الوضع المظلم
الخميس ١٨ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
واقعية سعوديّة إيرانية بنكهة صينية
 سعد عبد الله الحامد

لقد توقفت كثيراً أمام هذا الاتفاق الذي يمثل فتح صفحة قادمة في المنطقة بين الرياض وطهران، ويأتي ذلك بعد انقطاع للعلاقات يقارب 7 سنوات عقب أحداث اقتحام سفارة المملكة بطهران وتمدد النفوذ الإيراني داخل العديد من الدول العربية بشكل أصبح يثير علامات استفهام حول رؤية طهران وما تريده، ووجود العديد من التنظيمات التي تمثل امتداداً لنفوذ طهران في المنطقة، بدءاً من اليمن وانتهاء بالعراق.

لقد وضعت الصين أولى بصماتها في المنطقة من خلال إبرام هذا الاتفاق بين الرياض وطهران بشكل جعل جهود الصين كفيلاً قوياً لالتزام طهران مستقبلاً بهذا الاتفاق، حيث يرى العديد من المراقبين أن انطلاق هذا الاتفاق له عدة دلالات واعتبارات جعلت طهران تعجل بإبرام هذا الاتفاق وبإيعاز من المرشد الأعلى الإيراني بعد مراحل متعددة من المفاوضات، بدءاً من عمان ومروراً بالعراق وأخيراً الصين.

ومن هذه الدلالات الضغوط الشعبية الداخلية والضغوط الاقتصادية الكبيرة بسبب العقوبات الدولية على طهران نتيجة استمرار تخصيب اليورانيوم والبرنامج النووي الإيراني، مما جعل إيران قريبة من الحصول على السلاح النووي وهو ما زاد من حنق واشنطن وإسرائيل على طهران، وكذلك أوربا، في ظل تلويحات مبطنة بين الحين والآخر من الميليشيات في اليمن باستمرار تهديد واستهداف مصادر الطاقة والممرات المائية واستمرار حزب الله بتهديد إسرائيل أيضاً. ولا شك أن تهديدات وكلاء طهران في المنطقة هاجس قد ينعكس على أسعار الطاقة والنفط التي اضطربت بسبب تبعات تلك الحرب ليشكل تحدٍّ آخر وليزيد من عزلة طهران عن محيطها الدولي إضافة أن خطوات حظر الحرس الثوري كمنظمة إرهابية من قبل حلف الناتو جانب مهم، ورغبة واشنطن بإدراج كيانات في قوائم الإرهاب جانب آخر. وأخيراً تدخل طهران في الحرب الروسية الأوكرانية ودعم روسيا بالمسيّرات التي استطاعت أن تكسر القبة الحديدية الإسرائيلية أيضاً خطوة زادت من قلق الناتو بشكل أكبر من إيران، وهذه الاعتبارات جعلت إيران تعيد حساباتها لتغيير نهجها في بناء علاقاتها القادمة كي لا تؤثر تلك الضغوط على بنية النظام، وبالتالي فإن الفكرة التي يطرحها البعض بأن اشتعال حرب في المنطقة ضد إيران ودول أخرى هو ضرب من الخيال، خصوصاً أننا سمعنا من واشنطن وإسرائيل مرات عديدة.

هذه التصريحات حتى عندما استهدفت ثكنات الجيش الأمريكي في العراق وسوريا من إيران تكررت نفسها إضافة إلى أن الصين الآن أصبحت لاعباً مهماً في المنطقة مع دول الخليج للحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، حيث إن الصين كانت تتعامل مع قضايا منطقتنا بشكل بعيد عن سياسة ازدواج المعايير وبشكل متوازن حتى مع القضية الفلسطينية مما يجعلها وسيطاً نزيهاً إلى حدّ كبير، إضافة إلى أنّ توثيق الصين لعلاقاتها الاستراتيجية مع دول المنطقة سينعكس أيضاً على مشروع الطريق والحرير المشروع الاقتصادي الاستراتيجي للصين.

ولا ننسى بأنّ الصين الآن لديها رغبة بنسج علاقات اقتصادية جيدة نتيجة لتأثيرات جائحة كورونا التي ما زالت تعاني آثارها الصين حتى الآن، إضافة بأن ما قامت به الرياض من واقعية سياسية مكّنت لعقد هذا الاتفاق ليجنّب المنطقة العديد من المشاكل القادمة، ويلقي بظلاله حال استمراه ونجاحه على عدة ملفات أخرى ساخنة في المنطقة، كالحرب في اليمن والتدخلات في العراق والنفوذ في سوريا ولبنان والبرنامج النووي الإيراني وبرنامج الصواريخ الباليستية والمسيّرات، وبالتالي قد تكون هناك نسخة أخرى من التجربة التركية بانتهاج استراتيجية تصفير الخلافات مع دول المنطقة والجوار تحديداً مما يعزز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ويمنح فرصة قادمة للتركيز على التنمية والرفاه لشعوب المنطقة، كما أن السياسة السعودية من خلال عقد هذا الاتفاق في هذه الفترة التي تشهد متغيرات دولية كبيرة وتحولات جيواستراتيجية أثبتت نجاعتها انطلاقاً من استمرارها بالحفاظ على استقرار وأمن هذه المنطقة ومد جسور التواصل وحسن الجوار والتحرك وفق ما يخدم مصالحها الوطنية ويجنب دول المنطقة أي صراعات لا تعود بفائدة عليها انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة بإحلال الأمن والاستقرار في منطقتنا.

وقد يتبادر سؤال حول جدية طهران واستمرار هذا الاتفاق من عدمه. وبرأيي إن تفعيل هذه الاتفاقيات بين البلدين في عدة مجالات هو خطوة نحو اختبار نوايا طهران ومصداقيتها بإقامة علاقات مستقبلية إيجابية لهذه المنطقة قد تتبلور من خلالها اتفاقات حول قضايا المنطقة المشتعلة، وأولها الحرب في اليمن، ولذلك المنطقة بحاجة لهذا الاتفاق بين أكبر دولتين في المنطقة، تحالفهم قد يغير واقع المنطقة بصورة مختلفة، ولا أعتقد أن طهران ستضيع هذه الفرصة، وإن كان من الصعوبة أن نلمس تغيّراً بخصوص لبنان والعراق في هذه المرحلة لأنها مراكز نفوذ قوية لطهران، وكذلك سوريا، ولكن قد نصل إلى رؤى تشاركية تسهم باستقرار تلك البلدان، وكذلك البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ قد تكون رؤية لمملكة ودول الخليج حاضرة هذه المرة لأنها تمثّل مساساً بمنظومة الأمن الخليجي بأكمله.

ليفانت - سعد الحامد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!