الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
قراءة في أحوال المثقف الكردي السوري
صلاح بدر الدين


إنّ المثقف الذي لا يتحسّس آلام شعبه، لايستحق لقب المثقف”.. أنطونيو غرامشي


إنّ تعريف الثقافة وتوصيف دور المثقفين يسريان الى حدّ التطابق، مع بعض الاستثناءات الخاصة القليلة، على مختلف البلدان والشعوب في منطقتنا، ولدى مقارنة الحالة العامة وحتى الطبيعة الخاصة للمثقفين الكرد السوريين لا مفرّ من قبول حقيقة أنّها تحوّلت قديماً رافداً للثقافة الإسلامية العربية، بعد انتشارها منذ الأعوام الأولى، والتمدد شمالاً، ومن ثم وبعد توزّع الكرد بين الإمبراطوريتين، العثمانية والصفوية، حدث نوع من الاندماج مع الثقافتين، التركية والفارسية، وطبيعة لغتنا القومية تشهد على احتوائها مع مرور الوقت قروناً على اللغات الثلاث، فكتبت مثلاً بالأحرف العثمانية الدارجة ،حينذاك، وكذلك بالأحرف الفارسية التي هي أحرف عربية أساساً، التي بدورها تحمل ألواناً من الثقافة الكردية، خصوصاً الفارسية والتركية، وعندما طرح “البدرخانييون” الأحرف اللاتينية في كتابة اللغة الكردية كانت مستقاة من نفس الأحرف اللاتينية التي استخدمها الأتراك في زمن “كمال أتاتورك” طبعاً من دون إغفال آراء بعض علماء اللغات في وجود أحرف كان يستخدمها الكرد في القرون الغابرة، وذلك يحتاج إلى المزيد من التعمّق في هذا السياق. الكردي السوري


يروي المفكر العراقي “د. جواد علي” في كتابه “المفصل في تاريخ العرب والإسلام”: (ارتزاق المفكر والمثقف يمتدّ عميقاً في التراث والثقافة العربية، ونشير هنا إلى ما ورد في الجزء الرابع من المُؤلّف تحت عنوان “التكسب بالشعر”، حيث وردت فيه أسماء شعراء كبار، مثل النابغة الذبياني والأعشى وغيرهما، لتدلّ على أنّ الارتزاق بالشعر والثقافة ضارب في القدم ومتواصل إلى اليوم وغداً.


يبقى التطرّق إلى مسألة ارتزاق المفكر والمثقف بموضوعية، بعيداً عن الردح والشخصنة والخلافات الشخصية، بحاجة إلى وقفة شجاعة وجرأة من قبل المفكرين والمثقفين الحقيقيين، خاصة أولئك الطامحين إلى ترسيخ فكر وثقافة بديلين يقومان على مبادئ وقيم الحرية والعدالة وكرامة الإنسان).


في الحالة الثقافية الكردية السورية


أما نحن الكرد السوريون فلدينا الفائض في الارتزاق السياسي، وسيستمر ما دام ضخ المال السياسي الخارجي متواصل وتوالد الأحزاب نتيجة وسبب لهذا الواقع المؤلم الذي لابد من تغييره بتوفير الشروط اللازمة، السياسية منها والاقتصادية والديموقراطية. الكردي السوري


لذلك وفي تاريخنا كان الفن (الغناء والموسيقى) وسيلة للعيش، ومن تجلياتها (الشاباش)، ولدينا إلى جانب مثقفين ومفكرين نعتزّ بهم ويحظون بالاحترام خصوصاً، المثقفون الشباب من النساء والرجال، أيضاً الصنف الأسوأ “أنصاف المثقفين”، حسب وصف المفكر الأمريكي، نعوم تشومسكي، فهؤلاء وبوقت واحد اختصاصيّون بكل مجالات الثقافة وبآن واحد، (كتاب وشعراء وروائييون وخبراء في السياسة)، وانتقل بعضهم إلى خانة المؤرّخين، حيث يؤرخون بالأجرة لمصلحة عائلات ميسورة وعندهم الاستعداد لتحويل “عركة عشائرية” جرت قبل عقود وقرون حول قطعة أرض أو قطيع من الماعز إلى انتفاضة وثورة من أجل الكرد وكردستان، وبحساب هؤلاء في تاريخنا يضم آلاف الثورات، نعم شعبنا استمر طويلاً قبل هبوب رياح التمدّن في مرحلة اجتماعية سادت فيها العلاقات القبلية، كما يجب القول إنّ البعض من وجهاء العشائر والآغوات والشيوخ كانوا يحملون الأفكار القومية، بل ثار البعض منهم ضد الظلم والاضطهاد وقادوا انتفاضات، ولكنها كانت معدودة ومدونة واستثنائية ولا تعمم على الجميع .


