-
رغم المجازر والاستعانة بالغرباء.. عين تيغراي تكسر المخرز الإثيوبي
نشبت في أوائل نوفمبر العام 2020، اشتباكات في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا، عندما هاجمها الجيش المركزي، بذريعة مُهاجمة قوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" قواعده، وفي أواخر الشهر عينه، أخرجت القوات الاتحادية مقاتلي الجبهة من عاصمة الإقليم، وأعلنت الحكومة الإثيوبية النصر، فيما أسفر الصراع عن سقوط آلاف القتلى، وإجبار مئات الآلاف على النزوح عن ديارهم، بجانب نقص المواد الغذائية والمياه والدواء في الإقليم، إضافة لتقارير وشهادات صادمة عن جرائم ومجازر ارتكبتها قوات أديس أبابا.
مجازر مروّعة
ففي الثاني من أبريل الماضي، كشف باحثون يدرسون الصراع في إقليم تغراي الإثيوبي، أنهم استطاعوا تحديد أسماء 1900 شخص راحوا ضحية أكثر من 150 مجزرة، ارتكبت هناك بأيدي قوى مختلفة، ووفق معطيات الباحثين، لم تتوقف أعمال العنف والقتل الجماعي بحق المدنيين في تغراي، على الرغم من إعلان الحكومة الإثيوبية، عن ختام العملية العسكرية في الإقليم عقب استعادة قواتها السيطرة على عاصمته مدينة مقلي، إذ تواصلت الاشتباكات بين القوات الفدرالية وحلفائها من جانب، والمتمردين المنتمين إلى "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" من جانب آخر.
اقرأ أيضاً: إجماع أوروبي على مُواجهة خطرها.. عداء موسكو يوحد القارّة العجوز
فيما أكدت مسؤولة في الأمم المتحدة، أنّ أكثر من 500 امرأة إثيوبية أبلغن رسمياً عن تعرضهن للعنف الجنسي في تيغراي، على الرغم من أن العدد الفعلي للضحايا قد يكون أعلى من ذلك بكثير، وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، "أصبحت الهجمات بؤرة للغضب الدولي المتزايد بشأن صراع يحدث فيه القتال إلى حد كبير بعيداً عن الأنظار في الجبال والريف، لكن الأدلة على الفظائع ضد المدنيين، مثل إطلاق النار الجماعي والنهب والاعتداء الجنسي، موجودة في كل مكان".
وفي الثامن من مايو الماضي، وجّه رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، اتهاماته للحكومة بالسعي إلى "تدمير" إقليم تيغراي، وصرّح أبونا ماتياس باللغة الأمهرية ضمن مقطع الفيديو، ومدته 14 دقيقة، أنهم "يعملون ليلاً ونهاراً لتدمير تيغراي، لا يتوقفون عندما يتعلق الأمر بإبادة شعب تيغراي"، مردفاً: "هناك مجازر في جميع أنحاء تيغراي، يريدون مسح شعبها من على وجه الأرض".
فيما نقلت راهبة تعمل في إقليم تيغراي، في الرابع عشر من مايو، ما رأته من فظائع حدثت في الإقليم الإثيوبي إلى صحيفة "الغارديان"، لافتةً إلى أنّ الوضع سيء إلى درجة أنّ الضباع تأكل جثث فتيات قتلن عقب تعرضهن للاغتصاب، وصرّحت الراهبة الإثيوبية، التي لم يكشف عن هويتها للحفاظ على سلامتها، والتي عملت في ميكيلي عاصمة تيغراي والمناطق المحيطة بها، أن فتيات لا تتعدّى أعمارهن الثماني سنوات وحتى النساء في سن الـ72 يتعرضن للاغتصاب، لافتةً إلى أنّ الاغتصاب يقع في الأماكن العامة وأمام الأسرة والأزواج وأمام الكل.
اقرأ أيضاً: أنقرة وداعش.. مُحاولات لتبييض الصورة تدحضها التقارير والمنطق
كما نوّهت إلى أنّ بعض الفتيات جرى قطع أرجلهن وأيديهن، وأنّه يجري ترك جثثهن من دون دفن لتأكلها الضباع، متابعةً: "أينما توجد قوات إريترية أو إثيوبية هناك مأساة.. وكل امرأة معرضة لهذا الأمر، وليس لمرة واحدة فقط"، وأكملت بالقول: "هناك 70 ألف مدني يتعرضون للهجوم.. هناك الكثير من النهب والقتال والاغتصاب، وكل هذه الأفعال الوحشية تستهدف المدنيين"، موضحةً أنّه "هذه المنطقة مغلقة بشكل كامل والدعم الذي يحتاجه الناس مقطوع".
