الوضع المظلم
الثلاثاء ٣٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
مبادرة الإدارة الذاتية هرولة مُذلّة إلى الخلف
علي الأمين السويد

أعلنت الإدارة الذاتية شرقي الفرات، وبشكل مفاجئ في التوقيت والمصدر، عن مبادرة لحل ما أسمتها "الأزمة السورية" يوم الاثنين 18/4/2023. وقد اتصف نص المبادرة بالتضارب السياسي. ونسفت المبادرة كل الحقائق المثبتة محليا ودوليا خلال اثني عشر عاما عن دور النظام الاسدي في تمزيق وتدمير الوطن شعباً وبناءاً.

النقاط الرئيسية في نص المبادرة

1. اختصرت الإدارة الذاتية الثورة السورية بمفردة "أزمة."

2. أقرت بفقد مئات الآلاف من الأرواح دون ذكر نظام الأسد المجرم كونه القاتل.

3. جعلت الخسائر البشرية وتدمير البنى التحتية للوطن مقصورة على المناطق التي يسكن فيها مواطنينا الأكراد تحديدا. وأغفلت التدمير الهائل الذي حدث في حمص، وحماه، وريف دمشق، وحلب، وإدلب ودمشق.

4. جعلت مأساة الزلزال الأخير أعظم من قتل مليون سوري، وتشريد 12 مليونا آخرين.

5. ألقت المبادرة اللوم على أطراف هي سمتهم معارضة في نصاً، وهي في الحقيقة تعتبرهم مرتزقة وعملاء للمحتل التركي وهي صفة حقيقة وواقعية للائتلاف والحكومة المؤقتة، وللجنة التفاوض، وللجنة الدستور.

6. صوَّرت الفشل في إيقاف الجرائم الأسدية على أنه فشل في تشخيص "الأزمة." أي فشل في معرفة شخصية المتسبب في القتل، والتدمير، وربما يستدعي الأمر جلب خبراء من المريخ ليكشفوا المجرم الحقيقي في سوريا.

7. وعزت السبب في الفشل أيضاً، الى عدم اشراك جميع القوى السورية الفاعلة في الحل. وهنا المقصود بأن الإدارة تعزو الفشل الى فشل الحكومة السورية في اشراك جميع القوى السورية الفاعلة. أي الفصائل الإرهابية والانفصالية حسب توصيف نظام الأسد.

8.  وضعت الإدارة الذاتية أهمية كبرى لإشراك الأحزاب – أحزاب الجبهة التقدمية، والمنظمات النسائية - الاتحاد النسائي، والشبابية - شبيبة الثورة، وطلائع البعث. وأخيرا الإدارة الذاتية في التوافق على حل.

9. جعلت السبب الرئيسي في عدم التوافق على إيجاد حل هو "افتقار الحكومة السورية والجبهة الوطنية التقدمية، واتحاد شبيبة الثورة ومنظمة طلائع البعث الى السياسة الديمقراطية والاجتماعية الموجودة عند الإدارة الذاتية بالتجربة والبرهان كما ورد في البند الثالث.

10. أكدت على أن الثروات التي تحتضنها الإدارة الذاتية هي ملك للشعب السوري والمقصود هنا بالشعب السوري حسب سياق المبادرة هو النظام الأسدي والإدارة الذاتية والجبهة الوطنية التقدمية والاتحاد النسائي، واتحاد شبيبة الثورة ومنظمة طلائع البعث.

11. أكدت على وحدة الأراضي السورية واستقلالها، وهذه الإيجابية الأولى والأخيرة في المبادرة العصماء.

12. طالبت المجتمع الدولي بالعمل على إيجاد حل سياسي وديمقراطي "للأزمة السورية" بالتعاون مع النظام الاسدي الممثل بالحكومة السورية ومع الإدارة الذاتية من خلال تطبيق القرار الدولي 2254 بالرؤية الروسية الاسدية.

إطلاق المبادرة من الإدارة الذاتية كشف عوراتها

قيام الإدارة الذاتية بإطلاق المبادرة عمل ليس من اختصاص الإدارة الذاتية. فالإدارة الذاتية حسب تقسيم السلطات شرقي الفرات ليس من اختصاصها إطلاق المبادرات والخوض في السياسات وانما دورها مقتصر على إدارة المناطق خدمياً وتنظيميا. ولفهم التقسيمة بشكل أفضل، أضرب المثال التالي:

يمكن تشبيه الإدارة الذاتية شرقي الفرات بمؤسسة البلدية. والبلدية فيها ثلاث أقسام رئيسية هي:

أولا – مجلس رئاسة البلدية والذي يضم رئيس البلدية (مجلس سوريا الديمقراطي) وهذا المجلس مخوّل برسم السياسات، ومخاطبة الأطراف الخارجية.

