-
فيروس كورونا.. المارد الذي أجبر الحكومات على فتح أبواب السجون
فجأة وبدون سابق إنذار تحول فيروس كورونا إلى شبح ينتقل من بلد إلى آخر وبنتشر بسرعة كبيرة، حتى بات عدّاد المصابين والمتوفين يشكل قلقاً كبيراً لدى الحكومات والناس، وأيضاً تحول هذا الفيروس بشكل مفاجئ إلى مارد يقوّض جدران السجون التي شيدتها حكومات الشرق الأوسط العتيدة والتي لا تقبل الرأي الآخر، وفجأة تحول هذا الفيروس القاتل في مناطق عديدة من العالم إلى المدافع الأول عن الحريات وإطلاق سراح السجناء بدون مطالبات أو تقارير حقوقية تشرح وتسهب في وضع النقاط على حروف الانتهاكات اليومية التي تفترفها الحكومات بحق سجنائها.
ففي كل عام تصدر المنظمات الحقوقية الدولية تقاريرها السنوية حول الانتهاكات التي ترتكبها الدول بحق مواطنيها، وبشكل خاص ما يتعلق بالإخفاء القسري لسجناء الرأي من سياسيين ومعارضين لحكوماتهم أو تحسين ظروف السجون للسجناء الجنائيين الذين يعانون ظروفاً معيشية سيئة بسبب شح الطعام والخدمات الطبية اليومية، وبطبيعة الحال، تردّ الحكومات على هذه التقارير بالتكذيب وتفنيد "الإفتراءات" بدل تحسين الظروف للسجناء وإطلاق الحريات وقبول الرأي الآخر، على اعتبار أنها دول "ديمقراطية" بحسب بيانات التكذيب بحق المنظمات الدولية مثل "هيومن رايتس ووتش" أو "منظمة العفو الدولية" أو "مجلس حقوق الإنسان" التابع الأمم المتحدة، والذي يضم دولاً عديدة تنتهك حقوق الإنسان وبشكل يومي.
في حقيقة الأمر لم تتمكّن هذه المنظمات الدولية والأممية من تحريك المياه الراكدة بشكل فعّال، كون هذه المنظمات هي منظمات غير حكومية، وقراراتها ومناشداتها غير ملزمة، وبالتالي ليس لديها قوة تنفيذية تستطيع فرض إرادتها على الحكومات، وهو ما يجعل الكثير من تقارير هذه المنظمات يبقى حبراً على ورق، وتستعين به مراكز الدراسات لوضع دراسة عن حقبة ما تاريخياً، وبالتالي هذا الاستخفاف بالتقارير الحقوقية من قبل الحكومات أفقدتها المصداقية عند الشعوب، وباتت هذه الشعوب لا تنتظر من هذه التقارير أي شيء . لكنها بالمقابل تخشى بطش حكوماتها على اعتبار أن القوة التنفيذية بيدها من أجهزة استخبارات وجيوش وأجهزة الشرطة وقضاء، كل هؤلاء بيد الحاكم الذي يحكم بلاده على هواه.
فجأة جاء هذا الفيروس/المارد يقوّض سلطة الحاكم الذي بات هو أصلاً ليس بمنأىً عن الإصابة بهذا الفيروس الذي قد يودي بحياته فيما لو استخدم نياشنه ضده.
- كورونا الذي لم تأبه له الحكومات
لم تقدّر حكومات الشرق الأوسط تبعات انتشار الفيروس في الصين بشكل جيد، حيث اعتبرت فيما يبدو أن انتشاره في الصين لا يعني بالضرورة أن يتم تصديره إلى كل أنحاء العالم، خاصة وأن الصين عملت على إغلاق المدن والعائدين من رعايا هذه الدول المقيمين في الصين. لا يزيد أعدادهم عن عشرات أو مئات في أسوأ الأحوال، هذه الأعداد التي يمكن احتوائها لدى عودتها من الصين، وهو ما يمكن أن يقوّض انتشار هذا الفيروس.
