الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
ذات العطب.. عطب
شهاب الأحمد

شكلت "تعيينات" الانتخابات التشريعية للبرلمان السوري في 19 تموز/ يوليو 2020، بعد التأجيل للمرة الثانية، مسار النظام السوري في عهدة رئيسه لولايته المستقبلية الرابعة.


تلك "الانتخابات" التي تمثل فيها 69 عضواً من أصل 177 عضواً، من أثرياء وأمراء الحرب والتشبيح والمجرمين وقادة الميليشيات الذين ارتكبوا جرائم وانتهاكات إنسانية وجنائية، بحق الشعب السوري، إضافة لمسؤوليتهم عن استباحة الدم السوري، وطبعاً لا تخلو القائمة من بعض الفاسدين، إضافة لتجار المخدرات، وبعض المطلوبين بقضايا نصب واحتيال، ليتوجهم ببعض العناصر من تنظيم "القاعدة" سابقاً، ويُمنحوا حصانة قانونية "دستورية" حتى تنتفي الحاجة إليهم.


الأمل بالعمل


إذا كانت هذه الأرضية التي سيؤسس رأس النظام السياسي في سوريا، لعهدته الرابعة، وبعد عشر سنوات من الدمار، الذي طال الجغرافيا الطبيعية والبشرية السورية، فما هو فحوى ومضمون شعاره "الأمل بالعمل" الذي طرحه، عنواناً لهذه المرحلة؟ وأي أمل بعمل أسياده ومشرعيه من هذا الصنف من البشر، الذين خرقوا بسلوكياتهم وانتهكوا، كل ما نصّت عليه الشرعة الدولية لحقوق الإنسان؟ وأي أمل بأي عمل سيشرعونه؟ وبالتأكيد شكلياً لأن مهامهم ستكون ليس أكثر من شرعنة ما يقوم به ويقرره هذا النظام، أو بالأدق تأطيره بشرعية "دستورية" من ناحية، ورفد النظام بالمال والمرتزقة لاستمراريته.


"الأمل بالعمل"، وليس لدى صاحب الشعار "حلاً سحرياً"، ولا أفقاً لانتهاء (وليس إنهاء) المأساة السورية، لأن مفاتيح الحل سلمها منذ البداية، لعرابي التشرذم، وأصحاب المشاريع الشرق أوسطية.


"الأمل بالعمل"، من خلال تأكيده برسالته للخارج قبل الداخل السوري، بأنه وخارج كل الأعراف الدستورية المتعارف عليها عالمياً، بأن "ممثلي الشعب" هم من يأتون لقصره احتفاء بتنازله وتواضعه بقبول ولاية رابعة، على شعب لا يملك من تراثه وعراقته -التي تمتد لما ينوف على ستة آلاف عام- من نصيب، وبأنّ حصوله على 95,1 بالمئة من الأصوات لتتوجه الأوحد في تاريخ المجتمعات الحديثة، الذي يجمع عليه شعب أنهكه الموت والخراب والتهجير.


"الأمل بالعمل"، وما دامت الكتلة الأكبر من القاع الاجتماعي حسمت أمرها، على متابعة مشوارها معه "مكملين معك"، وعلى الرغم أنه منذ تسلمه مقاليد السلطة والحكم في سوريا، وذلك القاع الاجتماعي يغرق في مستنقع الفقر والجوع بالتدريج، وعلى الرغم من 21 سنة لاستلامه السلطة، منها العشر سنوات الأخيرة، حيث عانى فيها ذلك القاع شتى أنواع العذاب والقهر والموت، ومورس عليه كل أصناف القهر، وجربت عليه مئات الأدوات والأساليب والطرق الممنهجة، ليس لاقتلاعه من جذوره فقط، بل من الجغرافيا والحياة، إلا أن ما تبقى من هذه الجغرافيا والحياة، ومن خلال خطابه "التاريخي" بأنه ليس لديه ما يقدمه لهم، ولا يعول عليه.. إلا أنه ما زال يمارس عليهم لعبته "السحرية".


