الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الإخوان المسلمون والنظام السوري.. مصالح مشتركة في الهندسة الديموغرافية

الإخوان المسلمون والنظام السوري.. مصالح مشتركة في الهندسة الديموغرافية
الإخوان المسلمون والنظام السوري \ ليفانت نيوز

لم ينحصر الدور التدميري لتنظيم الإخوان المسلمين في سوريا، على عسكرة الانتفاضة الشعبية، ومنح النظام الذريعة والحجة للتنكيل بالسوريين، ولا باستخفاف الدائرين في فلكه بحياة السوريين وحديثهم العلني عن استعدادهم للتضحية بآلاف السوريين لقاء إسقاط النظام، الذي لم يحدث لعجز المعارضة المقادة من أنقرة، عن تقديم نموذج يشجع المجتمع الدولي على مساندتها في مطالبها.

بل تجاوز ذلك إلى حد بعيد، من خلال تنفيذ المشاريع الإقليمية وتحديداً التركية منها، الرامية إلى تغيير ديموغرافي مناطق شمال سوريا، حيث تتواجد مجموعة من المناطق الكردية، كونها الركيزة الأساسية لقيام دويلة إخوانية موالية لأنقرة.

تغيير ديموغرافية عفرين

وفي سبيل ذلك، بدأ غزو عسكري تركي-إخواني في يناير العام 2018، على منطقة عفرين الكردية شمال غرب سوريا، تعرضت خلاله وعقبه، الغالبية العظمى من سكان المنطقة للتهجير القسري، حتى باتت عفرين غريبة عن سكانها الجدد، الذين تم جلبهم من مختلف مناطق الحرب السورية، بتوافق روسي تركي، عبر إفراغ محيط العاصمة دمشق، وبالتحديد مناطق الغوطة الشرقية، وريف حمص الشمالي، وغيرها.

وبالصدد، فقد وجهت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" في الثامن عشر من يناير الماضي، نداءً إلى للمجتمع الدولي وقالت إن "دولة الاحتلال التركي ماضية في تدمير سوريا وتفتيت مجتمعها" مضيفةً إن "تركيا ومن خلال سياسات التغيير الديموغرافي والتهجير القسري لأهلنا من مناطقهم، تؤسس لمشروع تتريك جديد هدفه ضرب استقرار سوريا والمنطقة وتجزئتها مجتمعياً وجغرافياً".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في أوروبا.. النظام الهيكلي وأصوله المالية 

ونهاية يناير الماضي، أكدت ليفانت نيوز تزايد المخاوف والخشية لدى أهالي عفرين الأصليين الكورد، من النشاط في بناء المستوطنات ضمن منطقتهم، عقب تهجير أكثر من 75% من سكان المنطقة الأصليين، وتوطين قرابة 400 ألف سوري من مناطق داخلية، حيث أكد سكان عفرين، بأن تلك المستوطنات تسعى إلى تغيير ديموغرافية منطقتهم.

وتلا ذلك، حملات لجمع تبرعات لبناء مساكن في شمال سوريا (دون تحديد مواقع البناء)، وهو ما زاد في لهيب المخاوف من ترسيخ عمليات التغيير الديموغرافي، بدعم من تنظيم الإخوان المسلمين، الذين بدى متحمساً لتشكيل دويلته الإخوانية بحماية تركية، بناءً على إعادة هندسة الديموغرافية السورية، بما يتوافق مع طموحات أنقرة الإخوان، في زرع "المكون السني" المهجر من محيط دمشق وحمص وحماه وغيرها، على الحدود السورية-التركية، وبالأخص في المناطق الكردية.

مناشدات لوقف ترسيخ التغيير الديموغرافي

جهود الإخوان في تشكيل دويلتهم في شمال غرب سوريا، لم تقتصر على إخوان سوريا، بل توسعت بطلب الدعم من تنظيمات الإخوان في المنطقة، وهنا كثر الحديث عن دور منظمات كويتية وقطرية وفلسطينية، مساندة لتلك المشاريع، مستترةً تحت غطاء المساعدات الإنسانية للمهجرين في الخيم، فأطلق نشطاء فلسطينيون بالتعاون مع جمعية “القلوب الرحيمة”، حملة تحت اسم “دفء القلوب الرحيمة” والتي نجحت في جمع مبلغ عشرة مليون دولار، بهدف “دعم النازحين السوريين في شمال غرب سوريا، دون تحديد كيف ستصرف هذه الأموال وأين ومن سيقوم باستلامها وتوزيعها”.

