الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
أمريكا والقوى المستبدة.. علاقة متبادلة
عز الدين ملا

ما نراه أنّ المنطقة والعالم يسير وفق ما تم تخطيطه من قبل خبراء ومختصّين يعملون في الخفاء لصالح جهات معينة، هم من في الغرف المظلمة يخططون ويضعون خرائط وفق مقاييس معينة لصالح الأقوى، أو من يتحكمون بالصناعة على مختلف أنواعها، إن كانت تسليحية أو غيرها من المنتجات لخدمة دول كبرى معينة.

إذا ما عدنا إلى الخلف، ويمكن تقسيم ذلك إلى قسمين، وسنختصر بالحديث، لأنه يحتاج إلى مجلدات إن دخلنا في جميع تفاصيله: أولاً، مرحلة قبل وبعد الثورة الفرنسية، حيث كانت هناك إمبراطوريتان في منطقة الشرق الأوسط، الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية العثمانية، كانت هاتان الإمبراطوريتان قائمتين على أيديولوجيات دينية تتحكم من خلالها بمصير جميع القوميات الموجودة ضمن حدودها، واستغلال العاطفة الدينية والمذاهب المختلفة في الأديان، لذا بقيت الإمبراطوريتان أسيرتين لهذه السياسة، دون أن تتغير أو تتطور أو تتقدم، فاستشرى الفساد بين من يتولون الحكم فيها، مما أدى إلى توسع ظاهرة التخلف والجهل في جميع أطرافها، فانتشر الظلم والقتل على كافة مساحة الإمبراطوريتين.  

في المقابل، كانت هناك دول غربية ناشئة كـ بريطانيا وفرنسا، فقيرة بالموارد الطبيعية الخامة، فظهرت لديهما رجالات فكرت وخططت لبناء مستقبلها من خلال طرق أخرى، فكانت الصناعة والتجارة، والبحث عن الخامات اللازمة لصناعاتها وأسواق لتصريف منتجاتها، هذه السياسة جعلت من هذه الدول ذات شأن كبير، قوة وسيطرة، بسطت نفوذها على كامل المعمورة. من أجل ذلك حدثت حروب كثيرة وفي مناطق عديدة من العالم خدمة لمصالح هذه الدول.

أما المرحلة الثانية بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، حيث تلاشت الإمبراطوريتان العثمانية والفارسية، نتيجة قيامهما على أساسٍ هشّ، وتحولتا إلى دويلات عديدة كما نرى الآن، أما بريطانيا وفرنسا وحليفتهما الولايات المتحدة الأمريكية، ازدادوا قوة وهيمنة. كل ذلك يعود إلى أولئك الرجال، الذين رسموا وخططوا، وبنوا أجيالاً يتوارثون علومهم ومخططاتهم وتشغيل العقل الإنساني لصالح الحضارة الغربية.

الآن، هم من يحركون الأحداث والظروف لصالح أمن دولهم القومي، أمريكا ومن خلفها بريطانيا وحلفاؤها يتحكمون بموازين القوى في جميع أنحاء العالم. والفوضى الخلاقة في العالم جزء من مخططاتهم لرسم سياسة جديدة تواكب طموحاتها وتحمي مصالحها ونفوذها، ولولا هذه السياسة لتلاشت هذه الدول منذ زمنٍ بعيد.

ومن خلال هذه السياسة يتم الاعتماد على القوى الموجودة على الأرض بدل استخدام لقوتها، في فرض إملاءاتها، وخلق أجواء جديدة يؤمن حيويتها ونفوذها.

ومنطقة الشرق الأوسط تعدُّ الجزء المهم في مخططات أمريكا وحلفائها، لِما لهذه المنطقة من أهمية جغرافية وسياسية واقتصادية، وكذلك الهيمنة والسيطرة والتحكم بالعالم أجمع.

لذلك تعتمد أمريكا وحلفاؤها على معظم أنظمة الدول والقوى الموجودة في الشرق الأوسط، دون وضع اعتبارات لسياسة هذه الأنظمة والقوى إن كانت ديمقراطية أو لا، هذا السبب الرئيس في تحكم أمريكا بهذه الدول الشرق الأوسطية، لأنّ هذه الأنظمة قائمة على أساس غير صحيح، تمارس الدكتاتورية والاستبداد تجاه شعوبهم، وهم من خلال علاقاتها مع أمريكا وحلفائها تحافظ على أنظمتهم، رغم أن هذه العلاقة غير متكافئة من منظور التبادل السياسي واقتصادي وحتى الإنساني، ولكن العلاقة بينهم حميمية. أمريكا مستفيدة من هذه الأنظمة لوجود ثروات ضخمة تحصل عليها بأبخس الأسعار إلى جانب الموقع الجغرافي وتحكم هذه الأنظمة بأهم الممرات المائية في العالم، مثل باب المندب وباب السلام وقناة السويس.

هذه السياسة التي تتَّبعها أمريكا وحلفاؤها ليست لصالح شعوب المنطقة، بل ساعدت هذه الأنظمة بالتمادي في غطرستها واستبدادها تجاه شعوبها، فقط همها الحفاظ على أنفسهم، دون الشعور بالمسؤولية تجاه ما يعانيه شعوبهم من قهر وذل وجوع، فهذه السياسة الغربية غير صحيحة ولا تقوم على أسس سليمة.

 

ليفانت - عز الدين ملا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!