الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
أسواق الموت والكلام
محمود سليمان الحاج حمد

منذ أن جاء الإسلام ديناً معرفياً حارب الجاهلية، الجاهلية التي كانت تقيم للكلام أسواقاً وأشهرها سوق عكاظ وكل ماكان يوضع على جدران الكعبة من خيالات الشعراء ومعلقاتهم التي لا تنتمي إلى الواقع المعاش، بل كانت كلها تمجيداً لذات الشاعر ووصفاً لحبيبته أو فروسيته المتخيلة أو مآثر قبيلته أو بطولاته ومعاركه.


كل ذلك اعتبر فناً في صناعة الكلام واعتبر ديواناً لتاريخ العرب وبالرغم من كل ما فيه من جميل صنعة الكلام والحروف ألا أنه لم يعبّر يوماً عن حالة شعب أو رأياً عاماً أو تعبيراً عن وضع معاش !!

وفي وطني سورية الذي فقد أو يكاد كل مفاهيم الوطنية ليصبح نهبة لدول عدة ومليشيات متعددة الولاءات والأجندات، ولازالت تبني استراتيجياتها على أسواق الكلام أو ما يسمى بـ(الإعلام الرخيص) وكل يمجد أسياده أو مشغليه أو مموليه!


وقد ذهبت حلب:

ولم يضيّعها سوى سوق الكذب من الكلام! كذبهم القرآن قبلاً لما لكلامهم من سموم وآثار قاتلة ومدمّرة فتكت بشباب بلادنا (وأنهم يقولون مالا يفعلون)، لازال البعض يُبررُ أفعاله وخياناته وإجرامه، يتنازل في مؤتمرات فارهة في منتجعات آستانة، ويوقع على سفك دماء طاهرة، ويبيع أراضٍ هي الحياة لأهلها ثم لايخبرهم بفعلته ويتركهم طعاماً للموت والبراميل، وكل ذلك لتكتمل فصول مسرحيته وتبييض خياناته!!

بيض الصفائح، لا سود الصحائف هي من جاءت بالخبر اليقين، الخبر اليقين جاء عبر الموت الذي داهم طفلاً ومزق جسد شيخاً وأذهل مرضعة، ومن نجا فرّ على وجهه، وشباب استماتوا للدفاع عن أرضهم وهم لا يعلمون أنه تم بيعهم إحياء وأشلاء!


عندما قتل عمار بن ياسر وكان في جيش علي ابن أبي طالب في مواجهة معاوية ابن أبي سفيان وصاح النفير أن عماراً قتل، ارتج جيش معاوية هلعاً وذعراً فثمة حديث عن الرسول ص يقول (عمار تقتله الفئة الباغية) وايقنوا أنهم البغاة في هذه الحرب، وخرج عليهم معاوية ليقول لهم (إنما قتله من أخرجه)!

كيف جعل شيخاً ثمانينيا يقاتل؟ لنا الآن أن نقول من قتل شبابنا في إدلب وحلب في فصول المسرحية الأخيرة؟!


بكل وضوح وشفافية نقول: إن من قتلهم هو من باعهم في أسواق أستانة! باع أرضهم ودماء أهليهم وهجرهم! أفلا كان يجب أن يخبرهم على الأقل ليختاروا بين الموت والموت، بين الرحيل والهزيمة؟!


مابين درعا وحلب:

سلّمت مدن وقرى، نحرت الفديات من أطفال وشيوخ ومقاتلين شباب وكلهم قدموا قرابين ليرضى الأسياد عن الأجراء العاملين في قيادة الفصائل والمعارضة السياسية (الاتلاف) وهيئاته التفاوضية، ولم تشبع آلهة بطونهم من الدم، لسان حالهم يقول إننا مستعدون لسفك آخر نقطة دم في جسد سوري قال لا، لا للفساد ولا للقهر، نحن نقدم القرابين لتمتلئ بطوننا وتنتفخ جيوبنا، ليس هناك ذرة من ورع أو خجل!


عند تسليم درعا تحركت ماكينتهم الإعلامية واشعلوا أسواق الكلام فلا عكاظ ولا حتى ما قال مالك في الخمر من غضب على خيانة حدثت، قالوا حينها أن أحد أبناء درعا باع درعا، وبعد أن انجلى غبار المعركة بعد عامين وجدنا أنهم باعوا الشمال قبل أن تسلم درعا! لو فعلوا كما فعل أهل درعا ولم يهجروا الناس، ولم يقتلوهم، لو خففوا عنهم وطأة الدمار!

بعد أن انجلت المعركة تبين أن أخا الإسلام إنما هو أخا الفرس وإنهم كانوا يعدون وجبة الموت من أجساد الفقراء والشعب سوية في ظلمة ليل بهيم وقذر!


والسؤال هنا :

أيهما كان أقل كلفة على الشعب السوري من قتل وتدمير وتهجير درعا أم أرياف حلب وإدلب؟

فلولا أخبروا الشعب ببيعهم ليتدبروا بعضاً من أمورهم !


ليفانت - محمود سليمان حاج حمد أسواق الموت والكلام أسواق الموت والكلام

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!