الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
شهيّاً كفراق.. ارحموا كاتباً تعثّر
شهيّاً كفراق.. ارحموا كاتباً تعثّر

تبتعد الكاتبة أحلام مستغانمي في روايتها شهياً كفراق الصادرة عن دار (نوفل/ هاشيت أنطوان) 2019 -قليلاً- عن خطها السابق، ويتضح للقارئ أن الكاتبة تعيش خريفاً يطلّ من نوافذ كلماتها وسردها لأحداث عاشتها وتركت في نفسها ملامح حزن وتشتت والخوف من عدم الإنجاز أو التأخر عن قرائها الذين ينتظرون جديدها بشغف.




لم تختلف أحلام كما عودتنا عن مستواها الأدبي الرفيع من حيث براعة الوصف واستخدام التعابير الخاصة بها وفيها من الحكمة والبصيرة ما يؤكد أن الكاتبة في أوج فتوتها غير أن طريقة الطرح والموضوع يختلفان في عمقهما عن أعمالها السابقة وعلى رأسها (ذاكرة الجسد) التي مثلت أهم الإنجازات الأدبية على مستوى الرواية التاريخية الرومنسية "أن تتقن شيئاً يعني أن تتقن كل شيء. ما التفت أحد إلى الخلف إلا وقع منه شيء. كنا نعيش أسابيع من السعادة مبتهجين برسالة كتبت باليد، وحين اختصرت المسافات إلى هذا الحد أصبنا بالجشع الهاتفي. كيف لكاتب أن يعرف لمن يكتب؟ وحده القارئ يملك ترف معرفة لمن يقرأ. الوقت لا يجامل أحداً، إنه يترك تجاعيده على قلوب الجميع، لا يقبل الرشوة، فروزنامته خارج سلطة البشر".




انزعاج الكاتبة من وسائل التواصل الاجتماعي، واتهامها لها بتضييع وقتها، في متابعة تعليقات المعجبين والقرّاء كان واضحاً في الفترة التي قررت فيها الكاتبة إنجاز الرواية، فهي تعيش بين عالمين حقيقي وافتراضي، ويؤرقها ترك العالم الافتراضي وخاصة تعلّق بعض المعجبين بتواجدها ومناشدتهم لها بالبقاء لما يخلّفه الأخير في نفوسهم من جمال وعزيمة وإلهام، ولكنها في الوقت عينه بحاجة لاسترداد وحدتها وسكونها بعيداً عن صخب العالم الاجتماعي الافتراضي فالخلوة التي يعيشها الكاتب هي أصل الابداع.




وكما عودتنا أحلام لا بدّ أن تتطرق في كتاباتها للشخصية العربية ومبادئها وقيمها التي سقطت بفعل القهر الممنهج على العرب "الحرب كسرت شوكة الرجال لكسر العمود الفقري للمجتمع العربي. في زمن الخنوع والدموع، رجال كانوا أسياد النخوة والكرم أهانهم العوز، وأذلتهم الغربة. سادة العنفوان شهدت كاميرات العالم على دموعهم وتضرعاتهم".




مما لا شك فيه أن الكاتب إنسان أيضاً وله مزاج متغير ويمر بفصول مختلفة وتصدّ نفسه عن الكتابة كما يشتهيها أحياناً، وقدرة الكاتب على مصارحة قرائه بما يحدث له هي نوع جمالي آخر تميزت به أحلام في (شهياً كفراق)، فهي ألمحت في العديد من أبواب الرواية إلى ضرورة عدم انقطاعها عن الكتابة لفترة طويلة، وإصرار المعني بنشر رواياتها على إنهائها لرواية أخرى ذلك أن القرّاء سئموا الانتظار.




نهاية الرواية كانت أيضاً مختلفة وفيها من الجاذبية ما يحسب لأحلام أنها كاتبة صريحة وشفافة كما كلماتها ولديها من الجرأة بأن تبوح لقرائها بطقوسها ومزاجيتها الكتابية: لم أعيد قراءة ما كتبت عادة، تلازمني رغبة الاحتفاظ طويلاً بأي مخطوط مراراً قبل إرساله إلى المطبعة، بل ومطاردته حتى المطبعة، لاعتقادي أن لا أخطر من إقدام كاتب على نشر كتاب، فدوماً أرعبني ما ليس يُمحى. لكني هذه المرة قررت ألا أعيد قراءة ما كتبت، وأن أرسل هذا الكتاب كما كتبته في تدفقه الأول إلى ناشري، ليكون أول تمرين في الفراق، قرار انفصالي عن مخطوطي هذا، قبل أت تتشبّث بي كلماته. ألهذا كان فولتير حين ينهي كتاباً يكسر أقلامه، ويضعها تحت وسادته وينام خشية أن تعاوده الرغبة في الاستيقاظ وإعادة كتابتها؟




وأجمل العبارات التي يخطها قلم أحلام هي تلك التي تتدفق من قلبها دون مجاملة أو تكلّف فهي تقول ما تعتقد دون خشية أو تردّد فتوصّف حال كاتبة حاولت تقليدها بقولها: "على اللائي يستسهلن تقليدي أن يقلّدن لغة أبطالي إن استطعن لشموخهم سبيلاً".


مدونة ليفانت


كاتبة وصحفية سورية



 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!