الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
قليلاً من الإنصاف أيّها المتسلّق
ماهين شيخاني

للمفكر المغربي المهدي المنجرة كلمة مشهورة يعرّف بها الأميّ، فيقول: "إن الأميّ ليس من لا يعرف القراءة والكتابة كما هو شائع، بل من لا يعرف لغة أجنبية".

هذه المقولة لو أسقطناها على المثقفين بما فيهم الأدباء والكتاب سيكون بالتأكيد أغلبهم إن لم يكن التسعين بالمائة موضع الإلمام بلغتهم لا في موضع الإتقان، فإذا كان التساهل في جهل الأغلبية وعدم سبرهم لأنوار وأسرار اللغة، فهل يمكن التسامح والتساهل بجهل الأدباء والكتاب والمفكرين الذين تقع عليهم المسؤولية الأدبية والتاريخية، مسؤولية الارتقاء باللغة وتطويرها، وهل يمكن مثلاً من لا يعرف أسرار لغته أن يسهم بتجديد اللغة وتطويرها والارتقاء بها. وإذا كان هذا هو حال المثقفين فما الذي يمكن قوله عن حال ثقافة الشعب؟. المتسلّق

كل ما يعنينا من ذلك هو ضرورة الثقافة للأدباء والكتاب ومن المؤكد أن الثقافة الأكاديمية شرط أساسي للكتابة ،فأول الكتابة هي إتقان اللغة وهذا الإتقان هو الذي يتيح للعقل أن يرتقي وبدون هذا سيكون من الصعب التوقّع للكاتب أو الشاعر تجاوز رتاج الأدب والفكر .

قد يكون لدى أي كاتب أو شاعر مشاعر داخلية جيدة ومختلفة من نوع المشاعر والأخيلة التي لا يخلو منها قلب كل إنسان، ولكن هل هذه المشاعر والأخيلة قادرة على إيصال صاحبها إلى المستوى الأدبي وأن تهيِّئ له منزلة محترمة، هذا إذا كان الكاتب أو الشاعر ذو ثقافة ومعرفة، فما حال أولئك الذين لا يفقهون ألف باء الأدب ويحشرون أنوفهم في الأدب والشعر، ولا يملكون أي شيء لتأهيلهم سوى توريث آبائهم لهم بعض النقود.

لا شك أنّ كل غيور على ثقافتنا يتمنّى ظهور مجلات وكتب عديدة ومتنوعة تملأ المكتبة الكردية وتروي ظمأ كل قارئ، تخدم قضيتنا العادلة وتراثنا وحضارتنا، لا أن تسيء لأدبنا وأدبائنا. وكم يكون جميلاً حينما تقرأ مقالات أو قصصاً عن شبان مبدعين سائرين على درب القدماء، كالشاعر الكبير جكرخوين أو تيريز أو يوسف برازي.

وكم هو جميل عندما تكون هيئة التحرير حيادية، عادلة لا تكيل بمكيالين والأجمل من ذلك إذا كانت مثقفة وواعية تدرك المسوؤلية الملقاة على عاتقها، يغارون على الأدب والثقافة يحملون راية العدل، منصفون لا ظالمون مدركون لا مزاجيون، ذو قلوب بيضاء كصفحة الورقة، لاحاقدين، مجحفين بحقوق الناس. المتسلّق


بالتأكيد كل غيور على الأدب سيقف سدّاً منيعاً في وجه العابثين لا بل الملوثين، الطفيليين.

خلاصة القول، إن ما دفعني لكتابة هذه المقالة التي تحمل في طياتها بعض الألم والغضب للموقف الذي رأيته من شاعر معروف له ثلاث دواوين ومجموعة قصص قصيرة باللغة الكردية بالإضافة إلى الترجمة. والذي نال جائزة القصة في مسابقة القصة القصيرة باللغة الكردية التي أعلنتها كوما خاني في حلب. وآخر مغمور فأصبح الشاعر الذي كتب منذ أكثر من خمسة عشر سنة والذي صدح حناجر المطربين أشعاره لا شاعراً، وأصبح المغمور وصيّاً وسلطوياً يتحكّم في مصير الكتاب والشعراء وهو لا يدرك معنى للمسؤولية سوى الغرور لكونه يمتلك بعض النقود، يختار ويرفض على مزاجه.  المتسلّق

في الآونة الأخيرة ظهر بيد بعض المهتمين، العدد الأول من مجلة (…) فباركنا هذه الخطوة عسى أن ترفدنا بباقة من الزهور خصوصاً وأنّ الهيئة –هيئة التحرير– مؤلفة كما ذكرت من شاعر معروف وآخر مغرور والثالث مطمور ليس له ناقة ولاجمل بعيد عن الأدب كبعد الأرض عن السماء. وبدون أدنى شكّ انضمام المعروف كان القصد استغلال اسمه أو لغاية في نفس مغرور (عفواً للتعبير ) لأن المغرور جمح بخياله –كونه يملك بعض النقود– بأنه سيشتري الشهرة ويشار له بالبنان وسيتسلّق كشجرة اللبلاب على حساب اسم الشاعر المعروف.

وأعلنت الهيئة، وصدر العدد الأول –60 نسخة فقط– لا تكفي قريته. وما كاد أن سمع المهتمون باسم المجلة حتى دبّ الخلاف بينهم بسبب المصاريف وسوء التوزيع واتهامات أخرى ليس لنا حاجة لذكرها، فطفش المعروف من هيئة المجلة الجنينة دون أن يعلم بها أحد ولكي تستمر المجلة ، وهذا دون أدنى شك كرم ونبل أخلاق يثنى عليه.

وللمفارقة أصبح في _العدد الثاني_ جميع أقرباء وأصدقاء المغرور وأبناء قريته كتّاباً و شعراء ونقّاد.


ببساطة تعود هذه الفوضى الثقافية لعدّة أسباب، وأولها عدم وجود اتحاد أو مؤسسة تجمعنا. لهذا فقد لجأ ما هبّ ودبّ إلى الدخول في حرمة عالم الأدب. وأصدروا على نفقاتهم الخاصة صفحات محبرة وأغلفة ملونة ووضعوا أسماءهم عليها وسمّوها كتاب أو ديوان. المتسلّق


أعتقد جازماً أنّ هؤلاء المتسلقين لو وضعوا أعمالهم الرديئة تلك بين أيدي أصدقائهم من الأدباء والكتاب والشعراء لما بخلوا عليهم بالشورى والنصيحة والتأنّي أو على الأقل بعدم نشر عبقريتهم هذه و التمهل لأن من يقرأهم سيلعن تلك الدقائق التي قضاها على هذا اللافكر واللأدب.


ليفانت - ماهين شيخاني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!