يضم هذا الصنف أيضاً نوعاً مناطقياً، إذ ليس بخافٍ على أحد أنّ كردستان سوريا أو موطن الكرد السوريين التاريخي، يتشكل الآن بفعل تطبيق خطط التغيير الديموغرافي المستمرة منذ عقود طويلة إلى ثلاثة مناطق  (الجزيرة– كوباني– جبل الأكراد)، يفصلها عن بعضها مساحات ليست بالشاسعة، الوجود العربي أو غيره من المكونات، ويمنح ذلك الصنف من “أنصاف المثقفين” الأولوية للمناطق منفصلة عن الجسم الكردي القومي العام، وقد يكون السبب الذرائعي يتعلّق بنفس المفهوم المناطقي لأحزاب كردية تتصدّر المشهد في الوقت الراهن.


يغفل أنصاف المثقفين أولئك حقائق التاريخ ويقفزون عليها ببهلوانية واضحة، ويغضّون الطرف عن ألاعيب أعداء الكرد من النظم الاستبدادية الشوفينية، التي إلى جانب الإبادة والاضطهاد السياسي وتغيير التركيب الديموغرافي مارسوا التزييف الثقافي وعمليات تزوير التاريخ أيضاً، حتى إنّ البعض من هؤلاء لا يتورّعون من اعتبار ما أرّخته القوى السائدة كحقائق، ويتجاهلون الاختراقات المعادية لحركاتنا وأحزابنا، وكمثال فقد أرسلت السلطات التركية الكمالية بعض مواليها من وجهاء الكرد للتسلل في اجتماعات حركة “خويبون”، ثم العودة مرة أخرى لتقديم مالديهم من معلومات، ويشير بهذا الصدد كمثال المفكر التركي “إسماعيل بشكجي” بإصبع الاتهام إلى “أحمد أمين بريخاني”، أحد آغوات عشيرة (رما)، والذي أعدم بعد أداء مهمته، في حين نرى البعض يزوّر التاريخ باعتباره مناضلاً قومياً.


هذا الصنف من “أنصاف المثقفين” الذي يطفو الآن على سطح الأحداث، بسبب غياب الدور الطبيعي للمثقفين الوطنيين الملتزمين بقضايا شعبهم ووطنهم، ومرور البلاد بمرحلة انتقالية وفشل المعارضة في إجراء التغيير الديموقراطي، وسيطرة أسياد الارتزاق السياسي– الحزبي على مفاصل القرار والسلطة والحل والربط ورعاية المحتلين لهم، اقتصادياً وعسكرياً واعلامياً، نقول إنّ السائد في أفراد هذا الصنف عدم الأصالة والنمو خارج صفوف الحركة الكردية السورية وعلى هامشها، وسهولة إغرائهم لعدم تحصّنهم، قومياً ووطنياً وأخلاقياً، وعلى الأغلب ينتقم هذا الصنف من الحركة الكردية بممارسة التزييف وتشويه صفحاتها الناصعة والإساءة لمن سطّرها كلما رأى إلى ذلك سبيلاً.


تزوير تاريخ حركتنا القومية الوطنية لايقتصر على صنف “أنصاف المثقفين”، بل يتعدّاهم إلى “أنصاف السياسيين”، من فرسان الأحزاب الآيديولوجية التي ليس لديها ما تفتخر به سوى الأمجاد في الجوار الكردستاني، أو تختلق لنفسها تاريخاً على أنقاض روّادنا الأوائل المؤسسين، وعلى حساب تضحياتهم وإنجازاتهم.


هذا الصنف معروف بكرهه الشديد لفكرة الوطن، والنضال المشترك الكردي العربي وتضامن المكونات السورية من أجل سوريا جديدة تعددية ديموقراطية، وقد يكون التطرّف والانعزالية القومية طريقاً له في تحسين شروط الارتزاق الثقافي في هذه الأجواء الموبوءة في طول وعرض الجغرافيا الوطنية.


رسالة المثقف الكردي السوري لاتختلف عن رسالة المثقف السوري بوجه العموم، وهي صيانة التاريخ الحقيقي من التزييف من جانب النظم الحاكمة، وكذلك “أنصاف المثقفين” من فرسان الارتزاق والوقوف الى جانب قضايا الشعب والوطن، بل الالتزام الكامل بها والشجاعة في تقييم الواقع الراهن، ونقده والبحث عن إيجاد البدائل وتقديم الدعم الفكري والثقافي للمناضلين السياسيين، من أجل التوصّل الى برامج لاستكمال وصياغة المشروع الوطني الذي تتوحد ضمنه كل الفعاليات والقوى والمكونات، وصولاً الى استعادة الشرعيّة الوطنية وإبرام العقد الاجتماعي لسوريا جديدة يضمنه دستور توافقي يلتزم بحقوق الجميع ومستقبلهم. الكردي السوري


ليفانت– صلاح بدر الدين








 




كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!