الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
وماذا عن خمسة ملايين مواطن سوري؟
محمد محمود بشار

عندما تم فتح البوابة الحدودية في مدينة رأس العين المعروفة كردياً باسم (سري كانية) الواقعة على الحدود السورية – التركية، دخل إليها العديد من الفصائل المسلحة تحت اسم المعارضة السورية، وتحت حماية مباشرة من الدولة التركية.


في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2012، تزعمت كتائب (غرباء الشام) الإسلامية، برفقة جبهة النصرة والعديد من الفصائل الأخرى حملة (غزو رأس العين) حينها هربت قوات النظام السوري من المدينة وأطرافها، وبقي فيها مجموعات من الأهالي المتطوعين مع (وحدات حماية الشعب) وهي قوات عسكرية تم تأسيسها في 2011 في المناطق ذات الأغلبية الكردية في سوريا.


تحولت هذه المدينة الصغيرة إلى ساحة حرب كبيرة، تدخل فيها التركي والروسي والأمريكي ومرتزقة من مختلف أصقاع العالم، إلا أن هذه المدينة تمكنت من طرد العديد من المجاميع المسلحة التي أدخلتها تركيا إلى المدينة، وبقي أهلها يعيشون حياة شبه طبيعية على حدود الموت والإرهاب  وغزوات المرتزقة.


تمكنت مؤسسات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا من إدارة هذه المدينة لغاية أكتوبر 2019، حين تعرضت المدينة لعملية اجتياح عسكرية تركية وتم احتلالها وتهجير أغلب سكانها الأصليين منها.


من بين ركام الحرب وفي وسط أعاصير وأشباح الموت والدمار في سوريا، نهض مشروع مميز يدعو إلى الديمقراطية والتعايش المشترك بين جميع القوميات والأديان.


كان الأمر أشبه بالمستحيل أن تنهض بهذا المشروع في بيئة توافدت إليها العديد من المشاريع الجهادية والقوموية والأيديولوجيات المشبعة بالتطرف القومي والديني والمذهبي. ولكن استطاع أصحاب المشروع تخطي أبرز الصعاب والعوائق وبعد إعلانهم للإدارة الذاتية في الجزيرة السورية، في 21 كانون الثاني/ يناير 2014، استطاعوا في عدة أعوام تطوير وتوسيع المشروع وإعلان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في 6 أيلول/سبتمبر عام 2018، وأصبحت مناطق الإدارة تضم الرقة والحسكة والقامشلي وكوباني وعفرين ومناطق من ريف حلب، مثل منبج وتل رفعت ومناطق واسعة من دير الزور ومدن وبلدات أخرى شكلت حوالي ثلث الجغرافيا السورية بشكل عام.


في هذه المنطقة وعلى يد قوات سوريا الديمقراطية تغير تاريخ الحرب على الإرهاب في العالم، إذ تم القضاء على آخر معاقل خلافة تنظيم داعش في 23 آذار/ مارس 2019 في منطقة الباغوز.


لكن وعلى الرغم مما قدمته هذه المنطقة السورية للعالم في حربها ضد الإرهاب إلا أنها مازالت لحد الآن غير معترف بها رسمياً على الصعيدين، المحلي والدولي، وتعرضت لعدة عمليات عسكرية عدوانية تركية.


جرت العديد من المباحثات واللقاءات بين مسؤولي الإدارة الذاتية ومسؤولي النظام السوري في دمشق، ولكن من دون جدوى، كذلك تم إقصاء ممثلي الإدارة الذاتية من الحضور في اجتماعات جنيف المتعلقة بالوضع السوري، وذلك بفيتو تركي-روسي-إيراني مشترك.


ومازال التواجد الأمريكي في شمال وشرق سوريا من خلال التحالف الدولي لمحاربة داعش مقتصراً على الجانب العسكري فقط، وعلى الرغم من زيارة العديد من المسؤولين والدبلوماسيين الأمريكيين إلى هذه المنطقة ولكنه لحد الآن لم تتطور العلاقة بعد لتصل إلى حد الاعتراف السياسي وبناء علاقات سياسية ودبلوماسية.


الوضع في شمال وشرق سوريا، لم يعد شأناً محلياً أو إقليمياً فقط، بل بات يشكل عقدة كبيرة في السياسة الدولية، حيث لا تمتلك دمشق إلا وجوداً شكلياً فقط في هذه المنطقة، بينما الروس وألامريكان لهم حضورهم القوي عسكرياً.


جذب الاستقرار النسبي الذي تتمتع به المنطقة مئات الآلاف من النازحين السوريين من المناطق الأخرى إليها، حيث تتكون الكتلة السكانية الآن في شمال وشرق سوريا من خمسة ملايين مواطن سوري.


هناك تحرك الآن من قبل القوى والأحزاب والشخصيات المنخرطة في الإدارة الذاتية للحصول على اعتراف رسمي من قبل المجتمع الدولي، في هذه الأيام، وهذا التحرك بحد ذاته هو خطوة جديدة في السياسة والدبلوماسية التي تمارسها الإدارة الذاتية، إذ هل من الممكن لها أن تحصل على اعتراف رسمي دولي من دون المرور بدمشق؟


الكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي، هذا ما يفصح عنه لسان حال الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.


ولكن يبدو أن ركل الكرة بهذه الطريقة سيهز شباك المرمى في دمشق التي تعنتت في كل سنوات الحرب العشرة، فحكام دمشق لا يصغون لأي مبادرة إلا عندما يدركون بأن هناك خطراً قادماً من الغرب.


محمد محمود بشار

ليفانت - محمد محمود بشار ليفانت 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!