الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل ينبغي على الغرب حماية الكورد، ولماذا؟
رضوان باديني

د. رضوان باديني


أن الجواب المباشر على هذا التساؤل، هو: نعم، وبكل تأكيد!

ونعم، ليس إنطلاقاً من مبدئ فلسفي، مثلما نقول: "أن أوروبا القوية، الغنية والديمقراطية ينبغي أن لا تسمح بممارسة العنف والإضطهاد القرونوسطي على مقربة من حدودها ضد شعبٍ أعزل!". لا ليس لهذا السبب الذي يقتضي شرف العظمة والعز والرقي والأخلاق السياسية العالية، بل لأن لأوروبا باع طويل وعلاقة مباشرة بما جرى ويجري للأكراد ومنذ قرابة مائة عام وإلى اليوم!!.




البحث في أسباب مسؤولية أوروبا والغرب الجزئية في تعاسة مصير الكورد ينقلنا للبحث في فجوات "خساسة السمسرة" في تاريخ الشرق الأوسط الحديث والتمعن في مرحلتين من السفه السياسي، منفصلتين، لكن مفصليتين في تعامل الأوروبيين مع الكورد على غير وجه حق: الحالة الأولى، حينما حُرم الكورد من إرثهم التاريخي وحقهم السيادي الطبيعي على أرضهم في الدولة العثمانية أثناء تقسيم تركة "الرجل المريض"، في إتفاقيات الأوروبيين المتعددة (بالأخص فرنسا وبريطانيا)، مع تركيا العثمانية (معاهدة سيفر في 10آب 1920)؛ والحالة الثانية (المرحلة الراهنة): حينما دفع الكورد القسط الأكبر والباهظ، ثمن مواجهتهم للتطرف الديني بدماء الآلاف من أبناءه وبناته (في سوريا والعراق) لدحر داعش وصد خطر التنظيمات الإرهابية الإسلامية عن أوروبا والعالم أجمع. في الحالتين حققت الدول الأوروبية مصالحها وخرج الكورد صفر اليدين، و ترك مصيرهم للمجهول!.


 

نعم حالتين متباعدتين بينهما قرابة مائة عام، لكن موقف أوروبا بقي مفصلياً وحاسماً في إصطفافه لجانب أعداء الكورد أثناء نزاعاتهم مع الدول التي إقتسمت أراضيهم؛ ودوماً بعكس ما تقتضيه القوانين والأخلاق السياسية الظاهرية التي يدّعونها.


هل ينبغي على الغرب حماية الكورد، ولماذا؟ هل ينبغي على الغرب حماية الكورد، ولماذا؟

لنتمعن في الموضوع بشيئ من التفصيل: في الحالة الأولى، أدى خذلان الأوروبيين للكورد بالتواني عن القيام بالإجراءات المقتضية تنفيذها حسب معاهدة سيفر، وحصراً "التحقيق في رغبة الكورد بالحكم الذاتي أو الإستقلال من خلال لجنة أوروبية ثلاثية" أدى إلى إبقاء الجزء الأكبر من جغرافيتهم تابعة لتركيا بعد تقسيمها، لكن سرعان ما تنكرت تركيا من تبعاتها القانونية في معاهدة لوزان 1923؛ بينما لحقت أجزاء هامة من أراضيهم للعراق وسوريا، الدولتين المنتدبتين من قبل بريطانيا وفرنسا. في الحالة الثانية (الراهنة)، أي بعد القضاء على داعش بالسواعد والتضحيات الكردية، وقف "العالم الحر"، مرة أخرى مكتوف الأيدي، من تجاوزات قوات "الحشد الشعبي" العراقي، وبالتواطئ مع قوى إقليمية على قضم مساحة واسعة من أراضي كوردستان العراق (51%)عام 2017!.


وبالنتيجة، تماماً كما في بداية القرن الماضي، حين آثرت الدول الأوروبية تحقيق مصالحها على دعم قيام كيانٍ سياسي كُردي، كررت تخاذلها في بداية القرن 21، تفادت دعم إستفتاء إستقلال إقليم كوردستان العراق، لكي لا تخسر مصالحها مع شركائها الشرق اوسطيين! وبذلك نستطيع التأكيد، بأن ما آل إليه مصير أرض وشعب كوردستان في المائة سنة الماضية هو نتيجة مباشرة لمقايضة الأوروبيين (فرنسا وبريطانيا بالدرجة الأولى) للورقة الكردية بمصالح مادية نفعية ومكاسب سياسية وقتية مع محتلي كوردستان.




