-
سرّ قوّة أصوات المسلمين في الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة
هذه، ربما، هي أغرب انتخابات رئاسيّة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يملي كائن مجهري، مثل فيروس كورونا، مسار الأحداث السياسية والاجتماعية المحيطة بالانتخابات، ويفرض على المواطنين التصويت عبر البريد، في سابقة ربما تزيد من تعقيد النظام الانتخابي المعقّد بالفعل.
وبسببه ألغيت مناظرة هامة بين الرئيس الحالي ترامب والمرشح المنافس له جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق، على خلفيّة إصابة الرئيس ترامب وأفراد أسرته ومساعديه بالفيروس، في وقت حرج جداً، قبل شهر واحد فقط من يوم التصويت، وبالرغم من كل ذلك، فإنّ العامل الأكثر إثارة للدهشة حقاً في هذه الانتخابات هو أنّ كلا المرشحين، ترامب وبايدن، يتنافسان بقوة على أصوات المسلمين الأمريكيين.
في لفتة تذكرنا بالأيام الخوالي للرئيس السابق أوباما، استخدم بايدن المصطلح الإسلامي “إن شاء الله” في مناظرته الأولى مع ترامب، والتي عقدت في ٢٩ سبتمبر. وفي الأيام الأولى من انطلاق حملته الانتخابية، سجل بايدن مقطع فيديو يحثّ المسلمين على الانضمام إلى حملته، واستشهد بحديث للنبي محمد يحثّ فيه المسلمين على أن يكونوا فاعلين بشكل إيجابي في تغيير الوضع القائم إذا كان لا يرضيهم. كما يحظى جو بايدن بدعم كبير بين المنظمات الإسلامية، وخاصة تلك التي لها روابط تاريخية مثيرة للجدل مع جماعة الإخوان المسلمين، مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، كما قام عدد من كبار المسؤولين المسلمين بإعلان دعمهم لبايدن، من بينهم عضوة الكونجرس، إلهان عمر، والمدّعي العام لولاية مينيسوتا، كيث إليسون، وهما ديمقراطيان أيضاً.
في المقابل، تخلّت حملة ترامب عن الخطاب القاسي ضد المسلمين، الذي سبق وتبناه الرئيس ترامب في حملته الانتخابية السابقة عام ٢٠١٦، فبعد تصريح غاضب أدلى به ترامب، في مارس ٢٠١٦، قال فيه “أعتقد أنّ الإسلام يكرهنا.. لدينا مشاكل مع المسلمين، ولدينا مشاكل مع المسلمين الذين يأتون إلى بلادنا”، تعهد ترامب بفرض “إغلاق كامل وشامل” على هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة، فيما وصفته وسائل الإعلام لاحقاً بـ”حظر المسلمين”، ومع الأسف كان “حظر المسلمين” من بين أولى القرارات الرسمية التي أصدرها ترامب، في يناير ٢٠١٧، بمجرد أن أصبح رئيساً.
واليوم، في تناقض تام مع موقف ترامب السابق من المسلمين، استحدثت الحملة الانتخابية لترامب منظمة فرعية باسم “أصوات المسلمين من أجل ترامب”، والتي تحاول جاهدة حشد المسلمين الأمريكيين، خاصة الشباب منهم، للتصويت لصالح ترامب في نوفمبر. فمن المفارقات، أنّه على الرغم من الموقف المتطرّف الذي اتّخذه الرئيس ترامب ضد المواطنين المسلمين، فإنّ ٣٠ ٪ منهم على الأقل يستحسنون أداءه الرئاسي، بحسب الاستطلاع السنوي لمعهد السياسة الاجتماعية والتفاهم في واشنطن. ومع ذلك، تعرّضت “أصوات المسلمين من أجل ترامب” لهجمات نارية من قبل نشطاء ديمقراطيين، منذ الإعلان عنها في أغسطس، حتى إنّ المنظمة لم تتمكّن من عمل اجتماع على الإنترنت، في منتصف أكتوبر، بسبب الكم الهائل من الهجمات اللفظية من قبل النشطاء الديمقراطيين (المناهضين لترامب) الذين اقتحموا الاجتماع. الانتخابات
والسؤال الآن، هو ما إذا كانت أصوات المسلمين الأمريكيين مهمة، ولأي درجة، في تقرير النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية؟ قد تختلف الإجابة على هذا السؤال اختلافاً كبيراً إذا تم تناولها من وجهة نظر التحليل الكمي مقابل التحليل الوصفي.
