-
أطفال سوريون يُتركون لأقدارهم.. في ظل ندرة دور الإيواء
تفاقمت المشكلات الاجتماعية في سوريا في العقد الأخير، بسبب ما تمر به البلاد من اضطرابات سياسية وعقوبات اقتصادية، وفقدان للرادع الأخلاقي والاجتماعي، بعد أن توزّعت العوائل السورية بين عدد من مناطق السيطرة، ولجوء بعض من ذويهم إلى خارج البلاد، ويعود السبب في ذلك إلى الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه منذ الأشهر الأولى للثورة الشعبية.
وكان من أهم تلك المشكلات، هو تخلي الأبوين عن أبنائهم، مما شكل ظاهرة تُعد غريبة على السوريين، فلا يمرّ أسبوع حتى نسمع خبراً عن أسرة تخلت عن أطفالها وتركتهم للمجهول، وهو ما لم تجد له حلاً سلطات الأمر الواقع السورية حتى اللحظة، وعدم إيلاء أي اهتمام من قبل منظمات المجتمع المدني والإعلام لمعالجة هذا الأمر، بالرغم من كثافة انتشار تلك المنظمات وتوفر برامج الدعم النفسي في مناطق شمال غرب وشمال شرق سوريا، الخارجة عن سيطرة النظام والميليشيات الحليفة له.
اقرأ المزيد: مسؤول أمريكي سابق: كل أسباب الحرب الواسعة قائمة في سوريا
ونشرت وزارة الداخلية التابعة للنظام في دمشق، قبل أيام، خبراً منقولاً عن شرطة حي القنوات، يفيد بوجود ثلاثة أطفال متروكين ضمن مدخل بناء بالقرب من دوار كفرسوسة في العاصمة السورية؛ وبعد التحري عن والد الأطفال وإحضاره إلى المخفر، تبيّن أنه ترك أبناءه بسبب خلافات عائلية مع زوجته ومغادرتها المنزل قبل عشرين يوماً من تخليه عن أطفاله الثلاثة، بحسب بيان الوزارة.
وتبيّن مصادر عديدة أن مناطق سيطرة النظام (الجنوب ودمشق والساحل والوسط السوري)، هي الأكثر شيوعاً لهذه الظاهرة.
وسبق أن ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن حادثة مشابهة، عندما وُجدت طفلة بعمر العشرة أشهر متروكة وحيدةً دون مرافق لها أمام مستشفى "دراج" في مدينة اللاذقية، مما استدعى نقلها إلى مجمع للرعاية يدعى (دار لحن الحياة) في ريف دمشق، لتتلقى الطفلة الرعاية والاهتمام من القائمين على المأوى، وأسموها "روح".
وحول هذا الحادثة، قالت مديرة مجمع لحن الحياة "هنادي الخيمي"، في وقت سابق لإذاعة "ميلودي" المحلية، إن من مهام المجمع رعاية الأطفال اللقطاء أو المتروكين من قبل أبويهم، وبيّنت أن هناك ما يقرب عن 3 أطفال جدد ينضمون إلى المجتمع شهرياً ليقوموا برعايتهم والاهتمام بهم.
وقالت إنه خلال عام 2021 تم إلحاق حوالي 50 طفلاً بالمجمع، علماً أنه لا يضاف إلى دفتر العائلة التي تم إلحاقه بها.
وأضافت الخيمي حينئذ، حول آلية عملهم، "نحن في المجمع وبعد أن نستلم الطفل نرسل الوثائق للسجل المدني لتسجيله ويتم فتح إضبارة له تؤرشف في سجلاتنا"، وفقاً لها.
وأردفت مديرة مجمع لحن الحياة، أن "هناك عائلات غير قادرة على إنجاب أطفال، تنتظر مجيء مولود جديد إلى المجمع من أجل إلحاقه بها، وتقوم بتربيته بموجب عقد إلحاق موقع من قبل الوزير".
