية تقاسم استثمار مصادر الطاقة القديمة والحديثة والموارد وكذلك منابع الحياة، ولكنه عالم واسع غارق في قيعان الغطرسة ليس من السهل إخراجه من تلك القيعان، وبذات الوقت ليس من المستحيل إخراجه، والسنون القادمة كفيلة بإحداث التغيير نحو واقع معيشي أفضل لبلدان العالم الثالث، حتى توازي أخلاقياً وإدارياً وسلوكاً، نوعاً ما، الدول التي تعمل على إخراجها مما هي فيه.

وفي النهاية إن ما يحدث في الشمال السوري لا علاقة له بثورة السوريين وطموحاتهم المشروعة في الوصول إلى دولة القانون والعدالة وحقوق الإنسان وحق المواطنة، أفراداً وجماعات، وصون واحترام الدستور والحريات، وهذا ما أراه في مستقبل سوريا، بعد رحيل الطغمة الحاكمة والملفات الآيديلوجية، ومعهم كل المخلفات العبثية التي تواجدت خلال كل السنوات الماضية.

ليفانت - أحمد منصور

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!