الجارة أرتيريا شاركت بالمجازر
الاتهامات إذاً وجهت لإرتيريا، الجارة الشمالية الشرقية لإثيوبيا، بالمشاركة مع قوات آبي أحمد في ارتكاب المجازر في إقليم تيغراي، لكن إريتيريا أنكرت على الدوام مشاركة مسلحيها في القتال، حتى الرابع من أبريل، عندما أقرّت السلطات الإثيوبية بأن القوات الإريترية بدأت الانسحاب من إقليم تيغراي، حيث كانت تقاتل إلى جانب القوات الإثيوبية في حربها ضد قادة الإقليم الفارين، في تأكيد على زيف المزاعم الارتيرية.
اقرأ أيضاً: في إيران.. العسكر يتحكّمون بالساسة أحياءً كانوا أم أمواتاً
فيما وصفت الولايات المتحدة الانتهاكات في تيغراي بأنها "تطهير عرقي"، وهي التهم التي نفتها السلطات الإثيوبية باعتبارها "بلا أساس"، وجاء انسحاب إرتيريا، عقب مطالبة الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا ودول أخرى من أعضاء مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، بانسحاب سريع غير مشروط ويمكن التحقق منه، لجنود إريتريا من إقليم تيغراي الإثيوبي، على أن تعقب الانسحاب عملية سياسية مقبولة للشعب الإثيوبي بجميع أبنائه.
المُقاومة العسكرية تؤتي أكلها
على الجهة المقابلة، لم يكفّ مقاتلو الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عن عملياتهم العسكرية المناوئة لقوات آبي أحمد، حيث أقرّ الأخير، في الخامس من أبريل، بأنّ المجموعة العسكرية، اختلطت بالمزارعين وبدأت التنقل من مكان إلى آخر، في إشارة إلى جبهة تحرير تيغراي، لافتاً إلى أنّ القضاء عليها في غضون ثلاثة أشهر غير ممكن، فيما نبهت من جهتها، مجموعة الأزمات الدولية إلى أنّ النزاع بصدد التحوّل إلى حالة جمود مطوّلة.
اقرأ أيضاً: أبو عمشة.. سيف الارتزاق الضارب بعقيدة الإخوان المسلمين
وفي السادس والعشرين من مايو، قالت الحكومة الإثيوبية إن المتمردين قتلوا 22 مسؤولاً في الإدارة المؤقتة لإقليم تيغراي، بجانب "اختطاف" 20 مسؤولاً آخرين، على أيدي قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وجاء في البيان الصادر عبر "تويتر" أن أربعة آخرين "أصيبوا بجروح ونقلوا إلى المستشفى".
وتواصلت المقاومة حتى نهاية يونيو، عندما كشفت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، في التاسع والعشرين من يونيو، بأنهم أجروا عمليات "تطهير" ضد قوات الحكومية الإثيوبية المنسحبة من العاصمة الإقليمية مقلي، وأن المدينة عادت "بنسبة 100%" إلى حكمهم، فيما ذكر الناطق باسم الجبهة، جيتاشيو رضا: "قبل 25 دقيقة انتهت المشاركة النشطة في مقلي"، وأردف: "قواتنا ما تزال في مطاردة حثيثة في الجنوب والشرق"، مع القوات الحكومية.
اقرأ أيضاً: في ميانمار.. جيش مُنقلب يفشل بإخضاع شعب مُنتفض
الانسحاب المُكلل بطعم الهزيمة، لم يبقِ لدى حكومة أديس أبابا، إلا الإعلان عن “وقف إطلاق نار من جانب واحد” في تيغراي، ضمن محاولاتها لتخفيف وطأة الهزيمة، فيما أقرّ رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بانسحاب قواته من مقلي عاصمة إقليم تيغراي، معيداً ذلك إلى أنها لم تعد "محوراً للصراعات"، على حدّ زعمه، في محاولة منه لتبرير تقهقر قواته.
تصريح فنّده جيتاشيو رضا، الناطق باسم "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" في تصريح لـ"رويترز" ذلك، وأكد أن "القوات الإثيوبية اضطرت للانسحاب"، مردفاً أنّ "المزاعم بشأن الانسحاب من مقلي محض كذب وتغلبنا عليهم.. لقد انهزموا"، واصفاً تصريحات رئيس الوزراء آبي أحمد بشأن الانسحاب بأنها "كذبة".
لتثبت معها تيغراي، أن العين يمكن لها أن تقاوم المخرز، وأن الأرض لا يمكن إلا أن تكون لشعبها، وأن السلطة التي لا تستجيب لشعبها، لا تجني إلا الخيبة وذيول الهزيمة، أياً كانت مُبرراتها للاستبداد، وأياً كانت مُبرراتها للانسحاب.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!