الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • هل تستطيع جامعة الدول العربية تهدئة الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟

هل تستطيع جامعة الدول العربية تهدئة الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟
داليا زيادة

ما زال الصراع بين روسيا وأوكرانيا بعيداً عن وصفه بأنه حرب عالمية، على الرغم من الأزمة العالمية الناتجة عنه. إلا أن التأثير الكبير لهذه الحرب يكمن في أن تكاليفها لا يتحملها الأطراف المتحاربة وحدهم، بل اضطر العالم بأسره إلى تحملها أيضاً.

لذلك، ليس غريباً أن نرى عدة دول، من مناطق جغرافية قريبة أو بعيدة عن الإقليم الذي تدور فيه الحرب، تحاول جاهدة التوسّط لوقف إطلاق النار وإحلال السلام، بما في ذلك وسطاء، مثل تركيا وفرنسا، رغم كونهما أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وكونهما جزءاً من الكتلة الغربية التي تقف بحزم في مواجهة تعنّت بوتين. حتى إسرائيل، التي تعيش عرضاً مستمراً من الصراعات، قد حاولت التوسّط خلال الأيام الأولى للحرب.

ومؤخراً، عرضت جامعة الدول العربية، رسمياً، التوسّط لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، أثناء زيارة قام بها وفد من وزراء الخارجية العرب، تحت مظلة جامعة الدول العربية، إلى وزيري الخارجية الروسي والأوكراني، كل على حدة، في موسكو وبولندا، يومي 5 – 6 أبريل، بهدف بحث إمكانية تهدئة الحرب وأيضاً الحدّ من تداعيات الصراع الذي لا يعرف أحد متى سينتهي، على الدول العربية.

في هذا الإطار، فإنّ المبادرة التي اتخذتها جامعة الدول العربية للتوسّط في النزاع الروسي الأوكراني تحظى بالتقدير باعتبارها أول إجراء جماعي تتخذه كتلة دبلوماسية إقليمية تجاه السلام. تشكلت اللجنة الوزارية العربية، التي عقدت محادثات مع وزيري الخارجية الروسي والأوكراني، الأسبوع الماضي، في أثناء الاجتماع الاستثنائي للممثلين الدائمين في جامعة الدول العربية، الذي عُقد في القاهرة، في اليوم الرابع من الحرب، ٢٨ فبراير. في ختام الاجتماع، قدمت جامعة الدول العربية توصية بتشكيل لجنة من وزراء الخارجية العرب لمراقبة الأزمة الأوكرانية والتوسّط لحل دبلوماسي بين الأطراف المتحاربة.

لكن، مع كل الاحترام، علينا أن نتساءل عن الثقل الدبلوماسي للجامعة العربية الذي يجعلها تعتقد أنه يمكنها التأثير على مسار الصراع الدائر الآن في شرق أوروبا، لا سيما أنه لدى جامعة الدول العربية تاريخاً مخجلاً، حافلاً بالفشل، في التعامل مع الصراعات الإقليمية التي عانت منها الدول العربية، وما زالت، بدءاً من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود إلى الحروب الأهلية التي أعقبت الربيع العربي في اليمن وسوريا وليبيا.

وغني عن الإشارة، الرقابة الذاتية التي تمارسها الجامعة العربية على نفسها عندما يتعلق الأمر بإدانة تدخلات روسيا القاتلة في شؤون الدول العربية. أقربها كان في أوائل شهر مارس، حيث أدان الاجتماع الدوري لوزراء الخارجية العرب التدخلات التركية والإيرانية في الدول العربية، بينما امتنع الوزراء أو قيادة الجامعة العربية تماماً عن إدانة أو مناقشة أو حتى الإشارة إلى التدخلات السياسية والعسكرية غير القانونية من قبل روسيا في كل من سوريا وليبيا.

من الواضح أنّ معظم الدول العربية حريصة على عدم الانحياز لأي طرف من الأطراف المتصارعة في الحرب الروسية الأوكرانية. لإثبات صحة هذا الطرح، يمكننا ببساطة النظر إلى نمط تصويت الدول العربية على القرارات المناهضة لروسيا التي اقترحتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الشهرين الماضيين. على سبيل المثال، في اليوم السابع من الحرب، 2 مارس، صوتت 13 دولة عربية، بما في ذلك مصر وجميع دول مجلس التعاون الخليجي الست، لدعم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتوبيخ روسيا بسبب غزوها غير المبرر لأوكرانيا. على النقيض، في اليوم الـ43 من الحرب، 7 أبريل، كانت ليبيا الدولة العربية الوحيدة التي صوتت لدعم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان الدولي، على خلفية غزوها الوحشي لأوكرانيا، بينما صوتت الجزائر وسوريا ضد القرار، فيما امتنعت جميع الدول العربية، بما في ذلك مصر وجميع دول مجلس التعاون الخليجي، عن التصويت.

ليس سراً أنّ الدول العربية في موقف صعب. من ناحية هم من بين الدول الأكثر تضرراً من الغزو الروسي لأوكرانيا، خصوصاً على المستوى الاقتصادي، ومثل بقية دول العالم، يريدون أن تتوقف هذه الحرب بشكل عاجل. لكن في نفس الوقت، لا يمكنهم مساعدة حلفائهم الغربيين في الضغط على روسيا من خلال العقوبات الاقتصادية أو التصعيد الدبلوماسي. لا يمكنهم حتى استخدام نفوذهم في سوق الطاقة العالمي لتشجيع الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة وأوروبا لردع بوتين. هذا، ببساطة، لأنهم لا يستطيعون الثقة الكاملة في حلفائهم الغربيين، خاصةً إدارة بايدن في الولايات المتحدة. بمعنى آخر، العرب لا يحبون بوتين، لكنهم أيضاً لا يثقون في بايدن.

رغم تفهمنا لذلك الموقف المعقد، لا يمكن للدول العربية أن تحافظ على استقرارها وأمانها بالوقوف في المنتصف طويلاً. صحيح أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ليست قضية عربية وأن الشرق الأوسط لديه من الألم والمعاناة مع الحروب والصراعات على مختلف ألوانها ما يكفيه، إلا أن المواجهة العالمية الحالية بين الغرب وروسيا تجهز المسرح الدولي لحالة استقطاب غير مسبوقة.

عاجلاً أو آجلاً، سوف تجد الدول العربية، مجتمعة أو منفردة، نفسها ملزمة بالانحياز إلى أحد الجانبين، إما روسيا أو حلفاؤها المفضلون في الغرب، وهذا بالضبط ما تحتاج جامعة الدول العربية التركيز على مناقشته وإعداد الدول العربية للتعامل معه في المستقبل، بدلاً من إضاعة الوقت والموارد بالتوسّط في الحرب بأوروبا، في الواقع، إن الجامعة العربية ليست بحاجة إلى أن تضيف إلى فشلها في حلّ الصراعات الإقليمية فشلاً جديداً في شرق أوروبا.

 

ليفانت – داليا زيادة

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!