من الناحية الكمية، فإنّ عدد الناخبين المسلمين في أمريكا ليس بأيّ حال من الأحوال عاملاً حاسماً في هذه الانتخابات أو في أي انتخابات وطنية. وفقاً لأحدث الإحصائيات، الصادرة عن مركز بيو للأبحاث، والتي نُشرت في عام ٢٠١٧، يُقدّر إجمالي عدد المسلمين الأمريكيين بنحو ٣.٤٥ مليون شخص، يمثّلون حوالي ١.١ ٪ من مجموع سكان أمريكا ككل، من بين هؤلاء، قام حوالي مليون مواطن أمريكي مسلم، في عام ٢٠١٦، وبدافع من تصريحات ترامب العدائية ضد المسلمين، بتسجيل أنفسهم للتصويت في الانتخابات الرئاسية، وعلى الرغم من كون هذا رقماً قياسياً للناخبين المسلمين المسجلين في تاريخ الانتخابات الأمريكية كلها، إلا أنّهم لم يتمكّنوا من التأثير على النتيجة النهائية للانتخابات، وأصبح ترامب رئيساً، رغم إرادتهم.
أما على مستوى التحليل الوصفي، سنكتشف أنّ بإمكان التأثير السياسي والاجتماعي المتنامي للمسلمين الأمريكيين، خصوصاً في أوساط الشباب، أن يلعب دوراً غير متوقع في تغيير الميزان المعتاد للتصويت في أمريكا. ففي ظلّ إدارة ترامب، أصبحت منظمات المجتمع المدني الإسلامية، وجمعيات الطلاب المسلمين، وحتى الأفراد المسلمين العاديين، نشطين للغاية على الجبهتين السياسية والاجتماعية، حتى ربما أكثر نشاطاً مما كانوا عليه في عهد إدارة أوباما السابقة، التي كانت معروفة بدعمها الاستثنائي للمسلمين، في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال، حظيت احتجاجات حقوق المرأة وحركة “حياة السود مهمة” باهتمام ومشاركة واسعة من قبل أعداد كبيرة من الشباب الأمريكيين المسلمين. وبالتوازي مع ذلك، اتّخذت المنظمات الإسلامية خطوات برجماتية لاستثنائية للتعاون مع المنظمات اليهودية، على الرغم من التاريخ الطويل للتحيزات الأيديولوجية فيما بينهما. على سبيل المثال، بعد فوز ترامب مباشرةً، في نوفمبر ٢٠١٦، أعلنت اللجنة اليهودية الأمريكية تعاونها مع الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (إسنا) على تأسيس جماعة دفاع ومناصرة وطنية باسم “المجلس الاستشاري اليهودي الإسلامي”.
فضلاً على ما سبق، فإنّ المسلمين الأمريكيين هم مجتمع شاب نابض بالحياة يتمتع بتنوع عرقي واضح. وفقاً لإحصاءات مركز بيو للأبحاث، “يشكل البالغون الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٣٨ عاماً نسبة ٦٠ ٪ من السكان الأمريكيين المسلمين البالغين، مقارنة بـ٣٨ ٪ من السكان البالغين في الولايات المتحدة ككل”، والغالبية منهم من الجيل الثاني والثالث في عائلاتهم المهاجرة، أي أنّهم ولدوا في الولايات المتحدة ويعتبرون أمريكا هي وطنهم الأم، كما أنّهم نشيطون للغاية في مجموعاتهم العرقية: العرب والآسيويين والأفارقة، وغيرهم.
تعني هذه المعلومات، ببساطة، أنّ الوزن الفعلي للناخبين المسلمين في أمريكا يتجاوز بكثير قيمتهم العددية الصغيرة نسبياً كمجموعة سكانية، حيث يتضاعف تأثيرهم على أرض الواقع بفضل تزايد عدد المجموعات الشبابية الأمريكية التي هم أعضاء نشطون فيها، وكذلك انخراطهم في المجتمعات العرقية شديدة التنوع التي ينتمون إليها، والتي يستطيعون بسهولة حشدهم للتصويت لأيّ من المرشحين. ومن هذا المنطلق، فليس غريباً أن يبذل كلا المرشحين، ترامب وبايدن، قصارى جهودهما في كسب أصوات المسلمين الأمريكيين.
ليفانت _ داليا زيادة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!