الوضع المظلم
الأربعاء ٠١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
عينٌ على السّلام.. عينٌ على الماء
عبير نصر

وبينما تحاولُ تركيا فرضَ رؤيتها للحلّ في سوريا، بإقامةِ منطقةٍ آمنةٍ داخل الشريط السوري، ما من شأنه أن يقضي على فكرةِ الكيانِ الكردي، يبقى دعمُ الولايات المتحدة لقواتِ سوريا الديمقراطية، مصدراً كبيراً للتوتر مع الجارةِ المُعتدية والمهووسةِ بأطماعها التوسعية، ورغم إعلان ترامب، نهاية عام 2019، سحب القوات الأمريكية من سوريا، لأنّ داعش قد (هُزمتْ) على حدّ تعبيره، فثمّة مباحثات عُقدت لاحقاً بين السيناتور الجمهوري، (ليندسي غراهام)، وقائد قوات سوريا الديمقراطية، تمخّضتْ عن توقيعِ اتفاقٍ بينهما خلف الأبوابِ المغلقة، وسيتمُّ، بموجبه، استثمارُ الحقول التابعة للوحداتِ الكردية في شرقي الفرات لزيادةِ إنتاج النفط، وسيصلُ الإنتاجُ إلى (60) ألف برميل يومياً، ما يتركُ اليد الأمريكية ممتدة، وبشكلٍ حيويّ، في المنطقة.


وتركيا التي تفاجأتْ بنيّةِ أمريكا (غير المتوقعة) للانسحاب، كانتْ حذرةً تجاه سرعته، بيد أنّ الإعلانَ مهّد الطريقَ لشهورٍ من المحادثاتِ بين المسؤولين الأتراك والأمريكيين، التي آلتْ بدورها إلى اتفاقٍ حولَ إقامةِ (منطقة آمنة) شمال شرقيّ سوريا، لمواجهةِ مخاوف تركيا بشأن الأكراد السوريين، وقوات سوريا الديمقراطية خاصة، والتي قامت بتفكيكِ دفاعاتها بطولِ الحدود وسحبِ أسلحتها الثقيلة، وكان يُقصد من وراء الاتفاق، الذي حازَ على تأييد (قسد)، شراء وقتٍ، واسترضاء تركيا، وعلى نحو غير مفاجئ، تشعر قواتُ سوريا الديمقراطية بخيانةٍ تجاه إعلان ترامب سحب القوات الأمريكية من على الحدود، تاركة المنطقة تتحوّل إلى ميدانِ حربٍ ملتهب تحكمه التطوراتُ المرحلية والمصالحُ التاريخية.


وفي ظلّ هذا التوتر أنشأ الأكرادُ، خلال الحربِ الأهلية السورية، مع العربِ المحليين وحلفائهم المسيحيين منطقةً شبه مستقرة، تتمتّعُ بحكمٍ ذاتيّ من الناحيةِ الفعلية، بالإضافةِ إلى دورِ النظام السوري الذي حاول استمالةَ بعض قوى الأكراد في مواجهةِ تركيا وقوى المعارضة، ما زادَ من توتّرِ تركيا، التي قامتْ وفي عام 2016، وبدعمٍ من حلفائها المتمردين، بعمليةِ (درع الفرات)، وكانتِ العمليةُ العسكرية، (في جوهرها)، تهدفُ إلى منعِ الأكراد السوريين من الربط بين ضفتَيّ نهر الفرات،


وإنشاء شريط لهم على طول الحدود السورية التركية، يربط بين مناطق سيطرتهم شرقاً وغرباً، ثم وفي عام 2018، تشنّ عملية (غصن الزيتون) على عفرين، لتتسبّبَ في نزوحِ ما يقرب من نصفِ سكان المدينة، ثم تأتي عمليةُ (نبع السلام) على المناطق الحدودية، في تل أبيض وقامشلي وعين عيسى ورأس العين، لتحقّقَ غايتَها السياسية قبل العسكرية، فقد أدّت المعركةُ مبكّراً إلى تقاسم تركة (قسد) بين النظامِ السوري وتركيا والولاياتِ المتحدة، ليسودَ الهدوءُ نسبياً بعد ذلك، ويتمخّض عن ذلك اتفاقان أبرمتهما تركيا، الأول مع الولاياتِ المتّحدة والثاني مع روسيا، أنهتْ بموجبه العملية دون تحمّل تكلفةِ الآلة العسكرية المادّية والبشرية، في حين اتجه كلاًّ من النظامِ السوري وتركيا والولايات المتّحدة لتحاصص المناطق، وفي ظلّ هذه الأطماع يتوجّسُ الأكرادُ السوريون من تطهيرٍ عرقي وتغييرات ديموغرافية لمناطقَ على الحدود، بينما ترغبُ تركيا في تأمينِ شريطٍ بعمق (32) كم، وطول (480) كم داخل سوريا على طولِ الحدودِ لحمايةِ أمنها، وأعلنتْ عزمها إعادة توطينِ ما يقرب من مليونٍ، من إجمالي (3.6) مليون لاجئ سوري قادم من مناطق أخرى من سوريا الى داخل (المنطقة الآمنة).