إقرأ المزيد: إخوان سوريا.. “الماريونيت” الذي يتحكّم قصر المهاجرين بخيوطه
فيما يبدو أن رياح فيروس كورونا هبّت بما لا تشتهيه الحكومات التي لم تتجهز لمثل هذه اللحظة الخطيرة، خاصة وأن منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة وصفت الفيروس بالجائحة التي تجتاح العالم بأسره، وهو ما يضع هذه الحكومات أمام مسؤولياتها في تحسين وضع الأنظمة الطبية المتهالكة أصلاً، والتي لا تستطيع احتواء مثل هذه الجائحة، فبات الترويج للعزل المنزلي وتحذير وترهيب المواطنين من النزول من البيت هو الأكثر تداولاً، حتى وصل الأمر ببعض الحكومات إلى إصدار قرارات حظر التجول ونشر الجيش في شوارع المدن لتنفيذ العزل المنزلي على اعتباره الطريقة الوحيدة لمواجهة الفيروس.
- كورونا.. الفيروس الذي قوّض جدران السجون
أعلنت عدة دول شرق أوسطية عن إطلاق سراح سجنائها أو عن نيّتها إطلاق سراحهم، على اعتبار أن السجون المكتظة تشكل أكبر تهديد في سرعة انتشار الفيروس، ما قد يضع هذه الحكومات أمام تحديات جديدة على المستويين الداخلي أم شعوبها، (حيث لا تريد أن تظهر بمظهر غير القادر على احتواء الجائحة، ما قد يؤدي إلى هزّ صورتها أمام مؤيديها وارتفاع اصوات معارضيها)، أما على المستوى الدولي فستكون تحت مراقبة المنظمات الصحية الدولية والأمم المتحدة التي ستزيد تقاريرها من الاحتقان الداخلي، وبالتالي زيادة الضغط الشعبي الذي حاولت احتواءه عبر الترهيب من الفيروس، وفق الطريقة التي اتبعتها بعض الدول العربية لإنهاء الاحتجاجات.
ففي سوريا، أصدر رئيس النظام السوري مرسوم عفو عام عن كل الجرائم التي ارتكبت قبل 22 آذار 2020، وعلى من يريد الاستفادة من هذا المرسوم تسليم نفسه، وبالتالي لن يستفيد سجناء الرأي أو المعتقلين على خلفية الثورة السورية، وإنما جاءت الاستفادة من هذا المرسوم لبعض (شبيحته) ممن ارتكبوا جرائم متعددة، ولكن في ذات الوقت كان لا بد من تخفيف الوطأة عن السجون بالنسبة للسجناء الجنائيين، أمام المعتقلين فهم في رأيه بحكم الموتى، حيث لن يغير كورونا في الأمر شيئاً.
وتدرس السلطات الأردنية إمكانية اتخاذ اجراءات وتدابير سريعة واستثنائية للتخفيف من حدة الازدحام في السجون ومراكز التوقيف ضمن حزمة الإجراءات المتعلقة بالتصدي لفيروس كورونا .
ويفترض أن تضم هذه الاجراءات في وقت لاحق الإفراج عن الموقوفين لأسباب سياسية وبموجب قرارات إدارية والموقوفون في قضايا الرأي.
ويعاني قطاع السجون أصلاً من ازدحام شديد فوق طاقته الاستيعابية، كما تريد الحكومة أن تكون جاهزة للتعاطي مع أية حالات طوارئ أو مستجدات
أما في إيران والتي تعتبر من الدول الأكثر بطشاً بمعتقليها، أصدرت قراراً بالإفراج المؤقت عن أكثر من 85 ألف سجين في محاولة لمكافحة انتشار فيروس كورونا الجديد في السجون المزدحمة، حيث قال المتحدث باسم السلطة القضائية غلام حسين إسماعيلي في مؤتمر صحفي أن السجناء مُنحوا إذناً بالخروج بعد أن أظهرت الفحوصات خلوهم من الفيروس المسبب لمرض "Covid-19" وأودعوا كفالة لمغادرة السجو ن، مؤكداً أنه لن يتم الإفراج عن "السجناء الأمنيين" المحكوم عليهم بأكثر من خمس سنوات.
