الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
العين الكردية في مواجهة المخرز التركي
شورش درويش – كاتب سوري

شورش درويش – كاتب سوري


لم تتحزّم تركيا بسطر واحد في القانون الدولي يبيح لها شنّ عدوان موسّع على شرقي الفرات، ولم تجري تركيا الكثير من المشاورات والتفاهمات الدولية والإقليمية بشأن عملها العسكري القادم، كما جاءت الحملة التركيّة مشفوعةً بتسميةٍ مخاتلة "نبع السلام" للإمعان في إيهام المجتمعين التركي والدولي بأن الغاية المثلى للحرب التركية القائمة والقادمة إنّما هو لإرساء السلام في المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" جرياً على تسمياتٍ أخرى مخادعة كعملية "غصن الزيتون" في عفرين السورية.




خلال الأيام الماضية ذهبت الترجيحات إلى أن العملية التركية المرتقبة قد تسير في اتجاهين، الأوّل بدا متفائلاً في إمكانية تعطيل العملية العسكريّة برمّتها بفعل الرفض الأمريكي العريض لقرار الرئيس الأمريكي الذي وُصف بأنه ضوء أخضر ورخصة أمريكية لتركيا، وقد تبدّى ذلك ممكناً لجهة حجم الرفض الذي أبداه نوّاب الكونغرس الأمريكي وقادة الرأي وكبار المعلّقين والصحفيين والكتّاب في والولايات المتحدة يضاف إلى ذلك الصوّت الموازي للاتحاد الأوربي الذي بدا أيضاً رافضاً للعمليّة، في حين أن الترجيح الثاني بدا متشائماً لجهة اعتبار أن العملية التركية ستحصل لا محالة غير أنها تقع في نطاق ضيّق ممتد بين ريفي رأس العين (سرى كانيه) وتل أبيض وبما لا يتجاوزهما على الشريط الحدودي وأنها لن تطال المدن الحدودية الرئيسية، عزّز من هذا الافتراض انسحاب قوات التحالف من نقاطها في هاتين المنطقتين، بيد أن كلا الترجيحين السابقين سقطا من أعلى درج الواقع، إذ أن العملية التمهيدية التركية شملت معظم المساحة الحدودية شرق الفرات الممتدة على ما ينوف عن أربعمئة كم، وما القصف الجوّي والمدفعي والرشقات النارية التركية إلّا تعبير عن إمكانيّة اندلاع حرب مفتوحة تطال كامل المنقطة الحدودية شرقي الفرات، فضلاً عن أن العمق الذي طاله القصف التركي يشي بأن المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات وأنها لن تقتصر على شريط كرديّ ضيّف.




ضربت تركيا عرض الحائط النداءات والتحذيرات في هذا السياق، ولعلّ ما دفع بتركيا لخوض غمار هذه العملية حتى نهايتها كان بفعل أسباب منها، رغبة الحكومة التركية والرئيس أردوغان في الهروب إلى الأمام على إثر تراجع شعبيته إلى أدنى مستويتها وقد تكون الحرب أحد المخارج التي تمنحه شيئاً من الشعبية في الوسطين المحافظ والقومي، وأيضاً تساهم هذه الحرب في ترميم علاقة الحكومة بالمؤسسة العسكرية التي عبّرت غير مرّة بأنها ليست راضية عن الأدوار التركية في سوريا إذ أنها باتت أقرب إلى مرافق يسير في إثر العربات الروسية والأمريكية في سوريا، لكن السبب الأهم يكمن في طبيعة العقيدة التي تحتكم إليها الدولة والمؤسسة العسكرية التركية المتمثّل برفض تمتع الكرد بشيء من الكيانية وإدارة مناطقهم إن في تركيا أو في خارجها، وإن أعدنا شريط الذاكرة إلى الوراء قليلاً لعثرنا على العديد من التصريحات الرسمية التركية التي تتحدّث عن عدم سماح تركيا بتكرار تجربة وأنموذج كردستان العراق، وبالتالي تصبح العملية التركية المحكومة بالكثير من النوازع الفاشية والعنصرية أقرب إلى حرب مصيرية تسعى إلى القضاء على أي تطلّع كردي، حرب عنوانها القضاء على الكرد مرّة وإلى الأبد.




في إزاء هذا المشهد شديد التعقيد، تقف قوات سوريا الديمقراطية ومعها كامل المنطقة على مختلف مكوّناتها الاثنية وفي مقدّمتها الكرد أمام خيارين لا يقلّ أحدهما مرارةً عن الثاني، فإمّا الذهاب إلى معركة غير متكافئة تفضي إلى خرابٍ عميم وتدمير المنطقة، أو القبول بالاحتلال وإلقاء السلاح على ما يستتبعه الأمر من مخاطر جدّية كتغيير طابع المنطقة المتعدد إثنياً ودينياً عبر انتهاج سياسة التغيير الديمغرافي، والتصفيات الجسدية والاعتقالات وأعمال النهب والسلب كالتي شهدتها منطقة عفرين، فضلاً عن نفخ الروح في خلايا داعش التي بدت أنها في الهزيع الأخير.

قد تكون الحرب التي حازت رخصة الرئيس الأمريكي ترامب، وتأييد الروس وغض نظر النظام المتطلّع إلى تكسّر نصال الكرد على نصال الأتراك والمجموعات السورية التابعة لتركيا، حرباً مفتوحة في الزمان والمكان، إلّا أن احتمالات إيقافها عند حدٍّ ما بات الغاية الكبرى لسكان المنطقة ونازحيها الذين أعيتهم الحروب والمعارك المتواصلة، وحتى يتحقق شيء من السلام ستبقى العين الكردية تقاوم المخرز التركي وفي هذا تخلٍّ دولي ووطني وانعدام للمسؤولية تجاه المقاتلين الكرد وذويهم ورفاق سلاحهم عرباً وسريان-آشوريين من الذين قاموا وهزموا داعش في وقت قريب مضى.




 


 




كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!