واليوم، لربما كان تناول هذه الوقائع من شأن المؤرخين أكثر من أن تكون مادة للتداول الصحفي، لولا سخونة الأحداث المتعلقة بالمسألة الكوردية في سوريا في هذه الأيام، والتي يُخشى أن يتكرر فيها اللؤم نفسه.




هذه المرة أمريكا- سيدة الغرب، هي التي تتحكم في الموقف، وهي التي تلعب دور المايسترو في "شرق الفرات" وتخلق هرمونية التوجه بين السياسات والمساعي الأوروبية في المنطقة. ولكن ليس عبثاً، أن مجرد تقييم دورها الراهن في شرقي الفرات، تذكر الساسة الكورد بما سببته في الماضي القريب لإنهيار الحركة المسلحة في كوردستان العراق في منتصف سبعينات القرن الماضي. أنها تنصلت آنئذٍ من عهودها وأدارت ظهرها لمطالب الكورد بعد ان سوقت لإتفاق بين شاهنشاه إيران محمد رضا بهلوي وصدام حسين، (إتفاقية الجزائر آذار 1975)، والتي تم بموجبها وقف مساندة الحركة الكردية وسحب السلاح الثقيل منها، الأمر الذي كانت تضمنه أمريكا عن طريق إيران.




لهذه الأسباب وغيرها مما يقال حول الدور المبدئي الجديد لأمريكا في "شرق الفرات" ومستقبل شراكتها مع "قوات سوريا الديمقراطية" ضد الدولة الإسلامية، هناك الكثير والكثير مما يثير القلق والحيرة عند الكورد. والخشية هي، أن تؤدي مساعي اليوم إلى نفس النتائج الكارثية التي جرت للحركة الكوردية في العراق في الأمس القريب. بالتأكيد، بعض المشاهد عن هشاشة هذه العلاقة تؤكد تنامي عدم الثقة في مستقبل هذه العلاقات.




مثال بسيط عما نحن بصدده. في نفس اليوم 26-07-2019 الذي إنتهت فيه جولة نقاشات، بين تركيا والولايات المتحدة بشأن إقامة "منطقة آمنة" في "شرق الفرات" بدون الوصول لحلٍ مرضٍ للطرفين، كانت لهجة ترامب تصالحية جداً"! بل أن نبرة تصريحه بأنه: "لا يلوم أردوغان لشراءه صواريخ س400 من روسيا"، بمثابة تغفير لذنوبه في خرق "قاعدة أساسية من قواعد إعتماد دول حلف الأطلسي في التسلح". حيث كان متوقعاً حسب تصريحات كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية قبل اللقاء، فرض عقوبات إقتصادية ومالية كبيرة على تركيا جراء ذلك! لكن "تمخض الجبل عن فأرٍ!". لا بل تأسد أردوغان وصرّح بنبرة عالية وقوية، كالعادة: "مهما كانت نتائج مباحثاتنا مع أمريكا، أننا ماضون للقضاء على الممر الكوردي!! وبذا تداخلت وإختلطت قواعد اللعبة بين الطرفين ولم نفهم من سياق ذلك من يعاقب من؟!.




بعض الكلمات بخصوص هذه المنطقة التي تقلق تركيا وتدفعها للعب بكل أوراق القوة لديها للضغط على أمريكا بقبول الشكل الذي ترتأيه في "منطقة آمنة". فمنطقة "شرق الفرات" في الحقيقة آمنة جداً، لا بل أكثر أماناً من جميع مناطق سوريا! ويبدو أن هذا الأمان بحد ذاته هو هدف تركيا. أنها تريد تأليب مكونات المنطقة القومية والدينية والمذهبية..ضد بعضها البعض. فمن المعروف، تأسست هذه المنطقة عملياً نتيجة تحرير الكورد للمنطقة من تنظيم الدولة الإسلامية بمساعدة التحالف الدولي بقيادة أمريكا. وهي تحوي عملياً أكثرية مناطق كورد سوريا، والتي حررتها "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من قبل التحالف الدولي بقيادة أمريكا ضد داعش، و تؤلف "قوات الحماية الشعبية" الكردية عمودها الفقري.


أسس الكورد، بمشاركة بقية مكونات المنطقة، إدارتهم الذاتية التي تشكل قرابة 30% من أراضي سوريا، وهو ما يثير حفيظة تركيا، التي تعتبره تهديداً "لأمنها القومي"!؟. وحجة تركيا تتلخص بأن القوة السياسية الرئيسية المنظمة لهذه الإدارة الذاتية هي "حزب الإتحاد الديمقراطي(PYD) "، الموالي لـ"حزب العمال الكردستاني" الممنوع في تركيا، والذي يقبع زعيمه، عبدالله أوجلان منذ قرابة 20 سنة في سجن إنفرادي في جزيرة إمرالي في تركيا.




