الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • الإضراب العام في تونس.. بين الخضوع الاستراتيجي للاتحاد أو التحالف التكيتكي مع الرئيس

الإضراب العام في تونس.. بين الخضوع الاستراتيجي للاتحاد أو التحالف التكيتكي مع الرئيس
 رامي شفيق

يبعث مفهوم "الجمهورية الجديدة" في تونس بالكثير من الأسئلة عوضاً عن تقديم الإجابات. وفيما يبدو أن عمق الأزمة التي ضربت الأنظمة السياسية العربية، في العام 2011، ما تزال تترك آثارها وتداعياتها على كافة المستويات، وكذا الأنساق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

إذ تتحرك الهيئة الوطنية الاستشارية للانتهاء من مسودة الدستور لعرضها على الرئيس قيس سعيد، دون مشاركة الاتحاد التونسي للشغل في جلسات الحوار، الأمر الذي يكشف عن الإشكالية القصوى التي تواجه الدولة عبر التفاعل مع سؤال الأزمة الذي واجهها خلال العام 2011، وما تبع ذلك خلال السنوات الفائتة، مع الوضع في الاعتبار أن تجاوز دستور ٢٠١٤، كضرورة إجرائية ملحة، يمثل نقطة العبور نحو الجمهورية الجديدة وفق رؤية الرئيس سعيد المتكررة والتي يضمنها في قاموسه السياسي.

في المقابل، يشير رفاق المنظمة الشغيلة إلى أن وجه اعتراضهم إنما يستقر نحو تصويب الجوانب الاجتماعية والاقتصادية الملحة، بعيداً عن أخطاء السياسيين التي جنحت طيلة السنوات الأخيرة على حساب العمال وحقوق المواطنين. وأنهم في تلك اللحظة التي يملكون فيها طرحاً بديلاً عن القائم لن يسمحوا بالتجاوز، مرة جديدة، ضد المواطن البسيط. ونحو ذلك، جاء قرار الاتحاد بتتفيذ الإضراب العام الأخير.

لا ينبغي تصور نجاح الاتحاد التونسي للشغل في تنظيم الإضراب العام باعتباره يصب في خانة تعزيز مكانة المنظمة الشغيلة بين التونسيين. إذ لا يختلف المرء وذاته على مدى الثقة والمصداقية التي يتمتع بها الاتحاد وسط المواطنين.

الإضراب في حد ذاته إجراء قانوني ودستوري خبره القطاع العمومي، غير مرة، في عديد المناسبات التاريخية التي واكبت الأنظمة التونسية المتعاقبة. بيد أن الإضراب الأخير يمثل الأكثر خطورة في الحالة المعاصرة، كونه يشتبك مع حالة مركبة من الأنساق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعقدة والمتشابكة، والممتد في جذور النظام السياسي على مدار العقد الأخير.

بدا الاتحاد التونسي للشغل أحد الداعمين لقرارات 25 تموز (يوليو) العام الماضي، والتي اشتق الرئيس التونسي من خلالها مساراً لتنحية، أو بالأحرى إنهاء الانقسام بين مؤسسة الرئاسة والبرلمان بقيادة زعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي. وقد كان الاتحاد ظهيراً حقيقياً للرئيس سعيد في خطواته لنسف حلف النهضة وتركيبة إطاراته داخل دولاب الدولة، سواء عبر البرلمان، أو الحكومة التنفيذية.

غير أن تطور الأحداث الذي كشف الغطاء عن منظومة التفكير السياسي عند الرئيس التونسي، ومدى رؤيته للأزمة، وسبل الانسلاخ منها، عقدت مسار التوافق فيما بينهما. إذ يرى الأخير أن البلاد وما جرى فيها، خلال سنوات العقد الفائت، لا يمكن تجاوز آثاره دون دستور رئاسي، يقبض من خلاله على كافة مقاليد السلطة. نور الدين الطبوبي ورفاقه يدركون تماماً أن اللحظة الحالية هي لحظة مثالية بأن تضحى المنظمة الشغيلة شريكاً في الحكم عبر رصيده الضخم بين المواطنين، والذي يراه كفيلاً بضخ الإيجابية والمشاركة الواسعة في أي تطور سياسي من خلال الاستفتاء على الدستور القادم، في الخامس والعشرين من تموز (يوليو) المقبل.

المنظمة الشغيلة التي كانت تدرك تماماً رهانات البعض على فشل إضرابها الأخير، كانت تترقب تواصل اللحظات الأخيرة من مؤسسة الرئاسة، أو من ينوب عنها من الحكومة القائمة، بغية التفاهم على روزنامة الملفات المعلقة، مالياً واقتصادياً وسياسياً، دون التفريط في أي منهم.

حقيقة الأمر أن الظرف الانتخابي الذي حمل قيس سعيد إلى كرسي قرطاج كان خالياً من أي تكاليف، أو أعباء انتخابية، تثقل ظهره أو تطالبه بدفع المقابل، فضلاً عن كونه يبدو في مجمل تحركاته لا ينصت كثيراً سوى لما يدركه بذاته ويبصر أنه يصب مباشرة حيال مشروعه الخاص، مما يدفع بسيناريو عدم الخضوع الاستراتيجي لضغوطات الاتحاد خلال المدى القصير.

ربما، السيناريو الآخر الذي ينبغي عدم إغفاله، أن الرئيس قد يضطر لمراجعة موقفه إذا ما سقطت مشاورات مسودة الدستور شعبياً. وبدا للجميع إمكانية المنظمة أن تؤثر عميقاً في مشاركة التونسيين بالاستفتاء على الدستور، نهاية الشهر القادم. وعلى ضوء ذلك، قد يجد الرئيس نفسه في خانة الاتحاد، وعليه أن يقدم ما يرضي كبرياء المنظمة وتاريخها العتيد.

رغم أن ذلك السيناريو يخاصم التركيبة النفسية والسياسية للرئيس التونسي، إلا أن الواقعية السياسية تحتم على الطرفين القبول التكتيكي لوقف آفاق الصراع فيما بينهما كون الخصم الحقيقي لكليهما في الداخل -حركة النهضة- يترقب الأحداث جيداً، ويبصر خطوات كل طرف، ويمني نفسه بأي إشارة خاصة من الاتحاد لينضم إليه في صراعه ضد الرئيس. وثمة حقيقة مطلقة أن أي انتصار لطرف في ذلك الصراع هو خسارة كبيرة.

يبدو ذلك واقعياً مع فشل كافة المفاوضات التي جرت بين المنظمة والحكومة حول حقوق العمال وعدم الخضوع لاشتراطات البنك الدولي، ورهن الاقتصاد التونسي في قبضة النظام الرأسمالي العالمي، الأمر الذي انفجر في وجه الجميع بقرار تنفيذ الإضراب العام، دون أن تستطيع تلمس انتصار حقيقي لأي طرف من أطراف أطراف الأزمة. بالمحصلة، الخاسر في هذا التناقض هو المواطن العادي والدولة التي تخفق في عبور المستقبل.. مستقبل آمن بصيغة سياسية توافقية.

 

ليفانت – رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!