الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٣ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
عملية إعدام روسيا اقتصادياً تمت بنجاح
اقتصاد روسيا

في تحليل للاقتصاد الروسي وكيفية خسارته 600 مليار دولار خلال شهر واحد فقط من قيمة احتياطاته النقدية، وكيف قامت أمريكا والاتحاد الأوروبي إلى جانب بريطانيا وكندا واليابان فعلياً بإعدام الاقتصاد الروسي وكيف أثرت العقوبات الغربية في الاقتصاد الروسي.

كانت روسيا عبر العشرين عاماً الماضية تحضر نفسها من أجل هذا الصراعالاقتصادي،حتى رفعت احتياطات النقد الأجنبي لديها من  العملات الأجنبية والدهب لتصبح صاحبة المركز الخامس عالمياً، وكانت تعلم روسيا أنه في حال دخولها أوكرانيا سوف تُشنّ عليها حرب اقتصادية،ولكن جميع حسابات الروس في تحليل المخاطر المالية التي سوف يتعرض لها الاقتصاد الروسي لم تحسب أن الحرب الاقتصادية سوف تكون بهذه الشراسة.

في 24 فبراير، كان البنك المركزي الروسي يمتلك 643 مليار من احتياطي النقد الأجنبي،ليكون صاحب المركز الخامس لأكبر احتياطي نقدي في العالم، وبحسب بيان البنك المركزي الروسي الذي صدر في بداية عام 2022، جاء فيه، أنه بتاريخ 31 يونيو 2021 كان الاحتياطي الروسي يتكون من: 32.3% من اليورو و21.7% من الدهب و16,4% من الدولار و13,1 من الجنيه الاسترليني و10% عملات أخرى، مثل الين الياباني والدولار الكندي والأسترالي والسنغافوري.

وبناء على التقرير، فإنّ هذا الاحتياطي موجود في أماكن متعددة وموزع كالآتي: تمتلك روسيا في بنكها المركزي ما نسبته 21,7% من احتياطها، وهذا الجزء هو الذهب ويقدر بـ 139 مليار دولار، إضافة لوجود 13,8% في الصين و12,2% في فرنسا و10% في اليابان و9.5% في ألمانيا و6.6% في أمريكا و5% في مؤسسات دولية مختلفة و4.5% في بريطانيا و3% في النمسا و2.8% في كندا و10.7% موجود في جهات مجهولة.

وبعد غزو أوكرانيا وبدء فرض عقوبات على روسيا، تم تجميد أصول البنك المركزي الروسي بقرار مشترك بين أمريكا والاتحاد  الأوروبي وكندا وبريطانيا، وانضمت لهم اليابان وسويسرا لاحقا ، ما شكل هذا القرار صدمة لروسيا لم تكن تتوقعها ، لأن هذا السيناريو لم يطبق في التاريخ إلا على ايـران وفنزويلا وأفغانستـــان مؤخراً ، وأول مرة يفرض على دولة هي ضمن مجموعة العشرين، وهذا ما أفقد روسيا نحو 400 مليار دولار من احتياطها  النقدي الموجود في هذه الدول.

احتياطي الذهب الذي تمتلكه روسيا، والذي يبلغ نحو 2299 طن، وتبلغ قيمته 129 مليار دولار، هنالك شكوك حول أن روسيا تستطيع التصرف به، في بيعه أو نقله، بسبب القيود التي تم فرضها على الطيران والسفن الروسية من قبل الكثير من الدول، ورغم أن روسيا تمتلك نحو 84 مليار دولار في البنوك الصينية، إلا أنه وبسبب العقوبات فهناك مخاوف من قبل البنوك الصينية من الإفراج عن هذه الأموال أو إعطائها لروسيا لكي تتجنب فرض عقوبات اقتصادية عليها،وهذا الأمر يؤكده كل من عالم  الاقتصاد الروسي، سيرغي غورية، ونائب محافظ البنك المركزي الروسي السابق، سيرغي إليكسشينكو.

ورغم امتلاك روسيا، حتى تاريخ 31/ يناير، 24,1 مليار دولار في مؤسسات دولية، مثل البنك المركزي، ولكن قرار سحبه يحتاج لموافقة البنك الذي تهيمن الولايات المتحدة على قراره، مما لا يبقي لدى البنك المركزي الروسي سوى 12 مليار موجودة بعملة الدولار واليورو.

