-
حزيران ليبيا وخريف القوى السياسية.. معضلة البناء والتشكل
ثمّة دلالات تؤشر على أنّ الشهر الجاري، حزيران (يونيو)، لن يمر خفيفاً على مكونات القوى الوازنة في الفضاء الليبي، وارتباطها برؤى الأطراف الدولية وأهدافها بشكل عام، وما يمتد إلى ذلك في تلك النقطة الملتهبة على ساحل البحر المتوسط.
المناخ السياسي، كما الطقس الصيفي الذي ينذر بأرقام مرتفعة، سوف يتحرك للأمام وفي معدلات قصوى، الأمر الذي يبرز تعقد المسار السياسي الليبي، خاصة أن محاولة رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا، نهاية شهر أيار (مايو) الماضي، دخول طرابلس، وتداعياتها الأمنية، ما تزال مؤثرة، تحديداً على مستوى تخندق القادة الميدانيين وعلاقاتهم برئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيية، (وباشاغا نفسه)، فضلاً عن موقف المجلس الرئاسي ورئيسه محمد المنفي من تلك القرارات. الأمر الذي بدا واضحاً مع قرار الدبيية بإقالة اللواء أسامة جويلي، مدير الاستخبارات العسكرية، وطلب فتح تحقيق عاجل حول أحداث ليلة الاقتحام وإقالة قائد ميليشيا النواصي، مصطفى قدور، من منصبه، كنائب رئيس جهاز المخابرات، ما جعل رئيس المجلس الرئاسي يرفض القرار واعتبار أن ذلك من اختصاص المجلس الرئاسي.
الأول والثاني يدركان تماماً أن القرار ونقيضه يقع في دائرة ضيقة من حيازة النفوذ ومغازلة الرأي العام في العاصمة، من خلال الارتباط بالقوة الميدانية على الأرض وفضّ الصلة المحتملة بين قادة الكتائب ووزير الداخلية السابق في حكومة فايز السراج (فتحي باشاغا)، لا سيما مع التسريبات التي تشي بمحاولة دفع المجلس الرئاسي تشكيل حكومة مصغرة تمضي بالبلاد نحو الاستحقاق الانتخابي بعيداً عن الصراع بين حكومتي الوحدة الوطنية وحكومة الاستقرار.
تداعيات القرار والمشهد برمته كانت أكثر وضوحاً مع حراك سوق الجمعة، أحد أكبر أحياء العاصمة الليبية، وإعلان قادته رفضهم لاتهام وتخوين (قدور)، بحسب وصفهم، وقرار إقالته. بينما أعرب البيان عن "دعم أهالي المنطقة لبقاء قدور في منصبه"، وقد شدد على أن الوضع السياسي الراهن "يهدد بمزيد من التصعيد والانقسام بين أبناء البلاد".
رئيس الحكومة المكلف الذي يترقب جلسة مجلس النواب القادم، في الرابع عشر من الشهر الجاري، لمناقشة قانون الميزانية واعتمادها، ثمّن في تغريدة على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بيان قادة سوق الجمعة، وأضاف أن حكومته حريصة على أمن العاصمة واستقرارها.
كانت كتيبة القوة الثامنة، والمعروفة بالنواصي، والمتمركزة في العاصمة طرابلس، بينما تتبع قدور، أصدرت بياناً تؤيد فيه حكومة فتحي باشاغا، كما رحبت بوصول باشاغا، وقالت إنها "مستعدة لتقديم كامل الدعم بكافة الطرق الممكنة لحكومة الأخير، وذلك من أجل النهوض بالدولة والمضي بها نحو الاستقرار الدائم".
إلى ذلك تتابعت الأحداث نحو أزمة جديدة داخل المجلس الأعلى للدولة الذي تتناقض مواقف أعضائه حول الحكومة المكلفة. وعلى خلفية ذلك فشل المجلس في التئام تركيبته نحو جلسة عامة للمرة الخامسة على التوالي بسبب مقاطعة أعضائه الداعمين لفتحي باشاغا.
أعضاء المجلس الداعمون للأخير طالبوا رئيس المجلس خالد المشري في بيان تعديل طريقة إدارته للمجلس، وذلك على خلفية نكوص المشري في تأييده رئيس البرلمان، المستشار عقيلة صالح، نحو تكليف باشاغا برئاسة الحكومة.
