الوضع المظلم
الثلاثاء ١٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
  • إيران تتراجع إقليمياً.. فهل يستفيد العرب والأكراد؟

إيران تتراجع إقليمياً.. فهل يستفيد العرب والأكراد؟
عمار ديوب

انتهت أكذوبة أن المقاومة يمكن أن تكون طائفية. إن أفعال حزب الله في سوريا واليمن والعراق، وتوظيف سلاحه ضد الداخل اللبناني، أوضح أن هذا السلاح ليس من أجل فلسطين بل من أجل الهيمنة على لبنان، وخدمة المشاريع الإيرانية في المنطقة.

لم يعد أغلبية أهل المنطقة، بمن فيهم الشيعة، يثقون بهذا الحزب؛ فديارهم خُرِّبت، وأصبحت أغلبيتهم نازحة أو مهجرة، وبالتالي هناك رفض كبير للسياسة الإيرانية المستمرة. تصاعد الرفض مع ثورة العراق 2019، وتركز في المدن الشيعية، وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كان الرفض واسعاً للهيمنة الإيرانية على العراق، وللقوى الطائفية الشيعية ولميليشياتها؛ الأمر ذاته في لبنان، وأصبح حزب الله أمام معادلة جديدة؛ فليس من غطاءٍ مسيحيٍّ كاذبٍ له، وسقط أتباعه بين الدروز والسنة. لقد أفرزت الانتخابات واقعاً سياسياً جديداً، يستند على واقع اجتماعي سابق بالتأكيد ورافض لحزب الله، وهناك الثورة التي حدث في لبنان 2019، وهي بدورها رافضة لهيمنة حزب الله، وبالتالي، أصبحت العراقيل أمام الحزب الإيراني كبيرة، بدءاً بانتخاب رئيس البرلمان وليس انتهاءً برئيس الجمهورية، وسيشمل الخلاف منصب رئيس الحكومة. في اليمن هناك أيضاً رغبة دولية وإقليمية لإنهاء الحرب والعمل بالدبلوماسية من أجل الانتقال السياسي، وإعادة الحوثيين إلى صعدة.

"تنحسر" روسيا في سوريا، أو تعيد التموضع، وهو الأدق، وتملأ إيران الفراغ، ويتم ذلك على وقع الحرب الأوكرانية واشتداد الحصار الدولي عليها، وهناك تحذيرات من دول المنطقة من التراجع الروسي والتقدم الإيراني نحو الحدود الإسرائيلية والتركية والأردنية. هناك حقيقة يجب ألا تغيب عن الأنظار، وهي أن إيران والنظام كادا أن ينهارا في سوريا قبل مجيء السلاح الروسي في 2015 وإنقاذهما، ورغم الواقع الجديد الذي أحدثه التدخل الروسي، وتوسع سيطرة النظام على مدنٍ كانت خارج سيطرته، فإن إيران لا تستطيع بمفردها تثبيت أقدام النظام، وهناك رفض إقليمي لحضورها في سوريا، وهي بأزمةٍ اقتصادية شديدة وتعمّها الآن انتفاضة قوية، والعلاقات مع السعودية لم تتطوّر كثيراً، وربما تقتصر على علاقات أمنية؛ وبالتالي ماذا ستفعل المعارضات السورية، والقوى الرافضة لإيران في المنطقة العربية. تساؤلنا هنا، لأن هناك رفض عربي واسع يتزايد ضد إيران، وهناك رفض إقليمي كذلك؛ طبعاً الارتماء بأحضان إسرائيل أو تركيا ليس هو الحل.

السياسة الأمريكية، ورغم أنها عادت "للتموضع" في المنطقة، إلا أن سياساتها المعتمدة في الوقت الراهن تنطلق من إعطاء دول المنطقة فسحة أكبر لإدارة شؤونها، أي تركيا وإسرائيل، ولو استجابت إيران لقضايا معينة، إقليمياً ودولياً، فإن الاتفاق النووي سيُوقَع، وسيُعترف لها بدورٍ إقليمي كبير. العرب الذين فقدوا الدور الإقليمي المؤثر منذ عقود، وليس فقط مع اهتزاز موقع دمشق، وأصبحوا متأثرين بالسياسات الإقليمية، هم أمام فرصة كبيرة، حاولنا توضيحها أعلاه، وتُختصَر بأن السياسة الأمريكية تعطي للدول الإقليمية فسحة لإدارة شؤونها، وهناك تراجع روسي كبير، ولم تتمكن الصين بعد من فرض هيمنتها على منطقتنا.

الدول الأقوى إقليمياً، هي التي تستغلّ "الفرص" العالمية في منطقتنا؛ فها هي تركيا تستغلّ الحرب على أوكرانيا وتَورُّط روسيا من أجل فرض شروطها على السويد وفنلندا، وحلف الناتو، وأمريكا، بشأن المنطقة الآمنة في شمال سوريا، ومحاربة الأكراد في سوريا وتركيا والعراق، وتحديداً القوى السياسية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، وإغلاق مكاتب هذا الحزب في أوروبا.

