-
الهوّة السياسية بين الشعب الإيراني ونظام ولاية وآثارها
ترتبط الشرعية السياسية بشرعية السلطة الحاكمة وما بينها وبين المجتمع من تناغم وانسجام فكري وسلوكي في ظل كافة الأنظمة السياسية، وإن لم يتوفر هذا الانسجام أو تراجع فُقِد فإن ذلك يعني انعدام الشرعية السياسية أو أنها ماضية إلى زوال، وفي حالة كحالة نظام ولاية الفقيه فإن الأمر يختلف كلياً إذا ما قورِن بأنظمة أخرى حقيقية إذ لا توجد في إيران بالوقت الحالي في ظل نظام الملالي بنية فكرية فعلية كهوية لنظام الحكم، وعلى الرغم من ادعاء النظام بأنه نظام إسلامي إلا أنه لا يمتلك من الإسلام إلا رسمه وخطابه بعيداً عن التطبيق تماماً، وحكم الإسلام الذي إن طُبِق بدقة يوفر أعلى درجات العدالة الإجتماعية والقيم الإنسانية، أما ملالي إيران فلم يبلغوا مبلغ إدراك الإسلام بعد، ولذلك سقطوا في فجوة ما بين النظرية وإدراكها من جهة، والتطبيق من جهة أخرى.
كان للنظرية السياسية المتبعة في إيران الملالي أثر سلبي للهوة الواسعة بين النظام الإيراني والشعب الإيراني ليس من الناحية السياسية فحسب، بل من الناحية العقائدية أيضاً؛ فاليوم وبعد أربعة عقود ونصف من حكم الملالي لم تعد للأسطورة الدينية المُتبعة من قبل الملالي أي تأثير على الغالبية العظمى من المجتمع الإيراني، وبات لسان حال الكثير من الشعب خاصة الفئة المضطهدة وهي الأغلبية يقول ايها الملالي لا نؤمن بما تؤمنون أو بمعنى إن ما تؤمنون به ليس الإسلام الحقيقي الذي نعرفه وقد يأتي اليوم الذي يقولون فيه فعليا إنتهت أسطورتكم أيها الملالي أنتم وما تدعون ولنعيد إلينا عقيدتنا ووطننا.
لقد سئم الشعب الإيراني من خطاب الخداع والمناورة هذا الذي طال أمده وثقلت من خلاله وطأة الكوارث والمصائب وتمكن الجوع من البطون وبات الفقر والحاجة مقروء على الوجوه وفي الخطى ومنطق الحديث، وما زال الحاكم يقول كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته وينهى عن الفحشاء والمنكر بالقول ولا يعرف كل ذلك في التطبيق إلا في حالة تعلق الأمر ببسطاء وعامة الناس، وقد رأى الناس أنهم واقعون في إطار حيلة كبرى الخطاب الديني وشعار القدس والثورة وتحرير فلسطين وآل البيت الطيبين الطاهرين وسيرتهم وقيمهم وكل ذلك وسيلة لترويضهم وخداعهم إلى مالانهاية، وهنا في ظل هذا الشرخ وهذا الخداع وسوء استخدام الدين والشعارات السياسية لا القدس تحررت ولا مطالب الشعب تحققت حتى ولو بالحد الأدنى، ولا الداعي إلى الله ترك نهج الظلم والاستبداد والدم واللصوصية الممنهجة وتزداد محنة الشعب ساعة بعد ساعة، وهنا فعلا أتت هذه الهوة والفجوة الشاسعة بين النظام والشعب وبين الطبقة المنعم عليها وباقي فئات الشعب بردة فعل عنيفة شوهٍدت وسُمِعت قبل سنوات في مظاهرات الشعب الإيراني من خلال شعارات (لا غزة ولا لبنان روحي فداءا لإيران) وما زال هذا الشعار قائم كأدبيات ثورية شعبية لدى الأغلبية من المجتمع الإيراني حتى لدى البعض من المنتفعين من نظام الملالي غير المعني وفقاً لنهجه بالقضايا الداخلية وتلبية احتياجات الشعب الذي يدرك أن النظام يروج لفكرة أن دعم الفلسطينيين هو جزء من مسؤوليته الدينية والسياسية من منطلق شعارات يحمي بها ذاته وليس أكثر، وقد كان بمقدور النظام في حال كان نظام إسلامياً حقيقياً التوفيق بين متطلبات رعيته في الداخل وقضاياه الخارجية أيضاً إلا أن نظاما فئويا طائفيا بهذا الفكر والمنطق وجماعاته التي اعتادت السرقة والتمتع بامتيازات السلطة لا يمكنها القيام بذلك في ظل هذا الفساد الساري في كافة أوصال النظام، وقد انتهت صلاحية تلك الشعارات والإدعاءات منذ زمن بعيد وحل محلها القمع والموت والإرهاب.
