-
سوريا.. والأعوام الروسيّة
ومن المعروف أنّ نظام الأسد استطاع بفعل هذا التدخل استعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية شكلياً، كون هذه الاستعادة كانت على حساب استقلالية القرار السوري، وبغض النظر عن المناطق التي بقيت خارج سيطرة النظام السوري في الشمال والشرق وعن طبيعة وشكل من يسيطر على هذه المناطق، فإنّ النتيجة أن القوة الروسيّة انتصرت في المحصلة بغض النظر عن الأسلوب الذي انتهجته لتحقيق هذا الانتصار والفظائع التي رافقته، والتي أدت أيضاً لتدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية في المناطق التي استعاد النظام السيطرة عليها وتهجير معظم سكانها، سواء للداخل السوري أو للخارج، هذا الانتصار الروسي الذي أعلن على لسان وزير الخارجية الروسية عام ٢٠١٨ أن الحرب في سوريا انتهت، أي ثلاث سنوات مضت على هذا النصر وتوقف، فما الذي تحقق بعد هذا النصر؟
لا شيء بالتأكيد، بل ازدادت المأساة أكثر وانتشر الجوع والفقر ودمر الاقتصاد السوري برمته ونهبت الثروات السورية، فالمعروف أنّ المنتصر هو من يتحكم بالقرار السياسي والعسكري والاقتصادي في سوريا، والمقصود هنا الطرف الروسي، فهو المسؤول عن تلبية احتياجات الشعب السوري أو فئة من الشعب السوري التي دعمت التدخل الروسي أو لنقل بمعنى أعم من فضلوا البقاء لجانب النظام السوري وشكلوا حاضنة لهذا النظام في وجه الثورة السورية، وعبروا مراراً عن فرحهم وابتهاجهم وهتافاتهم وتأييدهم للنظام السوري والتدخل الروسي، فماذا حقق لهم هذا الانتصار؟ هل انتهى فقرهم؟ هل انتهى الجوع؟ هل عم الأمان الأرض السورية؟ هل انتهى الفساد؟ هل غاب حكم الميليشيات المدعومة من أطراف عدة؟
بالتأكيد لم يتغير شيء.. بل على العكس تماماً، اتجه الوضع لمأساوي أكثر على كل الأصعدة. إن المصالح الروسية في سوريا لا تأبه كثيراً لما يحتاجه الشعب السوري. يحاول الروس والنظام تعليق كل هذا الفشل الذي أعقب النصر المزعوم على العقوبات متناسين أن هذه العقوبات لا تشمل أي شيء يخصّ احتياجات المواطن السوري، من دواء وغذاء ومحروقات وبنية تحتيّة. يقبع الملايين من الشعب السوري في الظلام، وتنعدم كل وسائل الحياة الطبيعية في سوريا الأسد، أي الأجزاء التي يسيطر النظام، والشركات الروسية والإيرانية حديثاً، على مفاصل الاقتصاد السوري، ويتحكّم الروس بكل المفاصل السياسية والعسكرية والاقتصادية في سوريا. يحاولون مراراً لفت انتباه اللاعب الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، للتفاوض على الشأن السوري مقابل ملفات أخرى لا يؤخذ في أي جزء منها أي اعتبار للشعب السوري أو حتى لمصالح الدولة السورية، الكثير حالياً من الأصوات من الداخل السوري وممن يطلق عليهم حاضنة النظام، بدأت تعلو وتستنكر ما يحدث وما يمر به المواطن السوري من واقع تنتفي فيه كل سبل الحياة، فهل النظام السوري يملك مفاتيح لتغيير هذا الواقع أو يملك من القرار الاقتصادي واستقلاليته ما يمكنه من تلبية مطالبهم؟
بالتأكيد لا.. فالقيادة الروسية وحميميم والسفارة الروسية هي من تتحكم بجميع المفاصل، فالنداء يجب توجيهه لصاحب القرار، فهل عجزت دوله عظمى كروسيا عن تلبية احتياجات المواطن السوري، والتي وضعت يدها على جميع ثرواته ومقدراته الاقتصادية وأصبحت صاحبة اليد الطولى في سوريا؟
بالتأكيد لم تعجز، ولكن الدول تفكر في مصالحها، فهي لا تنظر للوضع المعاشي والاقتصادي السوري إلا من باب عنوان واحد هو إعادة الإعمار بما يحقق استحواذ الاقتصاد الروسي والشركات الروسية على حصة الأسد، فإما أن يقدم المجتمع الدولي المال اللازم لإعادة الإعمار عبر الروس أو لا مشكلة لديهم في بقاء هذا الواقع طالما أن من يعاني ليس المواطن الروسي.