ومنذ توقّف معركة (نبع السلام)، لم تشهد منطقةُ (عين عيسى) بريف الرقة الشمالي، والواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، تصعيداً عسكرياً كما حصل مؤخراً، والذي يُنذر بتطوراتٍ جديدة ومفاوضاتٍ بين تركيا، التي تدفعُ بقواتها وقوات حلفائها إلى الخطوطِ الأمامية المطلّة على المدينةِ الاستراتيجية، وبين روسيا التي تتّخذ عدداً من النقاطِ العسكرية داخل المدينة، ويبدو أنّ المنطقةَ مرتبطةٌ بالتطوراتِ العسكريةِ في منطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب، التي تسيطرُ عليها القواتُ التركية، ففي وقتٍ سابقٍ تمركزتْ آلياتٌ عسكريةٌ تركيةٌ في خطوطِ التّماس الأولى مع قسد، لترسلَ الأخيرةُ تعزيزاتٍ عسكريةً إلى مدينة (عين عيسى) على خلفيةِ


التحركاتِ التركية على تخومِ المدينة الشمالية، وتحدّثت مصادرُ محليةٌ عن انسحابِ عددٍ من آلياتِ القواتِ الروسيةِ من القاعدةِ المتمركزةِ عند المدخلِ الشرقي، لمدينة عين عيسى، والتي تسعى إلى الحفاظِ على أكبر عددٍ من المناطق الخارجة عن السيطرةِ التركية، والحدّ من تحركاتِ الأتراك في الشمال السوري، محاولةً كسب نقاطٍ متقدّمة تساعدها خلال المفاوضات بينها وبين تركيا، هي التي تعمل، وبشكلٍ حثيث، على إعادةِ إنتاجِ النظام السوري، واستعادةِ جميع الأراضي السورية، وإضعافِ الدور التركي، والقضاءِ على المعارضةِ السورية، بينما تبدو الرغباتُ التركيةُ مختلفةً عن الروسية، فتركيا لديها أولويات خاصة بها كونها دولة مجاورة للحدود السورية، وهي الحفاظ على أمنها القومي الذي يتحقق، حكماً، باغتيالِ الحلمِ الكردي.


والجديرُ بالذكر، أنّ (عين عيسى) تبعد (55) كم عن مدينةِ الرقة باتجاه الشمال الغربي، وتحظى بمكانةٍ سياسيةٍ لدى قوات سوريا الديمقراطية، لا سيما أنّ عشراتِ المؤتمرات عُقدت فيها، وهي تُعدّ بالنسبةِ لقسد (عاصمة الإدارة الذاتية) الذراع المدنية لها، إلى جانبِ كونها نقطة الوصل بين منبج غربي الفرات، ومناطقها شرق الفرات، ولكونها تشكّلُ العاصمةَ الإداريةَ والسياسيةَ لها، وفي حال سيطرتْ عليها ما يسمى (بقوات الجيش الوطني) والقوات التركية، فهذا يعني أنّ مشروعَ الإدارةِ الذاتية يتعرّض للتهديد بشكلٍ مباشر، في الوقت الذي ما يزال فيه السعي التركي لتوسيعِ السيطرةِ في شرق الفرات مستمراً، على الرّغم من المعوقاتِ الروسية، وبحسب محلّلين، لا يبدو أنّ نطاقَ المعركةِ سيكون واسعاً، وإنما هو استكمال للعمليةِ العسكريةِ (نبع السلام)، حيث ستستهدفُ تركيا، على الأرجح، بعضَ المناطق التي تُعدّ شريان الحياة لقسد، وممّا ينبئ بوجودِ عمليةٍ عسكريةٍ الاستعدادات التركية في شرق الفرات، وحركة النزوحِ المستمرة التي تشهدها منطقة (عين عيسى) إلى جانبِ انسحابِ عددٍ من آلياتِ القوّاتِ الروسية، وقوّاتِ النظام السوري.


ولم تتوقفِ الارتكاباتُ التركيةُ على اغتيالِ السلامِ الذي تستنجده البلادُ المنكوبة، مهما كان الثمن ومهما كانت التحديات، فثمّة سلاح لا إنساني تستخدمه أنقرة، والقواتُ الموالية لها، وهو قطع الماء عن المناطق الخاضعةِ لسيطرةِ قوات سوريا الديمقراطية، وخلال عام، قطعت تركيا المياهَ حوالي ثماني مرات عن محافظةِ الحسكة السورية، بعد احتلالها لمدينةِ (رأس العين)، والسيطرة بشكلٍ كامل على محطة (علوك) في ريف الحسكة الشمالي، ما دفع السكانُ لـ "اللّجوءِ إلى حفرِ آلاف الآبار بحثاً عن المياه"، الأمر الذي يعرّض حياةَ أكثر من مليون شخص للخطر.


وبحسب مراقبين، ففي كلّ مرّة يتمّ فيها تزويدُ محطة (علوك) بالتيار الكهربائي، فهذا أمر ينبئ بنجاحِ المفاوضاتِ بين الجانبين، التركي من جهة، ودمشق والإدارة الذاتية الكردية من جهةٍ ثانية، وعرّابها موسكو بالطبع، مع العلم أنّ تكرارَ عملياتِ التعطيشِ لغاياتٍ سياسية، يتنافى مع مواثيق القانونِ الدولي، التي تحضّ على ضرورةِ أن تحترمَ أطرافُ النزاعِ المنشآتِ المائية، والشبكاتِ المدنية لإمدادِ المياه، ولا يخفى على أحد أنّ هذه التصرفات، تشكّل ورقة تركية ضاغطة على دمشق، وعلى الأكراد السوريين بشكلٍ خاصّ، حيث يؤكد الخطابُ التركي، أنّ إقامةَ كيانٍ كرديّ شمال سوريا هو خطٌّ أحمر، وفي كلّ مرة يتزايد الحديثُ عن هذا الأمر، تتعرّضُ المنطقةُ لمزيدٍ من السخونةِ والتصعيدِ، والإبادة.


ليفانت - عبير نصر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!