إقرأ المزيد: كورونا المنطقة العربية.. ماذا كسبت الحكومات؟ وماذا خسرت الشعوب؟
وقد انضمت تونس إلى قائمة الدول التي قررت الإفراج عن السجناء لمواجهة انتشار فيروس كورونا، وحماية المسجونين من مخاطره بعد تزايد حدة انتشار الفيروس عالمياً، وقال بيان رئاسي إن الرئيس التونسي قيس سعيّد أمر أمس الثلاثاء بالإفراج عن 1420 سجيناً في عفو أصدره بسبب الخوف من انتقال عدوى فيروس كورونا إلى السجون.
وكانت قد أعلنت السلطات الأفغانية يوم 26 آذار أنها ستفرج عن 10 آلاف سجين، بسبب مخاوف من انتشار فيروس كورونا، بسبب سوء الأوضاع للسجناء ومن المتوقع أن يقضي على أعداد كبيرة فيما لو انتشر داخل السجون.
فيما انضمّت السودان قبلها بيومين إلى قائمة الدول التي قررت الافراج عن السجناء. وكشفت وزارة الصحة في السودان إنه تم فحص 4217 سجيناً تم العفو والإفراج عنهم، وذلك في إطار الإجراءات الاحترازية والوقائية التي تقوم بها الوزارة لمجابهة جائحة كورونا
أما في فلسطين فقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، في بيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية يوم 25 آذار، أن الرئيس محمود عباس أصدر عفواً خاصاً عمن أمضى نصف مدة محكوميته في القضايا الجناحية والجنائية مع احتفاظ حق المجني عليه بالادعاء المدني، وأضاف أبو ردينة أن هذا القرار يأتي في ظل مخاطر انتشار فيروس “كورونا”، إلا أنه لا ينطبق على المحكومين بعدد من الجنايات الخطرة.
ودعت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان إلى الإفراج عن المعتقلات والمعتقلين الاحتياطيين الذين يحاكمون على خلفية تهم غير خطيرة، والقصد من وراء هذا المطلب هو التخفيف من الاكتظاظ الذي تعاني منه السجون المغربية، بما يسهم في الحد من انتشار فيروس "كورونا" المستجد.
ويصل عدد المعتقلين الاحتياطيين القابعين في السجون المغربية إلى 32.732 معتقلة ومعتقلاً، أي ما يمثل نسبة 39.08 من إجمالي الساكنة السجنية في المغرب، وفق التقرير السنوي للمرصد المغربي للسجون لسنة 2019، الذين يناهز عددهم 84 ألف سجين.
وقالت الرئاسة الجزائرية إن الرئيس عبد المجيد تبون وقع اليوم الأربعاء، مرسوماً يتضمن إجراءات عفو يخص 5037 سجيناً.
ولم تذكر الرئاسة خلفيات هذا العفو، لكن هناك اجماعاً على أنه يدخل ضمن التدابير الاحترازية للحد من انتشار جائحة كورونا.
وأوضحت الرئاسة أنه يستفيد من هذا العفو الأشخاص غير المحبوسين المحكوم عليهم نهائياً والذين تساوي عقوبتهم أو تقل عن 12 شهراً، وأولئك المحبوسين الذين تساوي عقوبتهم أو تقل عن 18 شهراً.
وبهذا الصدد، نقل موقع "ميدل إيست آي" عن مصادر رسمية موثوقة داخل تركيا أن الحكومة ستسعى إلى التعجيل بتمرير تعديل قانوني يسمح بتخفيف مدد سجن عدد كبير من السجناء، ضمن الجهود التي تبذلها تركيا من أجل الحدّ من تفشي فيروس كورونا الجديد داخل البلاد. وأكّد المسؤول الذي تحدّث للموقع دون الكشف عن اسمه بأن الحكومة عازمة على التقدم بالقانون للبرلمان الأسبوع المقبل، ومن المتوقع بحسب هذا القانون أن يتم إطلاق سراح 100 ألف سجين، علمًا أن عدد النزلاء في السجون التركية حاليًا يربو عن 300 ألف سجين، كما أن السجون تعمل فوق طاقتها الاستيعابية. ليفانت
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!