طبعاً الهدف الأساسي والعلني الصريح لتركيا هو ليس فقط سحق هذه الإدارة الموالية "لحزب العمال الكُردستاني"، بل عدم القبول بأي محاولة مهما كانت، قد تفضي مستقبلاً إلى تأسيس أي شكل من أشكال "كيان كوردي" على حدودها الجنوبية. و أمريكا التي قادت تحالف دولي من أكثر من 60 دولة في العالم ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق، ساعدت بالمال والسلاح والخبرة العسكرية، منذ سبتمبر 2014 "قوات سوريا الديمقراطية" على تحرير هذه المنطقة، وتجد الآن صعوبات هائلة في حماية شركائها الكورد في الحرب على داعش من حليفتها في الناتو تركيا. والطرفان الحليفان يسعيان منذ 2015 لإيجاد حل ممكن لهذه المعضلة؛ وهما في مناقشات مستمرة، تتباطأ وتتسارع، تهدأ وتتصاعد، وتكاد في بعض تفاصيلها تهدد إنهاء شراكتهما التاريخية منذ أكثر من نصف قرن في الحلف الأطلسي.


ومن خلال المفاوضات التي تجري على أعلى المستويات الرسمية، تسعى أمريكا لتهدأة تركيا بأن هذه المشكلة مؤقتة وستنتهي بإيجاد حل في إطار الأزمة السورية، وإلى حين ذلك تطرح حلول وسط. كإنشاء منطقة من5 إلى 10 كيلومترات، تدار من قبل بعض الدول الأوروبية والعربية.


لكن تركيا تلح على إنشاء شريط من جرابلس إلى الحدود العراقية بعمق 30 كم، تدار من قبل جيشها، وتخطط لإسكان بضعة ملايين من اللاجئين السوريين فيها. هذه هي النواياها الواضحة لتركيا للقضاء على "الكريدور الكردي الإرهابي" ووقف أي تنامي مستقبلي للإدارة الذاتية لتتحول لشكلٍ من أشكال "حق تقرير المصير" كما كان عليه الوضع في "كوردستان العراق" - تسعينات القرن الماضي. لذلك السؤال الذي طرحناه في عنوان المقال يكون الآن: هل سينتصر صوت الشجاعة والعدل المنادي بنصرة "إخوة السلاح" في جبهات الحرب ضد داعش كما نادى به البطل، بكل معاني الكلمة وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، وضحى بمنصبه من أجل عدم ترك رفاق السلاح بوحدهم؟ أم أن باب المزاد العلني والمتاجرة بقضية الشعب الكُردي ستبقى حتى تصل الصفقة مالياً وسياسياً للسقف المناسب لأمريكا وتركيا؟.




حالياً المفاوضات الأمريكية مع الجانب التركي و"قوات سوريا الديمقراطية" تكاد تصل إلى طريق مسدود، ولا يبدو في الأفق القريب أية حلول مرضية للأطراف المعنية. فمثلما لم تلطف المجاملات الدبلوماسية بين الرئيسين ترامب وأردوغان الأجواء المتوترة بينهما، ولم تكن كافية لمنع إحتلال تركيا في آذار/مارس 2018 منطقة عفرين؛ كذلك لم تمنع قصف تركيا الجوي الشبه يومي على مناطق كورد العراق الجبلية؛ ولا التواني في إستخدام الأسلحة الثقيلة ضدهم، بما فيها المنتجة أمريكياً.. لذلك تزداد القناعة بأن التهديدات التركية الأخيرة، بعد فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات حول المنطقة الآمنة (أواخر تموز2019)، بأن إجتياح منطقة "شرق الفرات" ليست إلاّ مسألة وقت، وسيتم ضمها، عن طريق "الإئتلاف" و "حكومة المعارضة السورية المؤقتة" القريبة من تركيا، كما كان عليه الحال بالنسبة لمناطق الشمال السوري الأخرى المحتلة من قبل تركيا: جرابلس، الباب، عفرين..ألخ.




