الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / يناير / ٢٠٢٥
Logo
  • تصريحات أحمد الشرع (الجولاني) والطريق نحو الثقة مع الأقليات

  • (الكورد نموذجا)
تصريحات أحمد الشرع (الجولاني) والطريق نحو الثقة مع الأقليات
 ماجد داوي 

في سلسلة تصريحات حديثة أدلى بها القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع المعروف باسم الجولاني، قدم رؤية جديدة حول توجهات الإدارة في المرحلة المقبلة، حيث طرح شعارات سياسية واعدة تلامس قضايا التغيير والإصلاح.

ومع ذلك، أثارت تصريحاته العديد من التساؤلات والشكوك لدى العديد من المكونات، لا سيما الأقليات العرقية والدينية، فضلا عن الأوساط العلمانية والليبرالية فيما يتعلق بتأجيل صياغة الدستور والانتخابات، في ظل الممارسات السابقة للهيئة والمعارضة، وغياب ضمانات حقيقية تحفظ الحقوق.

‏ تأجيل صياغة الدستور والانتخابات: تعزيز السيطرة بدلاً من التغيير

إن تأجيل صياغة دستور جديد وإجراء الانتخابات إلى أربع سنوات يثير مخاوف حقيقية من أن تكون هذه الخطوات مجرد أدوات لتعزيز حكمه وترسيخ سيطرته على مفاصل السلطة بدلا من تحقيق انتقال سياسي حقيقي. والمثير في الامر والذي يزيد من الشكوك هو قبول المعارضة السورية بهذا التأجيل، على الرغم من انتقادها المتواصل للنظام البائد الذي كان يتذرع بحجج مشابهة لتأخير الإصلاحات وسير العملية السياسية وصياغة الدستور. فالدستور ليس مجرد وثيقة قانونية؛ بل هو عقد اجتماعي، وغياب هذا العقد في هذه المرحلة يفتح الباب أمام المخاوف من استبداد محتمل في المستقبل يستخدم الانتخابات كأداة صورية لتثبيت الشرعية.

‏الثقة لا تُبنى على الشعارات وإنما تبنى على الممارسات:

لا يمكن بناء الثقة على الشعارات وحدها، وخاصة بالنسبة للأقليات والاوساط العلمانية، بل تتطلب سجلًا سياسيًا نظيفًا وممارسات تعكس الالتزام بالقيم الديمقراطية.

فماضي الجولاني (أحمد الشرع) معروف بتدرجه في تنظيمات متطرفة مدرجة على لوائح الإرهاب مثل (القاعدة، وجبهة النصرة، ومن ثم هيئة تحرير الشام). هذه التنظيمات كانت معروفة بتوجهاتها المتشددة وسجلها الحافل بالانتهاكات داخل وخارج سوريا، كما إن فكرة الجهاد العابر للحدود التي تبناها الجولاني وتنظيمه سابقًا، كما أكده معظم قادة التنظيم وعلى راسهم رئيس جهاز استخباراته أنس خطاب في خطاباته ومؤلفاته السابقة، تعكس أيديولوجية لا تتوافق مع متطلبات بناء دولة مدنية تحترم التعددية وحقوق الإنسان.

ومن النقاط المثيرة للجدل، تعيين ضباط أجانب ضمن وزارة الدفاع وترقيتهم إلى رتب عالية والتي تعكس تناقضًا صارخًا مع مطالباته بإخراج العناصر الأجنبية من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بغض النظر عن أحقية هذا المطلب، حيث إن هذه الممارسات يعكس ازدواجية واضحة في تعامل الهيئة مع مفهوم السيادة الوطنية، ويثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار السوري.

كذلك فإن ذاكرة الكرد السوريين المُثقلة بالجراح لا تزال عالقة في الأذهان، فدخول هيئة تحرير الشام إلى مدينة رأس العين عام 2012 وما تلاه من دعم المعارضة السياسية لقصف المدن الكردية مثل عفرين ورأس العين، وتل أبيض، والتي تسببت في قتل وتهجير وتغيير ديموغرافي، فالانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل بدعم من المعارضة، المتمثلة بالائتلاف السوري والحكومة المؤقتة، لم تأتِ ضمن سياق الحرب على قوات سوريا الديموقراطية فقط، بل حملت طابعًا ممنهجًا ضد الكورد، واعتبرت القضية الكوردية مشكلة أمنية بدلا من اعتبارهم مكون اصيل يجب حمايته، وهذا ما تلمسناه في خطابات معظم قادة المعارضة السورية أيضا أمثال أسعد الزعبي وهيثم المالح وغيرهم ممن أنكروا وجود الكورد وأحقية القضية الكوردية في سوريا.