وحول طريقة إلحاق الأطفال بالأسر، بينت الخيمي، أنه على الزوجين اللذين يرغبان في حضانة طفل التقدم بطلب خطي إلى إدارة الدار أو الجمعية أو المؤسسة التي ترعى الأطفال مجهولي النسب يعربان فيه عن رغبتهما بحضانة طفل، ويرفقان به الوثائق المطلوبة وتكون مصدقة أصولاً (صورة قيد مدني - صورة عن صك الزواج يظهر فيه تاريخ الزواج بوضوح - بيان عائلي يوضح وجود أولاد لطالبي الإلحاق من عدمه - سند إقامة لكل من الزوجين - تقرير طبي يثبت خلوهما من الأمراض السارية والعقلية - تقرير طبي يبين القدرة على الإنجاب من عدمه (العقم) من طبيب مختص - خلاصة سجل عدلي (لا حكم عليه) لكل من الزوجين - تعهد خطي من طالبي الحضانة بإبقاء الطفل ضمن الأراضي السورية، وإعادته إلى الدار في حال مغادرتهما القطر مغادرة دائمة، أما في حال المغادرة المؤقتة للقطر فيتعهدان بعدم إبقاء الطفل خارج القطر لمدة لا تزيد كحد أقصى عن أربعة أشهر - تعهد خطي يثبتان فيه حسن نيتهما وعدم استخدام الطفل خلافاً للعرف والآداب).
كما أوضحت أن الأطفال يبقون في المجمع حتى بلوغهم سن 18، أي حتى يصبح مسؤولاً عن نفسه ويتعلم مهنة أو يُكمل تعليمه، وأنه ليس شرطاً أن يترك الطفل اللقيط المجمع في عمر18 عاماً، ويكمل دراسته الجامعية فهو من يقرر وبشكل مستقل.
وأفادت في نهاية حديثها، أن المجمع يقدم الغذاء والرعاية اللباس والدعم النفسي للأطفال بالشراكة مع جمعية صندوق الرجاء.
اقرأ المزيد: مخاوف من توقف المستشفيات المجانية عن العمل شمال سوريا
وفي اتصال هاتفي، قال أخصائي اجتماعي لـ "ليفانت نيوز"، دون أن يسمح بذكر اسمه، إن خمسين طفلاً ينضمون لمركز الرعاية بعام واحد، وبعد عشر سنوات من الصراع الدائر في سوريا، وتردي الأوضاع المعيشية والظروف الحياتية بالنسبة للغالبية العظمى من السوريين، لا يمكن تسميتها "ظاهرة".
وأشار إلى أن شح البيانات حول الموضوع لا يسمح بتقديم قراءة معمقة يُمكننا الاستناد إليها، لكن بالمقابل لا يخفى على أحد، أن الفقر والعوز سبب رئيس من أسباب التفكك الأسري وتزايد حالات الطلاق التي تؤثر بشكل مباشر على الأطفال، مما ينعكس سلباً على المجتمع ككل.
وأضاف الأخصائي الاجتماعي، أن "الموضوع ليس مقتصراً على الداخل السوري فحسب، بل إن هناك حالات عديدة بين أوساط السوريين في دول الجوار، وكذلك تصاعد حالات الطلاق بين الأسر السورية اللاجئة في أوروبا".
ويُشار إلى أن الزواج بمقاتلين أجانب مصيبة إضافية تضاف إلى مجموع المصائب السورية، وخصوصاً بعد فتح مكاتب "زواج المتعة"، في المناطق التي تشهد حضوراً للمليشيات الإيرانية والعراقية وحزب الله اللبناني.
ونشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، في منتصف شهر تموز/ يوليو عام 2018، تقريراً موسعاً حول موضوع انتشار زواج المتعة في سوريا، وشددت على ما بات يمثله من مصدر قلق بين صفوف المدافعين عن حقوق المرأة لأنه يستغل ضعف النساء وفقرهن في بعض بلدان الشرق الأوسط، خاصة في الأوساط الشيعية.
وكذلك الحال بالنسبة لمحافظة إدلب، بوجود مقاتلين أجانب من جنسيات عربية وتركستانية، والأكثر خطورة هم -أطفال مخيم الهول- حيث قُتل معظم آباء هؤلاء الأطفال من المقاتلين في صفوف تنظيم داعش، إبَّان سيطرته المكانية على قطاع واسع من محافظات حلب والرقة ودير الزور، دون أن يُحدّد نسبهم ولأي دولة ينتمون، الأمر الذي يشكّل عواقب مجتمعية جمّة على سوريا والسوريين في المستقبل.
ليفانت نيوز – خاص
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!