الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
إدلب المحطّة ما قبل الأخيرة
مصطفى سعد

عندما نريد أن نتحدّث عن اتفاق بين روسيا وتركيا وبشكل أدقّ بين بوتين وأردوغان علينا أولاً أن نعود قليلاً إلى الوراء، تحديداً إلى بداية الألفيّة الجديدة التي شهدت حدثاً هاماً في المنطقة، وهو ظهور غزل متبادل بين بلدين متجاورين بينهما تاريخ طويل من العداء والدّماء. إدلب 


روسيا التي استلم زمام الحكم فيها ضابط الاستخبارات السّابق فلاديمير بوتين، وقد بدا واضحاً منذ بداية عهده أنّ حلمه ومشروعه عودة بلاده إلى أمجادها القيصريّة، وفي عام 2002 نجح حزب العدالة والتنميّة في تركيّا الذي اعتمد في سياسته الخارجيّة على عدّة مبادئ منها مبدأ السّياسة الخارجيّة متعدّدة الأبعاد.


خلال فترة زمنيّة قصيرة صارت تركيّا أكثر استقلاليّة واتّسمت بفعاليّة على الصعيد الخارجيّ.


نجح حزب العدالة والتنميّة في بروز بلاده كلاعب مؤثّر في دول الجوار والمنطقة.


السّياسة المتبعة لدى كلٍّ من موسكو وأنقرة رسمت خطوط جديدة في علاقتهما، وبدأت حقبة تؤكّد وتركّز على المصالح المشتركة والتبادليّة بين البلدين، هذه الحقبة لم تنسِ القضايا الخلافيّة لكن لا تهتمّ بها.


لكن مع بداية الرّبيع العربيّ، وتحديداً منذ بداية الأزمة السوريّة آذار 2011، بدأ الخلاف العلنيّ بين أنقرة وموسكو في قراءة الحريق السوريّ، أسبابه، وطريقة إخماده.


التركيّ سعى إلى تسويةٍ سياسيّة في دمشق بين النّظام السوريّ وجماعة الإخوان المسلمين، وعندما فشل في مسعاه بعد زيارة وزير الخارجيّة التركيّ السيد أحمد داؤود أوغلو لدمشق في الأسبوع الأوّل من شهر آب 2011 عمل على تأسيس المجلس الوطنيّ السوريّ.


كما حاول جمع المعارضة السوريّة المتمثّلة بالإخوان المسلمين وإعلان دمشق وهيئة التّنسيق ضمن ائتلاف سوري معارض ليكرّر السيناريو الذي جرى في ليبيا ويكون ذريعة لتدخّل قوات الناتو في سوريا.


أمّا في الجانب الآخر فالروسيّ قالها وكرّرها مراراً بأنّه لن يقبل بأيّ تدخّل عسكريّ وتحت أيّ ذريعة، فسوريا المياه الدافئة التي لا يجوز التّفريط بها، كما أنه لن يقبل بتكرار التجربة الليبيّة التي عاد منها بخفي حنين.


وجود بوتين وأردوغان على النقيض مع طرفيّ الصراع في سوريا لم يؤثّر سلباً على حجم التبادل التجاريّ بين البلدين.


لكنّ انقلاب الرئيس الأمريكيّ باراك أوباما على الإخوان المسلمين وتخلّيه عنهم وقدومه إلى سوريا عند ظهور الرّايات السّود ودعمه للأكراد واعتماده عليهم متجاهلاً دولة أساسيّة في حلف الناتو، ومحاولة الانقلاب في تركيا على رجب طيّب أردوغان وموقف كلّ من البيت الأبيض والكرملين حيال هذا الانقلاب جعلت من أردوغان يستدير نحو روسيا.


هذه الاستدارة أدّت لعقد عدة اتفاقيّات أوّلها كان تخلّي تركيا عن الدّعم الذي تقدّمه لمسلحي حلب والغوطة وشمال حمص، لتنفّذ عمليّة عسكرية داخل الأراضي السورية في خط جرابلس- الباب- إعزاز 2016 وعمليّة أخرى في عفرين مطلع عام 2018، ثمّ في اتفاق بين بوتين وأردوغان الذي جرى أيلول من العام نفسه أخذ الأخير ضوءاً أخضراً لتواجد قوّاته في إدلب، وشريط على الحدود السوريّة- التركيّة يمتدّ من جرابلس حتى منطقة ربيعة في ريف اللاذقيّة.