وبالعودة لسؤالنا الرئيسي، ماهي مسؤولية أوروبا والغرب عموماً فيما يجري حالياً للكورد في العراق وسوريا؟




نقول: أن السبب الرئيسي في إستمرار هذه المسرحية التراجيدية بحق الكورد منذ قرن، هو نابع من شكل ترسيم حدود دول الشرق الأوسط بعد إنهيار الدولة العثمانية بـ"القلم والممحاة" الأوروبية وفي الغرف المغلقة، كما يقولون. أنها تمت بالضد من إرادة الناس ورغبتهم، وبدون الأخذ بعين الإعتبار الهرمونية الإجتماعية والثقافية والدينية أو المذهبية للمجتمعات عند إنشاء حدود كياناتها السياسية. وهي كانت تلبي فقط مصالح الدول الأوروبية التي إقتسمت تركة الدولة العثمانية. أن تلك الحدود كما نشاهدها اليوم، لم توفر الحماية لسكانها ولم تتوفر فيها أية ميزة من مقومات الأمة، وقد جعلت من الخلافات العميقة الدينية والمذهبية والقومية، ضمن حدود كل دولة "نيران تحت الرماد"، قابلة للتسعير في أية لحظة. وجعلت من إمكانية سيطرة مكوّن ما بعينه على مقدرات وإمكانيات الدولة، بتآزر أوروبي منحاز دوماً للجهة الأقوى، شرطاً جاهزاً لحرق معايير التعامل المعتدلة وتغيير قواعد اللعبة.


الأقليات والمكونات القليلة العدد، أو الممثلة بنسب ضعيفة بين النخب السياسية والعسكرية المدنية في هذه الدول الناشئة، كانت ولا تزال الضحية الأولى لتعسف القوى المستأثرة بالسلطة، وهي التي لم تراعى وتُحترم حقوقها وخصوصياتها في هذه الكيانات. بإستثناء حالات معدودة في التاريخ، تسلل فيها أفراد من هذه الأقليات إلى رأس الهرم السياسي للدولة في مراحل بعينها، نتيجة إنتشار "ثقافة القطيع" والغوغائية والفوضى السياسية. بعض هذه الحالات إنتجت "قادة الضرورة" التي تتماهى صفاتهم مع حالة من جنون العظمة (ميغالومانيا) التي يتنصل فيها أفراد، بما فيهم من أبناء الأقليات القومية؛ يبالغون ويلهبون في خطابهم المزاج العام الجماهيري ونصرة القومية السائدة. وهو ما إتفق على تسميته بعض علماء الإجتماع في التاريخ بـ "الكسموبوليتية"، ومثال ذلك الواضح في التاريخ الحديث ستالين الجورجي الذي عرف بمغالاته ومزاودته لطبع وصفات الروسي الحقيقي، حتى أدى بتصرفاته الديكتاتورية الفظة وبصفته المبالغة فيها كـ"أب الشعوب" إلى مقتل أكثر من 30 مليون روسي. وهي الحالة التي تنطبق بتفاصيلها على رجب طيب أردوغان، اللازي القومية والمتقنص بمبالغة زائدة طبع التركي الأوغوزي الأصيل، والذي لا أحد يستطيع حصر الأضرار التي الحقها ويلحقها بتركيا، تماماً كما فعل ستالين في روسيا.




أضف إلى ذلك، أن تركيا الحديثة، وريثة الإمبراطورية العثمانية الأهم، تملك وتحتفظ برقم قياسي من التناقضات الكمونية، لغزارة مكوناتها القومية وشدة التناقضات الدينية والمذهبية. ثم أن بيئتها الإجتماعية مهيئة جداً لإحتضان ميغالومانيا رئيسها المحتكر لكل الصلاحيات. لكن إستقوائه وتحالفه مع الغرب، يسمح له بتقديم "حريق تركيا الداخلي" على أنه "الأتون" الضروري الذي يؤدي لإنصهار جميع "الإختلافات القومية" وإنجاز قالب "للمواطن الصالح للدولة العصرية"!! تماماً كما أذاب ستالين بالحديد والنار الفروقات القومية بين شعوب الإتحاد السوفيتي السابق أثناء الحرب العالمية الثانية، بنفيهم وقتلهم. في تركيا اليوم، وبهذه الذريعة حصراً يتم حرمان القوميات الأخرى حتى من حمل أسمها والمطالبة بحقوقها القومية من لغة وثقافة وعادات.. وهو ما يؤدي على المدى البعيد لإلغاء الهوية القومية لمختلف المكونات. والدستور التركي يقر بذلك صراحة: جميع مواطنين تركيا أتراكاً!؟ فهل ستالينية أردوغان غير ظاهرة ومعروفة لأمريكا ومؤسساتها الديمقراطية والإستخباراتية؟ أم أنها تفضل التستر عليه تماماً كما فعل ستالين مع هتلر حيث لم يقتنع أن هتلر سيهاجم الإتحاد السوفيتي وظل يماطل حتى آخر لحظة؟؟