حيث تحكي قصة شعبية من التراث الإنساني الغربي، عن غجري صاحب ناي سحري، استنجد به أهل مدينة ليخلصهم من الفئران التي هجمت عليهم كالجراد، فما كان منه سوى أن ينفخ في نايه لحناً ساحراً، وتبعته الفئران، وسار أمامهم حتى وصل لجرف صخري أسفله شاطئ بحري عميق الغور، وقفز الغجري وتبعته الفئران.


وهكذا ساحرنا العجيب، وبتشكيلته الوزارية الجديدة "القديمة" يعزف، لا يهم إن كان هناك من هو أصم، فالسيل سيجرفهم معه، لا يهم إن حاول البعض التوقف، فستدوسه الأقدام، لا يهم إن حاول آخرون التراجع، فالزمن لا يعود إلى الوراء، لا يهم.


من لم يمت قهراً أو جوعاً، أو تحت الأنقاض، أو قصفاً بكل صنوف الأسلحة. ومن جافاه الموت، ولم يهاجر، وما زال متشبثاً بالذل والقهر والمعاناة، لعل وعسى، يكمل مسيرة العنقاء التي تنبثق من تحت الرماد بعد خمسمائة عام. فالنظام سيكمل المشوار بحرق الأخضر واليابس، الذي لم تطاله ناره بعد، سيدمر كل منابع الحياة على هذه الأرض إن استطاع، مواسمه لن يجنيها فنيرانه تلتهمها وغاباته، وينابيعه يجففها، أو للبحر مصبها، والكهرباء حلم سيحلم بها، والهواء سيكون آخر ما سيلوثه، بعد أن يكون قد باع ما استطاع بيعه، ورهن ما يقدر على رهنه، من سماء وأرض وبحر.


وأما "المعارضات".. وطبعاً، هنا الطيف الواسع من المعارضات السورية، فقد غدرها التاريخ الحضاري للبشرية، ذلك التاريخ وعبر آلاف السنين، منذ أول تشكل أو تجمع بشري، متفاوت طبقياً، والثورات تندلع بأشكال شتى وطرق عدة، حتى استنفدت الخبرة والتراكم والعبقرية البشرية كل ذخيرتها، ونتيجة لذلك لم تجد تلك المعارضات سوى الاجترار والتكرار، أو التقليد والعادة والتطبع، ويُمهر تلك الخصائص طابع الشخصنة والذاتية المغرقة في الأنا المتضخمة، لأسباب مختلفة فيما بينها.


في الفصل الثاني: الثورة والمعارضة، إفلاس النخبة السياسية، من كتاب د. برهان غليون "عطب الذات، وقائع ثورة لم تكتمل- سوريا 2011- 2012"، يلقي الضوء على المعارضة بشقيها الإسلامي والعلماني، وتمركز عملها واهتماماتها حول الحصول على المغانم، وتراكم الأرصدة.


وكذلك من أصحاب الصفر الاستعماري، إلى سالم المسلط رئيس "الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، الذي دشن ولايته بتقليد "أبو عمشة"، رجل تركيا المدلل، الدرع الذهبي، تكريماً له على انتهاكاته وجرائمه بحق الشعب السوري، ورفعه للعلم التركي على مكتبه. إلى عشرات المنصات المعارضة التي تشكلت خارج الجغرافيا السورية، وكل منها تنطلق من الحاجة والضرورة التاريخية.. لأداء دورها في توحيد المعارضة السورية في وجه أشرس نظام تسلطي معاصر، وكلها تنادي بالديمقراطية وإسقاط النظام، وكلها تنادي بالدولة المدنية، وغالبيتها تفصل رداءً دينياً للكيان الاعتباري الدولة، وجلباباً أخضراً لرئيس الدولة، وكأن القاع الاجتماعي لم يكتف بما لديه.


ما يجمع تلك المعارضات وتتقاطع به مع النظام السوري تفصيلتها الخاصة ورؤاها الخاصة التي تريد فرضها على الآخرين، ديمقراطية التخوين والقتل والاستعداء لكل من يخالفها، رؤيتها الكلية والمطلقة والصحيحة، وتمسكها بجذورها التي تمتد عميقاً في التاريخ، سعة أفقها ورؤاها التي يجعلها كالمعدة العملاقة التي تستوعب الكل داخلها. فلماذا إذاً عاديتموه؟.


ليفانت - شهاب الأحمد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!