الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
البندقية المستأجرة.. لبنان يثور على التبعية
البندقية المستأجرة.. لبنان يثور على التبعية

عبدالله الرفاعي - كاتب سوري


يدرك المتابع للحراك الشعبي الجماهيري العفوي في لبنان أن الشعب العربي شعب حي يستيقظ واقفاً، فلبنان الذي عانى من ويلات حروب أهلية فرّقت بين أبناء الوطن الواحد وشتت شمل الأهل والأقارب، ودفعت خيرة أبنائه إلى الهجرة إلى شتى بقاع الأرض فراراً من حرب أكلت الأخضر واليابس، يحركها مصالح حزبية ضيقة، ودول تعتاش على خراب الدول وتمزّق الشعوب، وساسة ألفوا الخداع والمرواغة واستغباء الشعوب، فأثروا وبرزوا وتصدروا على حساب دماء الشعوب وأموالهم، فزجوا بالشباب اللبناني في أتون صراعات لا تخدم إلا مصالحهم الحزبية والشخصية الضيقة، فكلهم الزير سالم الذي ما كان ليسود قومه لولا ثأر كليب، ولم يكن اتفاق الطائف إلا حل تسكيني مؤقت وتأجيل مرّ للصراعات، فلا الحال تغير في لبنان ولا الهجرة توقفت، ولا الاقتصاد تحسن، ولا الساسة تزحزحوا عن بروجهم العاجية، نفس الوجوه ونفس السياسات ونفس الولاءات، ونفس الخطاب السنسكريتي الممل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، كل هذا عمّق الشرخ ما بين الشعب وساسته.


أن الشعارات الطائفية الحجرية البغيضة التي استخدمها بعض الساسة في لبنان لتحشيد الأتباع وتكتيلهم زادت الخرق على الراقع وعمّقت الشرخ في المجتمع اللبناني، وباعدت القلوب عن القلوب، فأحاط كل واحد من هؤلاء نفسه برجال دين مذهبه وطائفته وفرقته ليظهر أمام جمهوره بمظهر المدافع عن الدين، بل أن حزباً من الأحزاب تسلم قيادته رجل دين، وبالتالي أعطى لنفسه ولقراراته صفة القداسة، ولأتباعه صفته الإيمان، ولمعارضيه صفه الكفر، فهو المعصوم الذي لا يخطئ، وأقصد هنا حزب الله اللبناني الذي شكل ظهوره على الساحة اللبنانية تعقيداً إضافياً للوضع اللبناني، فالحزب كان أولى ثمرات نجاح خطة الخميني الإيراني في تصدير الثورة، فالشعارات الرنانة التي أطلقها الخميني وعصابته والتي سعت جاهدة لتضليل الشعوب العربية والإسلامية والسيطرة عليها دينياً وفكرياً، وإقناعها بأن إيران هي المخلّص لهم مما يعانونه من آلام وآثام، وظلم وقهراً وغلاء ووباء، وأن البيعة للولي الفقيه ستضمن لصاحبها دخول الجنة، مستغلين فقر الناس وحاجتهم، فأغدقوا الأموال على حزب الله وسلّحوه بحجة قتال إسرائيل، ولكن الواقع يقول أن هذا الحزب استخدم سلاحه لترهيب الشعب اللبناني وتخويفه ومصادرة قراره السياسي، فجر الخراب على لبنان وتسبب في حروب زادت من معاناة الشعب اللبناني.


لقد كان حزب الله وما زال بمثابة البندقية المستأجرة ينفذ أجندات إيران والنظام الطائفي في سوريا، وأداة لقمع حراك الشعوب وثوراتها، وسوريا شاهد عيان على ولوغ الحزب في دماء الشعب السوري بل أن نشاطات الحزب امتدت إلى العراق واليمن والكويت وغيرها من البلدان، في خرق سافر للأعراف والقيم، وهو في عمله هذا لا يسعى لرفعة الشعب اللبناني بل لتحقيق رغبات الولي الفقيه في إيران، وقد أدرك الشعب اللبناني قبل غيره مقدار الخداع والتضليل الذي كان يعيش فيه، فإيران التي ينفذ حزب الله أجنداتها ليست سوى دولة إرهاب لم يسلم من أذاها أحد في الداخل ولا في الخارج، بل أن الحاضنة الشيعية التي سعى حزب الله وزعيمه "المعصوم" لترويضها وخداعها انتفضت اليوم وهي تشعر بالألم والمرارة بعد أن فقدت فلذات أكبادها في حروب ساقها إليها نصر الله كما تساق الشاه إلى الذبح طاعة لسيده الإيراني، فقراره إيراني بامتياز، بل أنه يتفاخر في خطاباته بأن رواتب حزبه ونفقاته ورواتبه من إيران، وأنه يريد أن يجعل لبنان جزء من إيران، وأنه لن يبقى ساعة في حزب الله إذا لم يكن يؤمن بولاية الفقيه.


إن سياسة هذه الحزب وغيره من الأحزاب التي رهنت قرارها السياسي للخارج دفعت حناجر ثوار لبنان للهتاف ضدها بل وتمزيق صور سياسيها، والتنديد بمواقفهم وأفعالهم، مطالبين بالعيش بكرامة وحرية تحفظ لهم استقلالهم وسيادتهم، وتحسّن من أحوالهم المعيشية المتردية، وتنهض بلبنان عربياً ودولياً، وتحرره من الرق والتبعية لإيران وغيرها من الدول، وتكف يد أبنائه المنضوين تحت عباءة حزب الله عن الفتك بالشعوب والوقوف في وجه تقدمها وتحررها، وتسكت الأصوات العنصرية البغيضة التي تعامل اللاجئين بدونية وتقزز، وتبني جيشاً قوياً موحداً قادراً على ضبط الحدود وحماية مواطنيه من أي تهديد، وتضع حداً للسلاح غير الشرعي الذي يشهره حزب الله لتخويف معارضيه ولا يتورع عن استخدامه لمصلحة إيران- فالعبد لا ينفذ إلا أوامر سيده، والمرتزق يقبض ثمن جرائمه- وتغير الوجوه السياسية العتيقة التي ملها الناس من عرب ومن عجم، وتصدر دستور للبنان على أساس وطني لا طائفي يرسخ قيم العدل والمساواة بين أبناء الشعب اللبناني على اختلاف طوائفه ومذاهبه وأحزابه وانتماءاته الفكرية.


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!