الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
عاصفة من التسريبات تكشف العورات
عبد الناصر الحسين

لقد تفاجأ معظم المتابعين للشؤون الإقليمية والدولية من تسريبات مذهلة كشفها موقع «The Intercept» الأميركي مفادها أن وثائق سرية مسرّبة للاستخبارات الإيرانية تضمنت معلومات عن استضافة تركيا لاجتماع بين الحرس الثوري الإيراني وجماعة الإخوان المسلمين لتنسيق عمل مشترك ضد المملكة العربية السعودية!


الوثائق المسرّبة أوضحت أن تركيا استضافت عام 2014 اجتماعاً بين الحرس الثوري الإيراني والإخوان المسلمين لمواجهة السعودية، وللتباحث الجدي في عقد تحالف مشترك مناوئ لها. وحسب الوثائق فإن ممثل الإخوان المسلمين طلب من الحرس الثوري الإيراني العمل ضد المملكة في اليمن من خلال توحيد صفوفهما، انطلاقاً من تشارك الطرفين في كراهية المملكة. وأكدت الوثائق حرص الطرفين على استمرار التواصل ودراسة ما إذا كان بالإمكان متابعة العمل معاً بعد إقالة الرئيس المصري محمد مرسي من السلطة.


ونظراً لأن الأعين الدولية مفتوحة على المسلكيات التركية وعلاقة الأتراك مع الإيرانيين فقد رفضت تركيا وقتئذ منح تأشيرة دخول إلى قائد فيلق القدس قاسم سليماني، لذا فقد حضر الاجتماع وفد من كبار مسؤولي فيلق القدس، برئاسة أحد نواب سليماني، وهو «أبو حسين» وفقاً للوثائق. في حين ذكرت الوثائق أن وفد تنظيم الإخوان ضم ثلاثة من أبرز قياديه المصريين في المنفى وهم «إبراهيم منير مصطفى.. ومحمود الإبياري.. ويوسف مصطفى ندا» الذي نفى مشاركته في «القمة الإيرانية-الإخوانية».


صحيح أن «موقع The Intercept» أشار إلى أن السبب من وراء الكشف عن تلك المعلومات الهامة يرتبط بالصراع الضاري بين أقطاب النظام الإيراني والتجسس المتبادل بين وزارة الداخلية والحرس الثوري، حيث تفيد المعلومات المسرّبة أن الداخلية الإيرانية تتبع سراً أنشطة الحرس الثوري في جميع أنحاء العالم. لكنني أرى في الأمر سبباً آخر يصعب إهماله وهو المتعلق بتحسن محتمل للأجواء بين المجموعة الخليجية التي تتهم قطر برعاية الإرهاب وإثارة الصراعات في المنطقة وبالتنسيق مع العدو الإيراني المتربص بالمنطقة كلها وبين قطر. رطوبة الأجواء جاءت بعد القرار بعودة «منتخبات السعودية والامارات والبحرين» للمشاركة في بطولة كأس الخليج العربي، «خليجي 24»، والمقرر إقامتها في قطر قبل نهاية شهر نوفمبر الجاري، وقد لوحظ أن شبكة الجزيرة الإعلامية خفّضت من حملاتها الإعلامية ضد تلك الدول لأيام معدودة قبل أن تخرج التسريبات الفاضحة إلى العلن، وكأنّ إيران ساءها احتمال التقارب أو المصالحة في البيت الخليجي فبادرت لتفجير البركان بشكل أو بآخر، مرسلة برسائل تحذيرية لحكومة قطر التي ترعى تنظيم الإخوان المسلمين بأن القادم أدهى وأمرُّ فيما لو اقتربتم من المحذور. لأن في جعبتنا الكثير مما يحرجكم في الداخل الخليجي وأمام العالم، لتعود «الجزيرة» إلى عادتها وتمضي قدماً في سياستها التحريرية المناوئة للعرب عموماً وللدول الخليجية على وجه الخصوص، والداعمة للسياسة الإيرانية مهما بلغ التغول الإيراني من مديات لا تطاق.


من كان يتابع ذلك التناغم الكبير بين الخطاب الإيراني والخطاب الإخواني تجاه السعودية لا ينبغي أن تفاجئه تلك التسريبات، فقد بدا واضحاً ذلك التسابق المحموم بين الطرفين المتناسقين لاستهداف السعودية دون هوادة بحملات إعلامية مركزة تعتمد مبدأ «مراكمة الكذب» حتى يبدو وكأنه حقيقة لا تناقش.


حملات يظنها البعض قد بدأت في مصر بعد 30 يونيو (حزيران) 2013 بعد انتفاضة الشعب المصري والجيش ضد جماعة الإخوان المسلمين، حين اعتصمت الجماعة ومحازبوها من «الجماعة الإسلامية» وبعض الجماعات المتشددة في ميدان «رابعة العدوية» وميدان «النهضة»، الذين كانا منصات للخطابة التي أمطرت المملكة العربية السعودية بالكثير من التهجمات والشتائم.


تطور الأمر لاحقاً إلى حملة كبيرة للهجوم على السعودية وكَيْل الاتهامات لها، بسبب مساندتها لخيار الشعب المصري، وهي حملة شارك فيها بعض المنتسبين للجماعة وللإسلام السياسي بشكل عام في السعودية ودول الخليج، وأخذ بعض رموز الإخوان يكررون الهجوم على السعودية والإمارات العربية المتحدة، على منابر الجمعة في دولة قطر، وكانت قناة «الجزيرة» الراعي الرسمي لتلك الحملة.


لكن الحقيقة هي أن هذا الموقف الفاجر تجاه السعودية هو موقف قديم وراسخ لدى جماعة الإخوان المسلمين، ففي عام 2009 وقفت جماعة الإخوان المسلمين مع جماعة الحوثيين في اليمن عند اعتدائها على الحدود السعودية بالقوة المسلحة، وأصدرت بياناً ينحاز للحوثي ويتهجم على السعودية وينكر عليها حقها في الدفاع عن حدودها.


وفي عام 2012 تهجم «راشد الغنوشي» في كلمة له في «معهد واشنطن» على السعودية ودول الخليج، وقال: «الثورات تفرض على الملكيات العربية اتخاذ قرارات صعبة، فإما أن تعترف بأن وقت التغيير قد حان، أو أن الموجة لن تتوقف عند حدودها لمجرد أنها نظم ملكية. الجيل الشاب في السعودية لا يعتقد أنه أقل جدارة بالتغيير من رفاقه في تونس أو سوريا».


لن أستطرد في جلب الأدلة الفائضة على اصطفاف الإخوان إلى جانب إيران في محاربة المجموعة العربية، فالمؤكد أن تسريبات الأمس القريب لن تقف عند هذا الحد فالأرصاد الجوية تفيد بقدوم عاصفة لاهبة من التسريبات ستكشف مزيداً من العورات.


كاتب وصحفي سوري

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!