إيران بدورها ستستثمر حصار موسكو، وتعزِز من وجودها في سوريا خاصة؛ فهي تتعرض لسياسات رافضة لها في العراق واليمن ولبنان. إسرائيل التي حاولت أن تقف على الحياد في الحرب الأوكرانية، تتجه للاصطفاف أكثر فأكثر مع أمريكا والاتحاد الأوروبي، وكانت تشترط لموقفها هذا، عدم عقد الاتفاق النووي، وعدم التساهل مع إيران وميليشياتها، والآن، وبالعودة الجزئية للإدارة الأمريكية إلى المنطقة، وازدياد حدّة الخلافات مع موسكو، فإن إسرائيل تتجه للاصطفاف ضد روسيا، أو لنقل إنها تقترب أكثر فأكثر من الحلف الأمريكي.

الأمتان اللتان لا تجدا لهما مكاناً حقيقياً ووضعاً معتبراً هما العربية أولاً والكردية ثانياً؛ ومواقع الأكراد معرضة للتراجع كلما ارتفعت حدّة الاصطفافات العالمية والإقليمية. الآن تضغط تركيا على الإدارة الأمريكية من أجل المنطقة الآمنة في شمال شرق سوريا، ودعم مشروعها لإعادة اللاجئين إجبارياً للمناطق الـ 13، وتحاول إيران التمدّد شرقاً وشمالاً وجنوباً وهي متواجدة في غرب سوريا بكثافة.

تركيا التي تُصفّر المشكلات الإقليمية، تفعل ذلك، بعد أن أرست لها وجوداً قوياً في ليبيا وسوريا وجنوب القوقاز، والطرفان المتصارعان دولياً بحاجة إليها، وربما هذا ما تحتاجه كل من روسيا والإدارة الأمريكية، أي إبقاء تركيا دولة "حيادية"، وبذات الوقت، ستستفيد الإدارة الأمريكية من ذلك في ابتزازها، ففي الوقت الذي تحسنت فيه العلاقات الأمريكية التركية لناحية توريد طائرات إف 16، وصيانة القديمة لديها وتوريد الصواريخ المتطورة، فهي لم تتراجع عن دعمها لأكراد سوريا، وأغلب الظن أنّها ستظلُّ في شرق سوريا من أجل حماية مصالحها في المنطقة، كما أنها لم تتخلَّ عن وجودها في الخليج والعراق وسواهما.

العرب بلا وزنٍ إقليميٍّ بسبب غياب التنسيق بين عواصمهم الأساسية، والضعف الشديد لدمشق وبغداد والقاهرة. إن اصطفافاتهم الدولية غاية في الهامشية، سواء لجهة التبعية لأمريكا أو لروسيا، وفي الإقليمية ليسوا فاعلين، وبعض دولهم محتلة من الدول الإقليمية، والكلام لا يخص فلسطين. إن مصادر الطاقة التي تحوزها الدول العربية، وتحاول كل من أمريكا وروسيا السيطرة عليها وتوظيفها كبديلٍ عن الطاقة الروسية أو الإيرانية، لا تستفيد منها هذه الدول في اللعبة الدولية، وتحصيل مكانة دولية معتبرة؛ وعدا ذلك، يسود الدول العربية خلافات عميقة، فها هي الأردن ترفع صوتها منتقدة سياسات النظام السوري بخصوص تهريب المخدرات بعد أن حاولت التطبيع معه، وها هو الخلاف يتعمق بين المغرب والجزائر، وحتى الخليج لم يطوِ الخلافات بين دوله الأساسية، والأمر ذاته بما يخصّ دور مصر في العالم العربي، فبالكاد تتقدم بأية مبادرات لحل المشكلات، ولكنها غير ذي فائدة حقيقية.

خلاصة فكرة المقال، تتعرض إيران إلى ضغوطٍ دوليّةٍ شديدةٍ، وعلاقتها مع الصين ما تزال اقتصادية فقط، وحليفتها روسيا محاصرة معاقبة دولياً، وتركيا تحاول التخفيف من تدخلاتها، وتتراجع عن دعم الإخوان المسلمين، وهناك عودة للعلاقات مع مصر والسعودية؛ والسؤال هل سيستفيد السوريون والعرب والأكراد من هذه الفرص، وإعادة إنتاج مشاريع وطنية ديمقراطية، لا تتعارض مع حقوق القوميات الأصلية في المنطقة، وينهضون بدولهم ومجتمعاتهم، ويشكلون قوى إقليمية معتبرة؟

الأمر معقد للغاية، ولكن الفرصة واضحة تماماً؛ دولياً، وإقليمياً إلى حدٍ ما.

 

ليفانت - عمّار ديّوب

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!