أن القومية كأيديولوجية صراع بشوفينية ممزوجة بهوى الإسلام السياسي في تركيا تشبه لدرجة بعيدة الشيوعية أو النازية التي تستحوذ على ركن أساسي من حياة الحشود والجماهير العامة في تركيا. لم يبقى أحد يقتنع بعلمانية الدولة بعد العدد الكبير من المؤامرات والإنقلابات المخطط لها. أن "مدللة أوروبا" والمرشحة السابقة رسمياً للإنضمام للنادي الأوروبي الراقي، تبقى في سلم تصنيف المنظمات الحقوقية العالمية: الأولى في العالم بعدد السجناء السياسيين والنواب والأساتذة الجامعيين والصحفيين؛ الأولى في العالم في عدد الخروقات لحقوق الإنسان والتوقيف بدون محاكمات؛ الأولى في عدد المقتولين المجهولين؛ الأولى في دعم جالياتهم في بناء المساجد في أوروبا! لكن، للأسف، ورقة تركيا الجيوبوليتيكية تبقى الأهم بالنسبة لتعامل أوروبا معها: فهي في نفس الوقت: الوجهة الأولى للسياحة والسفر بالنسبة لغالبية الأوروبيين؛ والجهة الأهم التي تتسارع اوروبا الغربية و الشرقية على إبقاء علاقات الود مع قادتها رغم سجلهم الأسود في مجالات حقوق الإنسان.


نعم هكذا خدعت تركيا أوروبا بأكملها. إستطاعت الإبقاء على خشونة وفظاظة معاملتها مع الشعوب غير التركية، وعدم إحترمها لمعايير "كوبنهاكن" الأوروبية في التعامل مع "اقلياتها" وبيئتها وتجارتها وزراعتها.. أنها "الديمقراطية" المحصنة والعاصية على العقوبات! فهل من عاقل يراهن بعد اليوم على التحول الديمقراطي الحقيقي في تركيا؟ طبعاً السؤال موجه مرة أخرى لأوروبا والغرب.




بالتمعن في هذه الصورة القاتمة لتركيا، يذكر عدد من المختصين والمطلعين على الوضع التركي، الرقم 18 كعدد للإنتفاضات والعصيانات المسلحة للكورد فقط في هذه الدولة. ورغم أن الحركة الكردية ككل، وبالأخص في سوريا والعراق، باتت تعرف اليوم، ليس فقط كحركة تحرر أكبر قومية في العالم دون دولة بل تتطلع للعب الدور الطليعي الأهم في النضال العالمي ضد العنف والتطرف الإسلامي. ومع ذلك تبقى أوروبا العجوز صامتة صمت الأموات أزاء حرب طاحنة شاملة بكل الوسائل والأساليب تشنها تركيا ضد أكرادها وتستهدف كل وجودهم في الداخل التركي كما في دول الجوار، العراق وسوريا.


وبكلمة أخرى، نظراً لتناقضات السياسة الأوروبية أزاء تركيا والمسألة الكوردية سابقاً ولاحقاً في منطقة الشرق الأوسط ككل، وفي "شرق الفرات" السورية اليوم حصراً، يحق لنا أن نعيد السؤال على مسمع جميع المسؤولين الأوروبيين والغرب عموماً: ما هي مسؤولية أوروبا وأمريكا اليوم في مصير الكورد في الشرق الأوسط ككل و في "شرق الفرات" بشكلٍ خاص؟ هل من تبعات سياسية، قانونية وأخلاقية تقع على كاهل أوروبا والغرب أزاء موقف يتواطئ دوماً مع آلة القتل ضد الأكراد منذ أكثر من مائة عام؟! أيعقل أن مصالحكم تعمي أبصاركم لهذه الدرجة، ولا تمييزون بين من يهددكم وبين من يتحالف حقاً وحقيقة مع أطروحاتكم الحضارية، التي للأسف غالباً لا تحترمونها أنتم بأنفسكم!!


هل ينبغي على الغرب حماية الكورد، ولماذا؟ هل ينبغي على الغرب حماية الكورد، ولماذا؟ هل ينبغي على الغرب حماية الكورد، ولماذا؟ هل ينبغي على الغرب حماية الكورد، ولماذا؟

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!