الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • أسبوعان من الغزو الروسي لأوكرانيا تكفلا بإحداث هزّة في الاقتصاد العالمي

أسبوعان من الغزو الروسي لأوكرانيا تكفلا بإحداث هزّة في الاقتصاد العالمي
الأزمة الروسية الأوكرانية

منذ أن غزت القوات الروسية أوكرانيا، في 24 فبراير/ شباط 2022، والعالم يقف حائراً كيف يعالج تداعيات هذه الأزمة على الاقتصاد العالمي، الذي ما يزال متأثراً مما تركته جائحة كورونا، من آثار، ناهيك عن العديد من الأزمات التي تجتاح العالم، مثل التنافس الأمريكي الصيني، والصراعات التي لا تكاد أن تنتهي في الشرق لأوسط، وكذلك القرصنة في البحر الأحمر وتأثيرها المباشر على قطاع الطاقة، إضافة إلى الحروب السيبرانية وأمور عديدة.

اللافت أنّ كل تلك الأزمات بات مصير حلِّها متعلق بما يحدث في أوكرانيا وما ستخلّفه من تداعيات على العالم أجمع، فالموارد الطبيعية التي يتمتع بها البلدان (روسيا - أوكرانيا) تشكّل نسبة ليست بالقليلة من السلة الغذائية العالمية، من حيث مشتقات الطاقة (النفط والغاز) أو القمح والذرة والصويا.

اقرأ المزيد: الاقتصاد العالمي يتجاوز 100 تريليون دولار

وفي سياق مرتبط، قفز القمح في بورصة شيكاغو، والذي يُعدّ المعيار الدولي، بأكثر من 95 في المئة منذ الأسبوع الماضي، ليصل إلى مستويات 13.40 دولار للبوشل (مقدار 27 كجم) مع ختام تعاملات الأسبوع، بينما سجل القمح الأوروبي المطحون في باريس رقماً قياسياً قدره 406 يورو للطن.

بالإضافة إلى أسعار الحبوب، من المرجح أن يشعر المزارعون في جميع أنحاء العالم بتأثير ارتفاع التكاليف لأن روسيا وبيلاروسيا هما المنتجان الرئيسان للأسمدة.

وفي نفس الصدد، عبّر صندوق النقد الدولي عن مخاوفه من تأثر الاقتصادات العالمية من النزاع الراهن، إذ قال في بيان: "بينما يظل الموقف الراهن على درجة كبيرة من التقلب، فإن العواقب الاقتصادية ستكون بالغة الخطورة بالفعل".

العالم يبحث عن بدائل لسوق الطاقة الروسي

وإثر ذلك، انهار الطلب على النفط الروسي، حيث ابتعدت المصافي والبنوك وكذلك مالكو السفن عن سوق النفط الروسي، وقالت شركة "إنرجي أسبكتس Energy Aspects" الاستشارية، إنَّ 70 في المئة من الخام الروسي "تكافح من أجل العثور على مشترين".

وقالت إنرجي أسبكتس: "إنَّ معظم الشركات الأوروبية الكبرى لا تقترب من النفط الروسي، وما يزال هناك عدد قليل فقط من شركات التكرير والشركات التجارية الأوروبية في السوق، لكن ارتفاع أسعار الشحن وأقساط التأمين ضد الحرب يُعقّد المعاملات بشكل كبير".

وفي حديثه لـ "ليفانت نيوز، قال المستشار الاقتصادي د. أسامة القاضي: "كلما طالت المعارك والعقوبات الاقتصادية القاتلة سيتعثّر الاقتصاد الروسي، وقد يصل إلى حد الشلل الاقتصادي، والذي سيزيد التململ الشعبي والامتعاض من أثر السياسات الروسية، لأن هنالك على سبيل المثال 477 ألف عامل في شركة غازبروم والهبوط الحاد بقيمتها السوقية من 93 مليار دولار إلى بضع مليارات".

وأضاف القاضي: "بناء على ما سبق، ستجد الشركة نفسها أمام معضلة تسريح عمالها، وينطبق الأمر ذاته على شركة الطيران الروسية، وغيرها من الشركات، مما يزيد الغليان الشعبي الروسي".

واختتم حديثه، متوقعاً أن ترتفع نسبة البطالة الروسية من 5 بالمئة لتتجاوز 10 بالمئة بعد أقل من شهرين.

ألمانيا في قلب العاصفة

نوّه وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، يوم الأربعاء الماضي، من أن السيناريو الأسوأ "لم يتحقق بعد"، وأن روسيا ما تزال ترسل الغاز، لكنه أضاف أن بلاده يجب أن تكون مستعدة وقد تضطر إلى استمرار تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم كخطة رديفة.

وأشار الوزير، إلى أنَّ استثمارات بلاده حوالي عشرين مليار يورو بقطاعات مختلفة في روسيا، علماً أن شركات التأمين لا تغطي منها سوى 7.4 مليار يورو.

وللتغلب على العقوبات وتعويض الخسائر، ستخصص بلاده بعض المساعدات للشركات الألمانية المستثمرة في روسيا.