أما قيمة الروبل الروسي فقد كانت تبلغ، في 1 فبراير، نحو 77 روبل لكل دولار، وبسبب الغزو انخفضت قيمة الروبل إلى 112 روبل، مما أفقده أكثر من نصف قيمته، ما قلل القوة الشرائية لدى الروس ورفع من معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة، وما عمّق أيضاً من جراح روسيا هو اندفاع المواطنين الروس إلى البنوك من أجل تبديل الروبل بالدولار، مما دفع البنك المركزي الروسي وبمحاولة يائسة منه لرفع قيمة الفائدة، فقد تدخل البنك المركزي، في 24 فبراير، بالسوق لمحاولة وقف نزيف الروبل، إضافة لرفع سعر الفائدة من 9.5% إلى 20%, كما أمرت وزارة المالية الروسية التجار الروس ببيع 80% من الحيازات التي يملكونها في السوق الروسية وشراء الروبل بها، مما أتاح مناورة جديدة في رفع سعر الروبل ليبلغ في صباح اليوم حاجز 106.5 روبل لكل دولار.

اقرأ المزيد: السعي الروسي للاستيلاء على الموانئ في المناطق الدافئة وتعزيز أمنها القومي

وبالنظر إلى انسحاب الشركات الغربية أو إيقاف خدماتها أو تعليقها بشكل جزئي أو كلي، والذي سوف يكون له أثر سلبي  كبير على الاقتصاد الروسي، أجبر ذلك رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، إلى اصدار قرار بمنع الأجانب من التخلي عن أي أصول يمتلكونها في روسيا،وبمقاربة للوضع فإن خروج شركة واحدة، وهي bp البريطانية العاملة في مجال الطاقة، أفقد الاقتصاد أكثر من 25 مليار دولار ، ورغم تأكيدات بوتين ومسؤولي الحكومة والكرملين بكثير من المناسبات جاهزية روسيا للتصدي والتعامل مع العقوبات، إلا أن سرعة تطبيق العقوبات إضافة لاتساع الدول المشاركة بها، جعل روسيا في مأزق حقيقي جعل روسيا في مأزق حقيقي، قد يعيد الاقتصاد الروسي 70 عاماً إلى الوراء دون مبالغة.

الشخص الذي ليس لديه خبرة في الاقتصاد أو درجة تأثير العقوبات في اقتصاد دولة لو فرضت عليها، سوف نضرب مثالاً تم تطبيقه على روسيا في عام 2014، بعد غزوها لشبة جزيرة القرم، بحيث قال وزير المالية الروسي، أنطونيو سلوانوف، إنه وبسبب العقوبات التي فرضت على روسيا في ذلك الوقت، كبدت روسيا خسائر بـ 40 مليار دولار سنوياً، إضافة لخسارة قطاع النفط والغاز الروسي سنوياً نحو 100 مليار دولار، أيضاً بسبب انخفاض أسعار الطاقة، فقد كان يبلغ حجم الاقتصاد الروسي في 2013 نحو 2.3 تريليون دولار، أما في بداية 2020 لم تتجاوز قيمته 1.3 تريليون دولار، أي إنه فقد تريليون دولار بسبب العقوبات المفروضة عليه، إضافة لانخفاض النمو الاقتصادي السنوي بمقدار 2.5%.

اقرأ المزيد: أسبوعان من الغزو الروسي لأوكرانيا تكفلا بإحداث هزّة في الاقتصاد العالمي

ولكن طبيعة الاقتصاد الروسي اختلفت بعد ذلك، حيث قامت الحكومة الروسية بتخفيض اعتمادها على الدولار كعملة احتياط رئيسة، وتخفيض حجم الديون السيادية وللشركات الرئيسة الروسية التي يتم اقتراضها بالدولار، وتقليل الاعتماد في التجارة الخارجية على الدولار الأمريكي، إضافة لامتلاكها صندوق ثروة سيادي بقيمة تقترب أصوله المملوكة من 175 مليار دولار، وما يساعد الآن الروبل على الصمود قليلاً هو ارتفاع أسعار النفط التي بلغت مستويات قياسية بعد الغزو الروسي  لأوكرانيا، ولكن وبالرغم من كل الإصلاحات الاقتصاديةالتي فعلتها روسيا منذ 2014 إلى بداية 2022، لم تكن بأي حال من الأحوال سوف تتكيف مع شراسة العقوبات والنزوح الجماعي للشركات الأجنبية من السوق الروسية.

وأفضل تحليل لما تمر به روسيا من أزمة اقتصادية هو ما فعله محلل الاقتصاد والخبير الاستراتيجي في سوق الأسهم، أليكسندر بوتمانوف، على الهواء مباشرة، حيث قام بشرب نخب موت الاقتصاد الروسي بعد سؤال المذيعة له عن مدى قوة الاقتصاد في تحمل العقوبات التي ما زالت إلى هذه اللحظة تفرض عليه.

ليفانت - حسام النهار

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!