الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
غنوا لعل الغناء يسكت صوت الرصاص..
ريما

 


أغنية وجدتها امامي على صفحات الفيس يوك منذ أيام قليلة جمعت عرباً وكرداً يغنون للحب على ضفاف الفرات بكل عذوبة و يتشاركون الغناء بالعربية والكردية بتناغم ساحر يطلق للسامع شعوراً بالبهجة والمحبة، أغنية قمت بإعادتها مرات ومرات في نفس اليوم ليس فقط لعذوبتها بل لأنها كانت قادرة على غمر قلبي بالأمل بحيث انهمرت دموعي في كل مرة سمعتها فيها،  فرسائل الغناء والفلكلور والحب اقوى بكثير من رسائل الكراهية ومؤشر حقيقي على قدرة الناس على التعايش ومواجهة خطاب الكراهية هذا..


 


في نفس اليوم شاعر شعبي من حوران واسمه عيسى الحريري ينظم قصيدة يهديها الى جبل جوران يتغنى فيها بالجبل بعد احداث دموية افتعلها مسيؤون من المحافظتين و وسقط إثرها عدد من الضحايا الأبرياء، هذه القصيدة أشعرتني بنفس الأمل وملأت قلبي بالتفاؤل وهي أيضا تلتقي مع بيانات وتصريحات خرجت من عقلاء المحافظتين لاحتواء الفتنة وأكدوا من خلالها على العلاقات الطيبة والحفاظ على أواصر الأخوة بين الجارتين السويداء ودرعا..


 


أذكر هاتين الحالتين لأنني لطالما آمنت أن رسائل المحبة أقوى بكثير من رسائل الكراهية،  وأن الانسان بطبيعته يتأثر بالتحفيز الإيجابي أكثر بكثير من الخطاب السلبي ، تلك الرسائل هي اقوى سلاح يمكن ان يحد من خطاب الكراهية والتحريض والعنف في أي مكان بالعالم، وهو ما جعلني استعرض بذاكرتي كل تلك الأبواق البغيضة من كل الأطراف التي أجادت التحريض والإساءة للناس من كل المكونات في سوريا، وهم ساهموا بشكل كبير في شلال الدم عبر التحريض الطائفي والمناطقي والتشويه والافتراءات وبث الأكاذيب، وكيف كان من الممكن أن يكون للإعلام دور كبير في حقن الدماء لو امتنع عن تصدير تلك الخطابات، سواء كان إعلاما تقليدياً او على صفحات التواصل الاجتماعي ، وسواء كان تابعاً للنظام بشكل رسمي او غير رسمي او معارضاً او محسوباً على المعارضة،  أو مرتبطاً بأي من المجموعات المتناحرة على الأرض السورية أو القوى المؤثرة في الحالة السورية عموما.  استعرضت أيضا تلك المحاولات البسيطة سواء كانت فردية او عبر بعض المنصات الإعلامية بشتى أنواعها لبث ما يعزز قيم المواطنة والحريات والسلم الأهلي ويعزز قيم الديموقراطية ويقف ضد الديكتاتورية والتطرف والعنف على حد سواء وكيف كانت تواجه بحملات ممنهجة تستخدم التهجم والتشويه وكان كل ضحاياها هم من الأصوات العاقلة في المشهد السوري او تلك المنصات والمحاولات عموماً..


 


وان دل هذا على شيء فانه يدل على إحساس أعداء المحبة والسلام والمواطنة والحرية بالخطر من ذلك التوجه وتلك المحاولات،  وهم لم يكتفوا فقط بحربها معنوياً بل وصل بهم الحال الى تصفية كثير من النشطاء والشخصيات الذين حملوا هذا الفكر جسدياً أو معنوياً لآنهم يدركون ان الخطاب الجامع المبني على تلك القيم السامية المفعمة بالإنسانية والمحبة كاف لخنق الحرب وتحصيل الحقوق للجميع وتحت شعار المواطنة، وهو ما لا يتفق مع المستبدين من جهة، ولا المتطرفين أصحاب الاجندة الثالثة التي اقتحمت الحالة السورية وعاثت خراباً لا يقل أذى عن خراب الطغمة الحاكمة في سوريا.


 


كل سوري مدني سواء كان معارضاً أو موالياً أو حيادياً ممن لم يتورط في الدم ولم ينتهك الحقوق هو أخي في الوطن والإنسانية، وكل عنف أو تحريض ضد أي مكون من مكونات الوطن او أي جنس او عرق او لون او دين بالعالم هو اعتداء على كل انسانيتنا عموما وعلينا كسوريين ممن حلموا بوطن متحضر يصون الكرامات والحقوق ويضمن السلام والديموقراطية ويليق بأبنائنا وبناتنا..


 


حري بنا اليوم أن نعي ان الخطاب الإنساني الوطني الجامع المليء بالمحبة هو شعلة الامل الوحيدة التي تبقت لنا كسوريين فلربما تمكننا من خلاله ان نتحاور مجتمعياً ونرمم كل تلك التشققات في الجسد السوري المتعب المغطى بالدماء على مستوى اجتماعي بعيداً عن المسار السياسي، وهي مسؤولية كبرى يجب ان نحملها أفراداً من خلال منابرنا الخاصة،  وسلوكنا الفردي كمواطنين ومواطنات سوريين وسوريات، وكنخب ثقافية يجب ان تدرك أن الكلمة التي تقال مسؤولية ويجب ان يكونوا بحجم تلك المسؤولية،  وكمنصات إعلامية بمختلف أنواعها. وهو ما يعني وقفة صادقة من الذات ومراجعة لكل ما سبق ووضع نهج جديد واستراتيجيات جديدة للعمل الإعلامي والفني والثقافي. غنوا للمحبة والتراث وانسانيتنا غنوا لعل الغناء يسكت صوت الرصاص والافواه المحرضة الاسنة بالكراهية غنوا فقد أوقظت أصواتكم الأمل في قلبي من جديد...


 


ريما فليحان

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!