كما طالب الأعضاء رئيس المجلس بدعم لجنة المسار الدستوري المشتركة مع البرلمان لتهيئة الظروف نحو التوافق عبر الوصول لقاعدة دستورية تسمح إجراء الاستحقاق الانتخابي.
لا شك أن هذا التباين الصريح داخل المجلس الأعلى للدولة إزاء الحكومة المكلفة، يستتبعه بالحتمية تناقض حول التوافق مع مجلس النواب للاتفاق على قاعدة دستورية خلال اجتماعهم الجديد، الأسبوع المقبل، في العاصمة المصرية القاهرة، مما يضرب من جديد سيناريو الوصول للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
القاهرة التي تستضيف اجتماع اللجنة المشتركة، مطلع الأسبوع المقبل، برعاية ستيفاني ويليامز، تدرك تماماً الاتجاهات المتناقضة في تركيبة المجلس الأعلى للدولة. وأن ثمة توجه لدى قطاع داخل المجلس الأعلى للدولة، يرى أن المجلس الرئاسي عليه أن يقوم بخطوة للأمام نحو تشكيل حكومة مصغرة، وهو ما جاء في تصريحات سابقة لخالد المشري أثناء مقابلة تليفزيونية. بيد أن ذلك التصور من السيناريوهات غير المرجحة نظراً لكون مجلس النواب يرى أن تكليف أي حكومة ينبغي أن يمر عبر مجلس النواب. مع الوضع في الاعتبار أن الأخير قد يلجأ في مرحلة ما للموافقة على إجراء تعديل وزاري في حكومة الاستقرار ترضية للمجلس الأعلى للدولة وللفريق الذي يناوئ الحكومة المكلفة. لكن ذلك كله يبقى رهيناً لكافة الاعتبارات بين المجلسين ومدى التوافق فيما بينهما على مسارات الحركة في الأفق المنظور، لا سيما بعد اجتماع القاهرة، في الحادي عشر من الشهر الجاري، وما سينتج عنه من رؤى وتوافقات.
نحو ذلك وخلال نفس الشهر الجاري، دعا المشير خليفة حفتر، في خطاب خلال احتفال بمنطقة بنينا بمناسبة ذكرى عملية الكرامة، الشعب الليبي بكل مكوناته المدنية الوطنية إلى أن "يمتلك بنفسه زمام المبادرة ويرسم خارطة طريقه دون نيابة أو وصاية من أحد". وتابع قائلاً في جملة كاملة الدلالة: "على شعبنا أن يرسم خارطة طريقه دون نيابة من أحد وعندها سيجد الجيش حاضراً بكامل قوته".
لا ينبغي تأويل حديث المشير حفتر نحو رغبته في أي انخراط عسكري حالياً. كما حاول البعض فضّ حديثه على هذا النحو. بل يستقر الأمر، في تقديري، بكونه يتوافق مع سياق المشهد الذي جاء من خلاله خطاب المشير، والحشد الذي بدا للجميع في سياق ذكرى بدء معركة الكرامة ضد الإرهاب فضلاً عن كون مضمون الخطاب يحمل رسائل ضمنية إلى كافة الفاعلين في الداخل بألا يغفلوا حضور الجيش الوطني وقائده في معادلة التسويات والترتيبات السياسية وما يترتب عليها من مراكز وسلطة.
من خلال هذا الارتباك الذي يضرب الأجسام السياسية عبر محاولة تمركزها خلال الفترة المقبلة، تبدو كافة الالتباسات والتعقيدات كاملة في خارطة الطريق، خاصة وأن حكومة الدبيبة تواجه أيامها الأخيرة، خلال هذا الشهر الجاري، بينما يرى البعض أن الحكومة منتهية الولاية أكدت إخفاقها في تنفيذ الاستحقاق الانتخابي، خلال الرابع والعشرين من شهر كانون الأول (ديسمبر) الفائت. وثمة من يرى أن كافة الأجسام السياسية أمست منتهية الولاية. وعلى الجميع أن يرقب مكانه عبر انتخابات جديدة من خلال إرادة شعبية. ولكن يبدو أن ذلك من الصعوبة تصور حدوثه وثمة ميليشيات وكتائب مسلحة متعددة ومتناقضة تهيمن على العاصمة طرابلس.
ليفانت - رامي شفيق
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!