وتعود السياسة الروسية مراراً وتكراراً لطرح مشاريع فاشلة، كإعادة اللاجئين عبر مؤتمرات وغيرها، من بوابة أن الحرب توقفت في سوريا ولا مانع يقف دون عودة اللاجئين. فهل يوجد في سوريا الحالية اقتصاد وبنى تحتية تمكّن المواطن السوري اللاجئ من العودة؟ قطعاً لا.. فمن هو موجود أصلاً في سوريا وفي مناطق الانتصار الروسي يعاني ويكابد للبقاء على قيد الحياة، ويعلم الروس قبل غيرهم لو فتح المجال للسوريين في هذه المناطق للخروج من هذا الكابوس لما بقوا يوماً واحداً.
قطعاً وبالتأكيد، حكومة الاستبداد في دمشق تتحمل مسؤولية ما يمر به الشعب السوري، بشكل عام، ولكن يقع على روسيا المسؤولية الأكبر كونها من يدير هذا النظام وكونها المنتصر وصاحب القرار في سوريا، ومن الطبيعي أن يكون خطاب المواطن السوري ونداؤه وسخطه هو على هذه القيادة، هذا المنتصر الذي اتخذ دور المتفرج على هذه العذابات والمأساة ولا تبرير أمامه لما يعاني المواطن السوري بغض النظر عن انتمائه إلا أن العقوبات هي السبب.. قيصر هو السبب.. هي شماعة تعلق عليها كل الأكاذيب التي تحيط بأسباب ما يعانيه
المواطن السوري والجحيم الذي يعيشه، وهي شماعة وجملة أكاذيب تتبجح بها السياسة الروسية، تشابه ما يتبجّح به النظام عند حديثه عن أكاذيب، كالمقاومة والممانعة، ومن سوء طالع المواطن السوري أن يكون قدره ومصيره في يد أدوات وأكاذيب وانتصارات وهمية جوفاء، تحوله إلى ورقة مساومة بيد الجميع إلا السوريين، وقدره أن تصبح الدولة السورية رهينة نظام مستبد وأنظمه شمولية، كروسيا، وأخرى ظلامية، كنظام إيران، وإن كان واقع المواطن السوري في المناطق التي تسيطر عليها قوى أخرى أقل سوءاً، ولكنه الفرق بين السيء والأسوأ.
إنّ سوريا، وكذلك المواطن السوري، أينما كان، بحاجة لجهد وطني كبير يولي أهمية قصوى للمصلحة الوطنية السورية، ومصلحة المواطن السوري، وشد العزيمة والتكاتف بين أبناء الشعب السوري على قاعدة الوطنية، بالرغم من خلافهم السياسي، فهي السبيل الوحيد لإعادة إعمار سوريا، وكل كلمة تصف هذا الواقع بحقيقته المرّة وتضع أساليب المعالجة الحقيقية، يجب أن تصب في هذا الجهد لتوحيده في إطار جامع بعيد عن أي تبعية دولية أو أجندات إثنية أو حزبية أو عرقية. من هنا يبدأ إعمار سوريا، ومن هنا يمكن البناء مجدداً.
ليفانت - عبد العزيز مطر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!