ازدواجية مواقف المعارضة السورية وتأثيرها على ثقة الكورد بالإدارة الجديدة في دمشق

تعكس مواقف المعارضة السورية ازدواجية واضحة في التعامل مع القضايا الوطنية وتُضعف الثقة بها وتثير تساؤلات حول مصداقيتها، ففي حين يتم تصنيف الوجود الأمريكي والروسي على أنه احتلال، يُنظر إلى التدخل التركي بوصفه تحريرًا، وكذلك، تُعتبر عمليات دخول فصائل "الجيش الحر" إلى عفرين ورأس العين تحريرًا، بينما تُوصف عمليات تحرير الرقة ودير الزور بأنها احتلال، أيضا يتم قبول وجود العناصر الأجنبية في تنظيمات مثل "هيئة تحرير الشام" والفصائل العسكرية المعارضة، بينما يُرفض وجودها ضمن قوات سوريا الديمقراطية، ناهيك عن آليات التعامل مع عمليات القتل والتعذيب وتهجير مئات الآلاف من سكان عفرين ورأس العين، والذي يتم التبرير له أو يُغض الطرف عنه، بينما تُعتبر انتهاكات محدودة حسب التقارير الأممية ضد العشرات أو المئات في مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية على أنها انتهاكات جسيمة تستحق الإدانة، (بغض النظر عن ايماني بضرورة إدانة الانتهاكات الممارسة من قبل قوات سوريا الديموقراطية، فالانتهاك مدان سواء بحق الافراد او الجماعات).

هذه المواقف، سواء كانت صادرة من الافراد او من الكيانات السياسية والعسكرية تُبرز انسجاما وقبولا من النخب السياسية والمدنية لنفي وجود او استبعاد مكونات أساسية من النسيج الوطني، مما يعمق حالة انعدام الثقة بالإدارة الجديدة القادمة.

توصيات لبناء الثقة والتعامل مع الوضع الراهن

في ظل انعدام الثقة، لا يمكن فصل التصريحات والممارسات عن السياق السياسي والميداني، مما يتطلب مقاربة شاملة لبناء الثقة ، لذلك يجب على النخب السياسية، والإدارة الجديدة ما يلي:

تقليص فترة صياغة الدستور والانتخابات، مع إشراك كافة المكونات السورية في العملية بشكل عادل ومتساو.

إنشاء مجلس تشريعي مؤقت يضم ممثلين عن جميع الأقاليم أو المحافظات لإدارة شؤون الدولة إلى حين صياغة الدستور وإجراء الانتخابات.

ضرورة وضع مبادئ دستورية عامة أو ميثاق عقد اجتماعي (شكل الدولة وشكل الحكم ...الخ) خلال ستة أشهر، تضمن حقوق جميع المكونات وتحدد إطارًا واضحًا للعملية الانتقالية.

يجب على الإدارة الجديدة أن تبدأ بخطوات جدية للاعتراف بالقضية الكوردية في سورية وبالانتهاكات التي تعرض لها الكرد من قبل النظام والمعارضة والجيش السوري الحر، فالاعتراف بالخطأ يشكل خطوة أولى نحو بناء الثقة.

فتح قنوات تواصل وتنسيق وتعاون بين مناطق السيطرة المختلفة لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والاجتماعية، هذا الإجراء يسهم في بناء جسور الثقة إلى حين صياغة مبادئ دستورية عامة أو ميثاق عقد اجتماعي يضمن الحقوق والكرامة لجميع السوريين.

إعادة النظر في الأخطاء السابقة من حيث السياسات الإقصائية تجاه المكونات السورية المختلفة، وضرورة اشراكها في جميع مراحل عملية الانتقال السياسي.

كلمة أخيرة لا بد منها

تجارب الثورات العربية السابقة في دول مثل ليبيا، اليمن، العراق، والسودان تُظهر نمطًا مخيفا؛ إذ مرت تلك البلدان بفترات من الهدوء النسبي في المراحل الأولى من سقوط الأنظمة، لكنها تحولت لاحقًا إلى نزاعات وحروب أهلية بسبب عدم معالجة جذور المشكلات البنيوية والتحديات المجتمعية.

لذلك على السوريين جميعا وخاصة الإدارة الحالية أن تدرك أهمية التعلّم من تلك التجارب، والعمل بشكل جدي على بناء دولة عادلة تضمن حقوق جميع مكوناتها، وإلا فإن تكرار الأخطاء ذاتها قد يقود سوريا إلى مصير مشابه، فالتحدي الأكبر يكمن في احترام التنوع العرقي والديني، وتقديم الضمانات اللازمة لتحقيق دولة موحدة، لا مركزية، تسودها العدالة والمساواة.

ليفانت: ماجد داوي 

كاريكاتير

لن نسمح بوجود الارهاب على...

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!