ولعلّ من المناسب، توضيح التركيز على الاقتصاد الألماني؛ لأنّ ألمانيا تُعتبر الحامل الرئيس لهموم الاقتصاد الأوروبي المتأثر بكل وضوح جراء ما يحصل في أوكرانيا، فالرئيس الروسي وضع الغرب أمام خيارات صعبة، مما اضطرهم للمضي في مسار فرض العقوبات والاستغناء عن الطاقة النظيفة (الغاز) من روسيا.

ولطالما عمِل بوتين على ترسيخ حاجة ألمانيا لغاز بلاده الطبيعي، عبر مدّ خط "نورد ستريم 2"، وما عزز ثقته بنفسه، أنَّ الجميع ينادي باستخدام الطاقة النظيفة، إثر انبعاثات الكربون المسببة للاحتباس الحراري، والتلوّث العابر للحدود، وشحّ المياه العذبة، وتلوّث الأراضي.

اقرأ المزيد: السعودية الأولى بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الحوكمة الإلكترونية وخدماتها

وبالتالي نستنتج، أن الاقتصاد الكلي يعتمد على دراسة سلوك الحكومات وسياساتها الاقتصادية، ويتخذ معالجة مشكلات الاقتصاد من حيث التضخم والبطالة، وصولاً لدراسة حركة الصادرات والواردات التي تؤثر على الدخل القومي مقارنة بالناتج المحلي، كما أن الاقتصاد الكلي يحدد شكل العلاقات الاقتصادية لكل بلد مع البلدان الأخرى، ويحدّد سياساتها تجاه بعضها البعض.

"الشرق الأوسط" يضاف إلى مشكلاته الأمنية.. الأمن الغذائي

يبدو واضحاً أن سيكون للحرب تأثير على الأمن الغذائي للعديد من الدول التي تستورد القمح الأوكراني، خصوصاً في الشرق الأوسط وأفريقيا، إضافة إلى إندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش جنوب شرق آسيا.

وكان موقع اقتصادي قد تطرق لتداعيات الحرب في أوكرانيا في مقالاته يوم أمس الأحد بعنوان "لهذا السبب لن تواصل أسعار الطاقة ارتفاعها!"، وركز المقال على "الأمن الغذائي وأسعار الطاقة، التي تعتبر عاملاً أساسياً في تسعير بقية المواد بمختلف القطاعات"، وبيّن الموقع، أن "بعض الشركات في الخليج العربي قامت بالفعل برفع أسعار عدد من أنواع النفط التي تنتجها".

وأضاف الموقع: "إن أفضل طريقة لخفض سعر مادة ما، تكون بزيادة إنتاجها، وهو ما تسعى الدول لحدوثه بالضغط على كل من الإمارات العربية والمملكة السعودية من أجل رفع إنتاجهما من النفط، لإنقاذ الاقتصاد العالمي ككل".

وتوقع موقع اقتصادي، أن "يرفع البلدان إنتاجهما بمقدار 10 بالمئة لتكون قريبة من الطاقة القصوى لإنتاجهم النفطي"، وأن "تجرم الدول الغربية كل من يتعامل مع النظام الروسي، وإعادة صياغة قانون الطاقة مقابل الغذاء".

ويُشار إلى أنّ الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، وفي عدة مناسبات، طالبَ الرياض وأبو ظبي، بزيادة كمية إنتاجهما من النفط، لكن دعوته لم تلقَ آذاناً صاغية لذلك.

وتعتبر روسيا الدولة الأولى عالمياً من حيث تصدير القمح، والذي يقدّر بـ 37.3 مليون طن سنوياً، وتأتي أوكرانيا في المركز الرابع بـ 1.8 مليون طن، وهو ما ينذر بخطر داهم للأمن الغذائي العالمي.

وفي ضوء ذلك، تعتمد الحكومات العربية على غيرها من دول العالم في تأمين غذائها وإطعام شعوبها. فبينما تشكل الدول العربية نحو5 بالمئة من سكان العالم، تستورد 20 بالمئة من كمية الحبوب المتاحة للتجارة الدولية، ولا تنتج سوى 2.5 بالمئة من الإنتاج العالمي للحبوب. وتستورد نحو 60 بالمئة من احتياجاتها من القمح اللازم لصناعة رغيف الخبز من روسيا في أقصى شمال شرق أسيا، ومن أوكرانيا وفرنسا ورومانيا في أوروبا.

كما أنها تستورد 65 بالمئة من احتياجاتها من زيوت الطعام من ماليزيا وإندونيسيا، وكذلك تستورد 25 بالمئة من الأرز من دول جنوب شرق آسيا، كالهند وتايلاند.

وبهذا يكون الأمن الغذائي العربي رهن الاستقرار السياسي العالمي، سواء أكان غربياً أم في جنوب شرق آسيا، وهو ما يحتم على الحكومات العربية التفكير ملياً، في البحث عن البدائل، فيما لو استمرت العقوبات الغربية على روسيا، فستكون المنطقة أمام صراعات من نوع آخر، غير تلك القائمة على أساس مذهبي طائفي.

ليفانت – خاص

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!