الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الاستحقاق الانتخابي في ليبيا إذ يواجه اهتزاز القشرة الداخليّة للنظام الدولي

الاستحقاق الانتخابي في ليبيا إذ يواجه اهتزاز القشرة الداخليّة للنظام الدولي
رامي شفق
بعثت التصريحات الأخيرة التي أطلقها خالد المشري رئيس ما يعرف بـ"المجلس الأعلى للدولة في ليبيا"، والتي خط فيها عديد الاشتراطات، بينما رسم من خلالها الخطوط الحمراء حول الخريطة التنفيذية للانتخابات الرئاسية، المقررة نهاية العام الحالي، بشكوك جمّة في أذهان الليبيين، وبخاصة فيما يتصل بإجراء الاستحقاق الانتخابي، وكذا مدى جدية المجتمع الدولي في رعاية وضمان العملية السياسية في ليبيا، بعيداً عن كافة المعوقات والألغام التي تطلقها عناصر وقوى الإسلام السياسي في ليبيا، لجهة تحقيق مصالحها الفئوية والذاتية، والضغط لحصد مكاسب إضافية من القوى الدولية والإقليمية.

تتدافع كافة الأحداث ومعها الأطراف الفاعلة في الداخل الليبي، وتستجيب بعضها لصالح القوى الخارجية قبيل انطلاق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في الرابع والعشرين من شهر ديسمبر كانون الأول القادم.

بينما يترقب الجميع إعلان المفوضية العليا للانتخابات الليبية فتح باب الترشح، رسمياً، للانتخابات، تثور مواقف سياسية متباينة، وقد أطلق المشري تصريحات مثيرة ولافتة، حيث حذر بلهجة تبطن تهديدات مباشرة من كون الانتخابات بشروطها وظروفها الراهنة لا تستجيب والأوضاع الليبية، وأن انطلاق فعالياتها يشعل فتيل الحرب الأهلية في البلاد فضلاً عن تهديده الصريح بقوله إن "المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي لن يكون رئيساً لليبيا ولو على جثث آلاف الليبيين، مضيفاً: "إذا جاء حفتر رئيساً فإنّ المنطقة الغربية ستقاوم بقوة السلاح".

ثمة يقين أن مثل تلك التصريحات وغيرها التي تذهب في إطار رفض الانتخابات، لا سيما ما يرتبط بشخصيات محددة، واحتمالية فوز بعضهم والقطع بكون ذلك سيضحى ممراً للعنف والاحتراب الأهلي واستدعاء مشاهد العبث المسلح في 2014، لن تكون الأخيرة خلال الأيام القادمة، بل سترتفع وتيرتها ويتصاعد منسوبها، كلما اقترب وقت الانتخابات من خلال ربط الغرب الليبي بتموضع ميلشياته المسلحة. وبالتالي ينبغي النظر إلى مثل تلك المقولات المتكررة بكونها تأتي في محاولة اقتحام المشهد ودفع الضرر بعيداً.

خالد المشري، القيادي في حزب العدالة والبناء، الذراع السياسي لجماعة الإخوان، يقول بصيغة السؤال فيما يختص بالحضور التركي في ليبيا، والذي يتماهى مع المصالح الأمريكية وينافس الحضور الروسي عن طريق الوكيل التركي: "لماذا ننكر هذا الدور لتركيا في الاستقرار؟"، ويردف المشري بأن من زعزع الاستقرار في ليبيا هو المشير خليفة حفتر.

ويتابع: "إن القوات المتواجدة حالياً هي قوات للتدريب فقط وليست قتالية. نحن نقدر حجم الانشغالات التي أصبحت عليها تركيا حيث ملف أذربيجان وملف سوريا وأفغانستان، لذلك يجب ألا تنسى الحكومة التركية الملف الأهم وهو ملف ليبيا ولا نتمنى أن ينخفض مستوى الاهتمام في هذا الملف".

كما شدد في موضع آخر على أنه "ليس مع استمرار التواجد التركي العسكري في ليبيا من حيث المبدأ لكن من ناحية الترتيب الزمني ومتى يخرجون وكيف سيخرجون". وعلى خلفية ذلك يطرح المشري أن الحضور الميداني التركي في غرب البلاد إنما لمواجهة "المرتزقة" من بعض الدول وقوات فاجنر الروسية المتواجدة بشكل غير شرعي، حسبما يقول، بيد أن القوات التركية تمثل اتفاقية شرعية، وفقاً لمزاعمه البراغماتية، وبالتالي، يجب أن يضحى خروج المرتزقة أولاً وبعدها يأتي الحديث عن خروج القوات التركية.
لا شك أنّ الوضع السياسي في البلاد يختبر جانباً مهما في العلاقات الدولية وزاوية حادة ينبغي متابعتها بدقة لتحديد الصراع الدائر بين الإرادات الدولية والإقليمية التي تسعى نحو وضع مستقر.