كما أدّى التقارب الروسيّ- التركيّ وبمشاركة إيران في مؤتمر سوتشي والذي نتج عنه من جملة ما نتج الاتّفاق على اللّجنة الدستوريّة.


أعلن السيّد غير بيدرسون في أيلول من العام الفائت عن بدء أعمال اللّجنة الدستوريّة والتي توقّفت أعمالها بعد الجلسة الثّانية التي جرت في النّصف الثّاني من شهر تشرين الثّاني من العام نفسه.


 اللّجنة الدستوريّة هي الحلّ الوحيد المتبقّي باعتراف جميع القوى الفاعلة في الملف السّوري وبعد إفشالها في الجّولة الثّانية زادت أهميّة إدلب كورقة عند النّظام السوريّ ومعه روسيا، وعند أردوغان، ورقة تحدّد مصير الجولة الثالثة للجنة الدستوريّة الّتي من المتوقّع أن تكون خلال شهر آذار الجاري.


أعلن النظام في دمشق عن بدء معركة تحرير إدلب ودخل التركيّ بجنوده ومركباته.


طالب التّركي عودة الجيش السوريّ وحلفائه للحدود المتّفق عليها في سوتشي والنّظام يريد استمرار التقدّم ومحاربة الإرهاب.


لن نتحدّث عن تفاصيل سير المعارك وعدد القتلى والمناطق التي تمّ السيطرة عليها من قبل طرف أو آخر، لكن تأزّم الأمر في الشّمال الغربيّ من سوريا ووقوع قتلى من الجيش التركيّ وعدم نجاح أردوغان بالضّغط على أوروبا من خلال ورقة اللاجئين التي استخدمها مؤخّراً ،ًوموقف أميركا ودول النّاتو الذي جاء لا كما تشتهي سفن أردوغان، وتنامي دور السّعوديّة ومصر والإمارات ومن خلفهم واشنطن ضمن المعارضة السوريّة على حساب الإخوان المسلمين والاستعداد لعقد مؤتمر القاهرة 3 الذي يهدف كما هو متوقّع لإشراك الأكراد وتقليص النّفوذ التركيّ في هيئة التفاوض واللّجنة الدستوريّة، هذه الأمور كلّها عملت على تسريع لقاء أردوغان وبوتين لبحث مشكلة إدلب وتوقيع اتّفاق هشٍّ تمّ خرقة مرّات ومرّات.


اتفاقٌ هشٌّ وعلاقات متينة وكلام دبلوماسيّ بين الطّرفين يدلّ على أنّه لا يمكن وقوع مجابهة بين البلدين وعودة سقف المطالب لدى كلّ من أنقرة ودمشق.


الاتفاق ضَمِن لدمشق فتح طريقي حلب- اللاذقيّة وحلب- دمشق وشرعن تواجد تركيّ عسكريّ ضمن الأراضي السوريّة.


هذا الاتفاق كغيره حيث أنّ قراءته تتمّ بأكثر من عين وأكثر من لغة. دمشق وموسكو وأنقرة لكلّ منهم رؤيته الخاصّة حول ما تم الاتّفاق عليه في روسيا، كما أنّ مجلس الأمن الدوليّ لم ينجح في إصدار بيان رئاسيّ يرحّب بالاتّفاق الروسيّ التركيّ، بسبب معارضة الولايات المتحدة الأمريكيّة حسب ما ورد عن السيد فاسيلي نيبينزيا.


ختاماً:


مرّت الأزمة السوريّة بمحطات عديدة وبعد كلّ محطّة كنّا نشهد متغيّرات جديدة بدءاً من تسليح الحراك ومن ثم أسلمته، مروراً بالتدخّل العسكريّ الروسيّ المباشر وسيطرة النّظام على حلب لتكون إدلب المحطّة ما  قبل الشّمال الشّرقي (المحطّة الأخيرة).


العلاقات الروسيّة- التركيّة عميقة وقويّة وإن كانت تبهت بين فترة وأخرى لكن لا يبدو أنّ في نيّة أيّ من البلدين كسر تلك العلاقات. وما يزال مصير إدلب غامض في ظلّ تفاهمات تشبه الأدوية المسكّنة للألم.


وكما جرت العادة في كل الاتفاقيّات الدوليّة الّتي تحدث هناك متضرر وحيد، "الشعب السوري". ليفانت


ليفانت  - مصطفى سعد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!