تداعيات الوضع الفلسطيني على إيران
تشهد إيران تداعيات اقتصادية قاسية نتيجة دعم نظام ولاية الفقيه المستمر للميليشيات المسلحة والجماعات المطترفة في المنطقة والعالم ودعمه شق الصف الوطني الفلسطيني، ويشكل هذا الدعم عبئا على الاقتصاد الإيراني المتراجع، حيث يتم توجيه الموارد والأموال الضخمة نحو الدعم الخارجي بدلاً من تلبية احتياجات الشعب الإيراني، ونتيجة للعقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب سياسات النظام التي يدفع ثمنها الشعب الإيراني يزداد الضغط الاقتصادي على البلاد وتتأثر قدرتها على التطور التكنولوجي وتنمية الاقتصاد الوطني.
تأثير شعار القضية الفلسطينية على قوة ومكانة إيران في المنطقة
يُدرك نظام الملالي تماماً ومنذ اليوم الذي استولى فيه على الحكم بأنه سيواجه الكثير من المصاعب خلال حكمه فقد كانوا مدركين في قرارة أنفسهم بأنهم حالة شرعية وستواجه الرفض محلياً وإقليمياً ودولياً لذا كان من الضروري استخدام شعارات من شأنها اللعب على مشاعر الناس وترويضهم واستخدام عنصر الأزمات وسيلة للقفز من مرحلة إلى أخرى، وقد كان شعار القدس والقضية الفلسطينية من الشعارات التي أجاد الملالي استخدامها وعززوا بها قوتهم ومكانتهم ووجودهم في المنطقة بشكل نسبي ضئيل حيث كان هذا المسعى التجاري من قبل الملالي مفهوما ومكشوفا لدى الكثير من الحكومات والشعوب العربية، لكن متاجرة الملالي بالقضية الفلسطينية على الرغم من محدودية تأثيرها واصطدامها بمواقف منظمة التحرير الرافضة لمنهج الملالي السياسي قد أخذت في التنامي عندما عمد الملالي إلى شق الصف الوطني الفلسطيني وسرقة جهود وتاريخ الثوار والمناضلين الفلسطينيين، وعلى هذا النحو ومنذ الثورة الوطنية الإيرانية في عام 1979 أصبحت فلسطين قضية بالغة الأهمية للنظام الإيراني وقد كان يروج لها كرمز للمقاومة ضد الاستعمار الغربي واسرائيل، وكانت تُستخدم لتعزيز التضامن والتأييد للنظام الإيراني من قبل الشعوب العربية والمسلمة المخدوعة.
واليوم يقول أحد الكتاب الإيرانيين إن الوضع الحالي في فلسطين كشف عن حجم الشرخ الذي ظهر بين النظام الإيراني والشعب الإيراني وهذا أمر فيه مغالطةٌ وإجحاف وتغاضي عن محنة الإيرانيين طيلة أربعة عقود ونصف؛ ففي هكذا قول يمكن التلاعب بالرأي العام بأن محنة الإيرانيين ورفضهم للنظام أمراً حديثاً وناشئاً فقط عن سياسات النظام الخارجية في حين أن الحقيقة عكس ذلك تماماً فالرفض قائماً وموجوداً منذ اليوم الأول لسلب الملالي الملالي لسلطة الشعب وثورته، بالإضافة إلى إعدام الملالي لعشرات آلاف الإيرانيين في الشوارع والسجون في حقبة الثمانينيات من القرن لأسباب سياسية تجلت في الخلاف الحاد بين الملالي ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية التي كانت تريد مشاركة كافة القوى السياسية الوطنية في العملية السياسية وتنصل الملالي من هذا الالتزام بعدما تعهد به كبيرهم خميني، وبالإضافة إلى ذلك أيضا أظهرت الاحتجاجات الإيرانية المتسمرة رفض الشعب الإيراني لنهج نظام الملالي ومسعاه التوسعي الإقليمي لتحقيق المصالح الخاصة بالنظام، ورفضه تماماً في الانتفاضات الأخيرة في إيران.
خلاصة القول
كانت السياسة الخارجية لنظام الملالي أولوية متقدمة على تلبية مطالب الشعب الإيراني وسعى من خلالها إلى معالجة التحديات الداخلية التي تهدد بقاء النظام واستخدم النظام الشعارات الطائفية والقضية الفلسطينينية مخارج له من أزماته، وعلى مدار عقود بعد افتضاح حقيقة النظام لم يجد أمامه سوى قمع الشعب لإسكاته وحماية نفسه من السقوط، كما أن افتضاح أمره وحقيقته لدى الأغلبية من شعوب المنطقة العربية جعله اليوم مرفوضاً من قبل الشعب الإيراني في الداخل واتضح ذلك من خلال الثورة الإيرانية القائمة، ومرفوضاً مكروها في الخارج أيضا بسبب ما أحدثه من فتنة ودمار وتشرد في العراق واليمن وسوريا ولنبان، وخذلانه للشعب الفلسطيني خاصة أهل قطاع غزة في محنتهم بعد أن غرر بالبعض من الفلسطينيين.
ليفانت - د . سامي خاطر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!