الوضع المظلم
الأحد ٢٨ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
هل لا تزال كوردستان إسرائيل الثانية؟!!
شفان إبراهيم

حينَّ اغتيل الرئيس ورئيس الوزراء الكورديان السوريان حسني الزعيم ومحسن البرازي، صعدت تُهمة العمالة لإسرائيل مُجدداً. ومنذ عهد عبد الكريم قاسم في العراق، وحتى أيامنّا هذه، ولا تزال تُهمة "التآمر" مع إسرائيل تُعلب الأفكار المتداولة حول الكورد وكوردستان. كما اتهمت قوات سوريا الديمقراطية قبل أشهر ببيع النفط السوري من المناطق الكوردية إلى إسرائيل، دون تبيان الخط البري الجغرافي الذي ستمر عبره الأنابيب أو صهاريج نقل النفط.




بالعموم، كانت هذه التُهمة جاهزة دوماً لتلفح وجوه المُطالبين بحلً عادلاً للقضية الكوردية ضمن الجغرافية السياسية التي يعيشون فيها، لكن نزعة "لزومية إهانة أو قتّل الكوردي بقيت متلازمة"

ما دفع كاتب هذه الأسطر لطرح هذه الفكرة مُجدداً، انبثق من الاستفسار الرئيس حول سبب تواجد أعداد كبير من شباب وشابات من مختلف الدول العربية في كوردستان العراق، وتحديداً أن المظاهرات التي تعم مناطق الشيعة في العراق، يكاد أن يكون الشعار المشترك بينها يذهب باتجاه استنساخ تجربة الإقليم لديهم، وهي تلك الأجيال التي كبرت على شعارات معاداة الكورد وكوردستان، وعينها الأجيال التي تعلمت من نُخبها السياسية ووسائل الإعلام المختلفة أن كوردستان ماهي سوا إسرائيل الثانية.




هكذا إذاً، كوردستان هي إسرائيل الثانية، في الوقت الذي انشغلت النُخب العربية الحاكمة في بغداد بحياكة الدسائس والمؤامرات ضد الاستقرار في كوردستان العراق، وانشغلت باستحضار الواعظ الديني لقيادة الوعي الدنيوي. وقدّمت كُل ما استطاعت من محاججات تستفيد منها في بترِ الطموحات والأفكار، وحاربت بكل ما ملكت من وسائل وأدوات ترهيب وتعجيزَ لكلِّ رغباتً مُحقة، فمسخت التعليم، وأنهت البنّية التحتية. لنختصرها بجملة واحدة "قتلت شعبها، جوعاً وفقراً، ثم زهقت أرواحهم" هؤلاء كانوا أبطال القضية العربية. أمام هول ما فعلته الأنظمة العربية ضدّ شعوبها وحقوقهم، راحت أجيالاً تنمو وتكبر وتدرس وتتعلم في مدراس إسرائيل الثانية. وبل أن الشباب في وسط وجنوب العراق، يُنادون أن يترأسهم الرئيس البارزاني.




في غزوة داعش لجأ مليون ونصف المليون من عرب العراق إلى إقليم "إسرائيل الثانية". مكثوا هناك لأكثر من عامين، منهم من انتسب إلى جامعات ومدّارس الإقليم، ومنهم من افتتح مشاريع اقتصادية وأعمال تجارية. الأكثر دهشّة، أنه تكّاد قلةً من الدولةٌ العربية ليس لها رعايا في كوردستان. عدّا عن السّلك الدبلوماسي العربي في هولير. كل هؤلاء الملايين من شرائح المجتمع العربي تُنجب، وتتزوج، وتُكمل تعليمها وتحصيلها العلمي، تؤمن مستقبلها وتبني طموحاتها وتحقق أحلامها في كوردستان. فهل بات من الجائز القول أن ملايين من عرب العراق حصلوا على الأمان في كوردستان "إسرائيل الثانية" وأن مئات الآلاف من أبناء الوطن العربي وجدوا ضالتهم في "إسرائيل الثانية". عدا عن تفضيل عشرات الآلاف من السوريين العرب العيش في المنطقة الكوردية في سوريا على الهجرة إلى أماكن أخرى، في ظل ديمومة المقتلة السورية، والمتابع لوضع النازحين إلى المناطق الكوردية وتعلهم في المدارس وفرع جامعة الفرات في الحسكة، وانخراطهم في مؤسسات الإدارة الذاتية، وقوات سوريا الديمقراطية، ونشاطهم التجاري والاقتصادي، وما يُقابله من قضم مساحات شاسعة من الجغرافية الكوردية السورية، وإلحاقها بدولة أخرى، وهذه تحديداً "اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية وإلحاقها بدولة أجنبية" كانت أبرز التهم التي تُلاحق الكورد السوريين دوماً، بمناسبة أو بدونها.




هل بات من حق الكورد أن يقولوا، أن نسبة من الأجيال العربية القادمة، ما هم سوى أبناء إسرائيل الثانية؟، وأن العقود القادمة ستشهد وصول من كَبِر ونشأ في إسرائيل الثانية، لأعلى المناصب والرتب والوظائف. وأن لم يصلوا إلى السّلم الوظيفي، فإنهم تشربوا سوسيوثقافة إسرائيل الثانية.




ووفق منظور مؤدلجي ومروجي فكرة أن الكورد ماهم سوى صهاينة ويهود وكفرة، وأن كوردستان هي خنجراً في خاصرة الأمة العربية، وهي إسرائيل الثانية، كيف سيتم التعامل مع كل هذا العدد الضخم من العرب المتواجدين هناك. إذ لم يعد جائزاً التعامي عن تأثير الحيز الجغرافي في الثقافات والطروحات الفكرية، النظرية منها والعملية.


شفان إبراهيم - كاتب وصحفي

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!