الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
اغتيال
بسام سفر

شغلت الإدارة الأميركية الأوساط السياسية الدولية منذ اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الحاج قاسم سليماني ومعه ضباط آخرين منهم" اللواء حسين جعفري نيا, والعقيد شهرود مظفري نيا, والرائد هادي طارمي, والنقيب وحيد زمانياي". والرجل الثاني في قيادة الحشد الشعبي العراقي" أبو مهدي المهندس".




هذا الحدث المجلجل على صعيد المنطقة أحدث اهتماماً كبيراً, ودفع الكثيرون من المحللين والسياسيين إلى التكهن حول طبيعة الرد الإيراني.


وجاء الرد الإيراني الرسمي مخيباً لآمال الكثيرين حيث أطلقت مجموعة من الصواريخ من نوع فاتح"313, ومداها 500كيلو متر", إذ أكد مصدر عراقي أنه أطلقت (9) صواريخ على قاعدة عين الأسد, إلا أن بيان الحرس الثوري الإيراني صرّح إن " عشرات الصواريخ قد أطلقت على الأهداف الأميركية".

بينما ذكرت وسائل إعلام إيرانية أنه" أن (35) صاروخاً سقطوا على قاعدة عين الأسد", ورد البنتاغون في تصريح جاء فيه: "إيران أطلقت فجر الأربعاء أكثر من (12) صاروخاُ على قاعدة عين الأسد وأربيل التي تستخدمها القوات الأميركية في العراق".


أن الصواريخ الإيرانية لم توقع أية إصابات بشرية في الجانب الأميركي, حتى الخسائر غير البشرية لم تكن مؤثرة في أي معدات عسكرية أمريكية ذات قيمة. وهذه أول فرصه رسمية إيرانية يفوتها نظام الملالي على الملأ أمام جمهوره الداخلي المليوني الذي شيّع جثمان القائد سليماني, وحسب ما جاء في تغريدة وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف أن إيران  "اتخذت وخلصت إلى إجراءات مناسبة في الدفاع عن النفس بموجب المادة(51) من ميثاق الأمم المتحدة واستهدفت القواعد التي بدأ منها الهجوم المسلح الجبان ضد مواطنينا وكبار المسؤولين. نحن لا نسعى للتصعيد أو الحرب, لكننا سندافع عن أنفسنا ضد أي اعتداء".


هذه الدبلوماسية الإيرانية تتناقض مع بيان الحرس الثوري الإيراني الذي خاطب الشعب الأمريكي قائلاً: "أن يستعيد الجنود الأمريكيين من المنطقة لمنع خسائر أكبر ويعمل لتفادي الخطر على أرواح الجنود من خلال كراهية متصاعدة التي تصدر عن النظام المناهض للشعب في أمريكا".

لكن الرد اللفظي الأعنف جاء على لسان السيد حسن نصر الله الأمين العام الحزب الله اللبناني الذي طالب: بـ" القصاص العادل"، ووضعه أمانة بيد كل المجاهدين عبر ضرب القواعد والبوارج العسكرية الأميركية, وكل ضابط وجندي أمريكي في المنطقة.

بينما منح رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية "سليماني"، لقب "شهيد القدس"، وجاء التصعيد اللفظي من الناطق باسم "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي أبو حمزة إذ قال "محور المقاومة لن يهزم ولن ينكسر وسيزداد تماسكاً وقوة في مواجهة المشروع الإسرائيلي- الأمريكي, ويكون الرد قوياً على عملية الاغتيال".


واعتبر أبو أحمد فؤاد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية أن "اغتيال سليماني جريمة كبيرة مدانة من جميع الأحرار في العالم", ودعا إلى "خروج القوات الأمريكية من المنطقة أولوية يجب أن تتم بأسرع وقت ممكن".

في حين قال فتحي كليب عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أن "الرد الإيراني أسقط المنطق الذي يسعى الرئيس الأمريكي إلى فرضه، بأنه قادر على قتل القادة والمقاومين دون ثمن".

وأكد كليب على أن "وقوف الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة إلى جانب الشعبيين الإيراني والعراقي في مواجهة التحالف الأمريكي والإسرائيلي وعدوانهما".

وأطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) في بيان لها على الجنرال سليماني "شهيد فلسطين والأمة وسيكون علامة تحول تاريخية في مسيرة التحرير, والجريمة لن توقف محور المقاومة عن مواصلة التصدي للمخطط الصهيوأمريكي".


لكن المفارقة كانت بمحدودية رد كتائب حزب الله العراقي, إذ قالت في بيان رسمي إن" العملية العسكرية الأمريكية, وضعت العراق والمنطقة والعالم أمام منعطف خطير, قد تدفع تداعياتها إلى الانزلاق نحو حرب لا تبقى ولا تذر".