اقرأ أيضاً: بن جاسم معجب بتدخلات طهران بالمنطقة.. ويزعم: الإخوان يستطيعون مواجهته

تلك الحملات دفعت منظمات حقوقية ومدنية كردية وسورية، إلى مناشدة الرأي العام الفلسطيني بضرورة الامتناع عن المشاركة بحملات التغيير الديمغرافي التي تجري بحق سكان الكرد الأصليين في عفرين، فقالت في بيان صدر في السادس من فبراير، “نحن كمنظمات سورية فإننا نناشد الأخوة الفلسطينيين توخي الدقة والحذر والامتناع عن دعم الاحتلال التركي بالأموال بحجة التبرعات لتنفيذ أعمال خيرية لبناء المستوطنات، لأن من شأن ذلك الدعم أن يجعل منهم شركاء مع الاحتلال في بناء المستوطنات على الأراضي الكردية المحتلة والمسلوبة والمهجرة السكان على غرار المستوطنات الإسرائيلية”، في ظل الحديث عن بناء أكثر من 18 مستوطنة في عفرين.

المعارضة غير الإخوانية

رسالة المناشدة تلك، والوقائع على الأرض، دفعت كذلك “تيار مواطنة – نواة وطن” السوري، وهي جزء من المعارضة السياسية والحراك الثوري في سوريا، تأسست بدمشق في 12 أبريل 2011، وتضم مجموعة من النخبة المثقفة والأكاديمية والممثلين والتشكيليين السوريين.. في 12 فبراير، إلى التأكيد على أنه من حق سكان عفرين العودة لديارهم.

ورفض التيار في بيان نشره على موقعه الرسمي، كل ما يتعرض له أهالي عفرين من شتى صنوف الانتهاكات وأورد: “نقدر حاجة النازحين السوريين في كل مكان إلى سكن وحماية، فإننا لا يمكن أن نقبل أن يكون هذا على حساب سكن وأمن الكرد أو أي جماعة سورية أخرى، ونطالب بالسماح بعودة كرد عفرين إلى ديارهم وأرزاقهم، والتحقيق في كل الانتهاكات، وجبر الضرر الذي تعرضوا له”.

اقرأ أيضاً: مسارات سوداء في انتظار تنظيم الإخوان المسلمين

وأكد التيار السوري المعارض أن المشكلة تكمن في ”أن هناك من يُلبس الهواجس التركية لبوس دعم السوريين وثورتهم، في حين أن ما يجري على الأرض هو تدمير كامل للرابطة السورية” منوها أنه “يتم اللعب على التنوع النسيج السوري، سواءً أكان مذهبياً أو دينياً أو عرقياً أو قومياً، والنتيجة تمزيق الرابطة السورية وتحويل السوريين إلى أتباع إلى هذه المصلحة الخارجية أو تلك”.

مصالح مشتركة بين الإخوان والنظام

ويمكن القول، أن النتائج الكارثية للحرب الأهلية في سوريا، التي بدأها النظام الحاكم في دمشق، وتابعها تنظيم الإخوان المسلمين وأنقرة من خلفهم، تُحقق مصالح مشتركة للطرفين (النظام والإخوان)، لأن استمرار الحرب وعدم الوصول إلى حل سياسي، سيضمن بقاء المهجرين بعيدين عن مناطقهم الأصلية التي ينحدرون منهم.

فبقاء أهالي غوطة دمشق وغيرها، مُهجرين، هو عملياً في مصلحة النظام الذي لا يريد (حاضنة سنية) حول العاصمة.. وأيضاً في مصلحة تنظيم الإخوان، لأنه يسهل عليه خطف إرادة هؤلاء المهجرين، وتحويلهم إلى بيادق و(مرتزقة) يقاتل بهم من أجل مصالحه ودويلته في شمال غرب سوريا، ومن أجل سيده في أنقرة.. وعليه يتم بناء المستوطنات لهم، في عفرين وغيرها.

اقرأ أيضاً: الإخوان وحقوق الإنسان.. كيف سقطت آخر أوراق التنظيم؟

كما أن بقاء أهالي عفرين مهجرين، فيه مصلحة مشتركة للنظام والإخوان.. فلا النظام يرغب في أن يجد المكون الكردي قوياً مهدداً لأركان حكمه، عبر مطالباته بنظام حكم فيدرالي.. ولا الإخوان ومن خلفهم تركيا، يرغبون في وجود الكورد ككتلة متماسكة على أرضهم، كونهم يعتبرون عائقاً جغرافياً رئيساً أمام دويلتهم المزعومة في شمال غرب سوريا.

وعليه، فإن خيارات السوريين قليلة وصعبة، فإما الانتفاض معاً على الاخوان والنظام، ورفض الهندسة الديموغرافية التي فرضها الطرفان، والإصرار على عودة كل المهجرين إلى مناطقهم.. وإما استمرار الحرب العبثية فيما بينهم لسنوات أخرى، مع بقاء المهجرين من كل الأطراف السورية، مشردين، منهكين، مسلوبي الإرادة والخيار.

ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!