ثانياً – قسم الخدمات الفنية (الإدارة الذاتية) وهو القسم المخول بتنفيذ المشاريع الخدمية مثل مدّ خطوط الكهرباء، والماء، وتعبيد الطرق، ومنح رخص البناء، ومراقبة المؤسسات الاستهلاكية، و...، الخ،  التي طلبها مجلس رئاسة البلدية.

ثالثا – شرطة البلدية (قوات سوريا الديمقراطية) وهي المسؤولة عن تنفيذ قرارات الإدارة الذاتية الخدمية حسب أوامر رئيس البلدية.

ما حدث فعلاً حين قيام الإدارة الذاتية بإطلاق المبادرة السياسية للحل في سورية هو أن قسم الخدمات عمل انقلابا على رئيس البلدية، وألغى وجوده، وتصرف على أنه هو الرأس السياسي للمنطقة بأكملها.

لم يعترض مجلس سوريا الديمقراطي على المبادرة بشكل علني، وواضح، وصريح لأسباب داخلية وخارجية أهمها ألا يتم الكشف عن واقع أن القسمة السلطوية في الإدارة الذاتية ضيزي، ومهلهلة، ومخترقة، وكل قسم يتصرف على مبدأ "حارة كل مين ايدو الو."

حقيقة واضحة للمراقبين السياسيين

يبدو واضحا أن روسيا نجحت في "الضحك على ذقون قادة الإدارة الذاتية – القسم الفني" بإطلاق هذه المبادرة متجاوزين رئيس البلدية. لأن روسيا تعلم بأن التعامل مع مسد ليس سهلاً، وقادة مسد أكبر من أن يتم خداعهم بهذه الطريقة بدليل تهليل، وتصفيق روسيا للمبادرة.

لماذا بدت الإدارة الأمريكية غير معترضة على المبادرة؟

ما صدر عن الإدارة الامريكية حول المبادرة ركز على البنود التي تتفق مع سياسة الولايات المتحدة الامريكية المعلنة حول الحل في سوريا، وهي باختصار تتلخص في وحدة الأراضي السورية، وتنفيذ القرار 2254.

ولم تبدي الإدارة الامريكية اعتراضها، أو امتعاضها من المبادرة لأنها تعلم علم اليقين بأن روسيا خلف المبادرة، ولأنها لا تريد أن تبدو وكأنها هي المسيطر النهائي على قرار المنطقة الشرقية التي تحكمها مسد، والإدارة الذاتية، وقسد. وكذلك لتؤكد بأن دورها في شرق سوريا هو فقط لمحاربة داعش وليس لحل القضية السورية بشكل عام.

لماذا تم رفض المبادرة من قبل الوطنين السوريين؟

لطالما نظر الوطنيون السوريون المعارضون لنظام الأسد الإرهابي الى مسد وقسد والإدارة الذاتية على أنها رأس الحربة الوطني الذي يمكن الاعتماد عليه في إجبار النظام الاسدي على تطبيق القرارات الدولية ومنها 2254 بالتفسير الوطني والامريكي.

وبالرغم من الإشارات السلبية التي كانت تصدر من شرقي الفرات الممثلة بالتصريحات السياسية من هنا وهناك، والاجتماعات مع النظام في دمشق، والتي باءت جميعها بالفشل الذريع، إلا أن ايمان الوطنيين السوريين بإمكانية التوصل الى تفاهم مع الإدارة الذاتية لازال ممكنا حتى جاءت هذه المبادرة لتعري الإدارة الذاتية، وتكشف نيتها الصريحة لتقديم نفسها للنظام الاسدي كشريك موثوق وقوي يمكن له أن يكون همزة وصل بينه وبين الإدارة الامريكية، كما تظن وتتوهم.

كما كشفت المبادرة على مقدار الهلهلة في التنظيم والتناغم بين الإدارات الثلاث مسد وقسد والإدارة الذاتية. مما يؤكد الحاجة الى إعادة بناء الثقة مجددا بين القوى الوطنية الحقيقية وبين الإدارات الثلاث شرقي الفرات في حال فشلت هذه المبادرة في التحالف بين الإدارة الذاتية من النظام الاسدي، وأرادت الإدارة الذاتية البدء من جديد.  

وهذا الفشل امر مؤكد الحدوث لأن نظام الأسد لا يعترف إلا بنفسه كحاكم واحد أحد لسوريا، ولا يجوز توزيع سلطاته يمنة ويسرة مهما كلف الثمن، حتى لو اقتضى الامر قتل مليون سوري آخر، وتشريد معظم من تبقى من السوريين.

ليفانت- علي الأمين السويد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!