وفي الجانب العملياتي أطلقت مساء السبت /4/1/2020, عدد من الصواريخ في ساحة الاحتفالات بالمنطقة الخضراء, التي تقع فيها السفارات الأجنبية والمؤسسات الحكومية العراقية, ومنطقة الجادرية ببغداد.


وأكدت خلية الإعلام الأمني العراقي إن"صاروخاً سقط قرب السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء. وفي الوقت نفسه, استهدفت صاروخان قاعدة بلد الجوية, التي يقيم بها جنود أمريكيون, في محافظة صلاح الدين, شمال العاصمة العراقية".


من كل ما تقدم نجد أن ساحة المواجهة اللفظية ممتدة من الجنوب اللبناني وبيروت, إلى غزة في فلسطين مروراً بالفصائل التي مقرها دمشق, لكن حزب الله خلال هذه الفترة الزمنية معنياً أولا بقمع الثورة اللبنانية والتحول إلى حزب السلطة اللبنانية عبر الأكثرية في مجلس النواب, وكذلك تكليف أحد محازبيه بتشكيل الحكومة اللبنانية القادمة, لذلك المواجهة اللفظية لديه هي الأساس, خاصة مع وجود مدربين عسكريين أمريكان في لبنان, بالإضافة إلى المساعدات العسكرية الأمريكية 2019, حيث بلغت حوالي 120مليون دولار للجيش اللبناني, فلماذا لا يقدم حزب الله اقتراحاً على مجلس النواب اللبناني برفض المساعدات الأمريكية للجيش اللبناني بغض النظر عن قيمتها من أجل الانتقام للجنرال سليماني؟!, ويرفض المساعدة والمنح التدريبية للطيارين اللبنانيين؟! بحيث يدخل الفعل الانتقامي السياسي من جانب المساعدات الذي لا يتطلب المزايدات اللفظية في المواجهة مع الإدارة الأمريكية؟!.


بعيداً عن المواجهات الانتقامية اللفظية، الفعل الوحيد المتاح بالإرادات الموجودة هي ساحة الاشتباك الفعلي العسكري والسياسي في العراق حيث جرى اغتيال الجنرال سليماني, وأبو مهدي المهندس, لذا كان الرد العملي في القواعد العسكرية الأمريكية في العراق, بالإضافة إلى قرار البرلمان العراقي ذي الغالبية الشيعية السياسية في اتخاذ قرار بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق بناءاً على طلب الحكومة العراقية.


وبهذا تم تحديد ساحة المواجهة بين إيران والإدارة الأمريكية في العراق, وهذا بحد ذاته إنجاز عقلاني بعد المواجهات والمعارك اللفظية بين الأذرع الإيرانية السليمانية الممولة من طهران, والحكومة الإيرانية من جهة والإدارة الأمريكية.

من جهة أخرى محاولة جعل (إسرائيل) جزءاً من المواجهة في هذه المرحلة, خيبتها الوقائع العنيدة في الحياة السياسية في المنطقة.


لكن الرد الإيراني البارد حتى هذه اللحظة يبدو، وكأنه محاولة تحديد قواعد اشتباك جديدة في العراق, إذ أسفر عن رغبة إيرانية (وسياسية عراقية شيعية بالولاءات في البرلمان)، في إخراج القوات الأمريكية خارج الأراضي العراقية, في حين طالبت الإدارة الأمريكية في تحديد أماكن وجود قواتها بالاتفاق مع الحكومة العراقية الجديدة.


التصويت الذي جرى في البرلمان العراقي محاولة لتجمع بعض أوراق القوة عند المفاوض الإيراني للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الإدارة الأمريكية بعد الانتخابات الأمريكية الرئاسية القادمة, ويقابلها الضغط الإسرائيلي الذي يمارسه الطيران الإسرائيلي في قصف الأهداف الإيرانية لإخراج الإيرانيين من سوريا.


هذه الأجواء التصعيدية تتزامن مع تصاعد التظاهرات في الميادين العراقية التي رفعت شعارات إخراج القوات الأجنبية خارج الأرض العراقية على غير رغبة البرلمان, ورغبة الإيرانيين والحشد الشعبي بكل تياراته، وذلك من خلال شعار

"نريد وطن" و"هذا الوطن ما نبيعه" و"بغداد تبقى حرا إيران برا برا ".


أخيراً ترتسم قواعد اشتباك جديدة في العراق كساحة مواجهة فتحت بأسلوب جديد عبر الاغتيالات التي بدأت مع الجنرال سليماني وصحبه, وقد لا تتوقف عندهم حيث يمكن أن تمتد إلى غيرهم من القادة السياسيين العراقيين, وحتى الجنرالات الإيرانيين.


بسام سفر - كاتب وصحفي سوري

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!