ليبيا التي تطل سواحلها على البحر الأبيض المتوسط وتمثل نافذة بحرية على الدول الأوربية وبالتالي هي من النقاط الساخنة التي يسعى الجميع أن يحوز التأثير على واقعها ومستقبلها. وعليه، ثمّة فارق لافت في صراع الإرادات الإقليمية داخل الفضاء الليبي، كون الجميع يعمل في حيّز ضيق يرتبط بشكل كبير بعلاقات محدودة بشخصيات في الداخل، ومرتهنة بقوى دولية في الطرف الآخر، بينما القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة، تملك وحدها تقديم المكاسب وتوقيع العقوبات. الأطراف الأخرى سيما روسيا تغل يد واشنطن عبر حضورها المؤثر في نقاط ساخنة أخرى، وربط المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة بسيناريوهات الحركة في هذا الملف. ونستطيع جميعاً متابعة الأمر عن طريق التطورات التي جرت، مؤخراً، في السودان وتحرك واشنطن لكبح جماحها. لكن موسكو تعمل لمصالحها الذاتية وتضغط على واشنطن في كافة ملفات الشرق الاوسط كنتيجة مباشرة لعمل الأخيرة في كافة المناطق المتاخمة لموسكو في آسيا.

مطلع الشهر الحالي، فتحت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات باب الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وسط أنباء إعلامية تتردد عن ترشح عديد الشخصيات في ليبيا، من بينهم شخصيات تنفيذية، حيث جرت الإشارة إلى عزم عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية، الترشح لمنصب الرئيس. بذلك يضحى من داخل الدائرة السياسية التي اشتبكت مع المشهد الليبي ثلاثة أسماء يتردد عزمهم الترشح للانتخابات؛ المشير خليفة حفتر، المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، عبد الحميد الدبيبة.
الثلاثة يمثلون هيئات تنفيذية وتشريعية في الداخل الليبي وتتباين علاقاتهم الإقليمية والدولية. غير أن السيد رئيس مجلس النواب وقائد الجيش الليبي يقطع كل منهما أي علاقة وكل ارتباط بتركيا. بينما يحتفظ السيد رئيس حكومة الوحدة الوطنية بعلاقات جيدة مع رجب طيب أردوغان وعاود الزيارة لأنقرة غير مرة في الفترة الأخيرة ووقع مع الجانب التركي اتفاقيات اقتصادية.
من اللافت أيضاً أنّ الدبيبة يقع داخل دائرة الصراع مع رئيس مجلس النواب بشخصه وصفته. إذ مرر الأخير عدة قرارات ضد الحكومة وأدائها. كان أهمها على الإطلاق سحب الثقة منها وتعطيل الميزانية المقترحة بينما رئيس الحكومة لم يمنح قائد الجيش حفتر صفته الرسمية، ولم يعمل على إنجاز ذلك الملف الشائك والمعقد.
ما بين ذلك كله، يأتي من بعيد نجل العقيد معمر القذافي، سيف الإسلام، وسط أنباء تتردد عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية. وتذهب بعض الآراء إلى وجود انقسام بين الأطراف الإقليمية والدولية حول ذلك القرار. بيد أن الوضع القبلي وتفاعله في الداخل الليبي قد يبدو عاملاً مؤثراً لصالح سيف الإسلام إذا ما اعتزم القرار.

استقرار الأوضاع في ليبيا مرهون بعديد العناصر والتفاعلات، مكونات متباينة ومتناقضة محلياً وإقليمياً ودولياً، وترتبط بشكل وثيق مع تحرك القشرة الداخلية للنظام الدولي وتحلحل بعض نقاطه المركزية. وعلى ضوء ذلك من الصعوبة بمكان استقراء مشهد متوازن في عدد من الملفات التي تتصف بالسيولة في ظل هذه الأوضاع الاستثنائية.

رامي شفيق

ليفانت - رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!