الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
ماذا لو كنت وزيراً للإعلام؟!
د. إبراهيم بن جلال فضلون

الزمن يتغير ووظائف كثيرة صارت في غياهب التاريخ، ولا أظن أن منها القيادات الإعلامية، رغم الحروب التكنولوجية وتأثير الفضائيات ومفاتنها، إذ تكتسب مسألة الحقيبة الإعلامية أهمية خاصة مقارنة ببقية حقائب الوزارات الأُخرى، خاصة وأن الواقع الإعلامي العالمي يشهد تطورات متسارعة وحادة، وبعضها للأسف مُزرٍ وكارثي، فما تواجهه المملكة منذ قرابة عقدين من حروب شرسة لقوى وجماعات إقليمية وعالمية ذات أهداف فكرية ضالة، تُسيئ لذاتها المنحرفة وللمهنة الإعلامية وللعالم الإنساني قبل أن تُسيء بأفكارها الموبوءة وكأنها (كورونا أو إيدز إعلامي) إلى مملكة التي يحميها المولى -عز وجل- وأكثر من مليار ونصف مسلم إن لم يكن ثلاثة أرباع العالم، لذلك ربما يكون لدى وزيرنا الهمام اليوم أحد أكثر الملفات سخونةً وتعقيداً مقارنة ببقية الوزارات الأخرى التي ترى صورتهم تُقدم بشكل مُجحف، ليتم الإشارة بالأصابع في ذلك إلى وزارة الإعلام قبل أي جهة أخرى.


ولعل أغلبنا تقريباً يتطلع إلى تغيير جذري لهذا الملف، ليأخذ الأداء الإعلامي إلى مرحلة جديدة أكثر رُشداً ومهنية للمهنيين سواء من المواطنين أو المُقيمين، إذ يُعتقد بأن تغيير وزير الإعلام، رغم الملاحظات على أدائها، قد يُمثل خطوة نحو إصلاح المجال الإعلامي، اعتقاداً خاطئاً.


فالإعلام هو "ترمومتر" قياس هوية المملكة عالمياً، ومدى بقاءها دليل واضح على جدوى القرارات الملكية، وما تتخذه المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وكافة القيادات من خطوات تتماشى ورؤية المملكة 2030 تقنياً أو رقمياً للانتقال بها إلى الصناعة الإعلامية المُتجددة بمفهومها الواسع، ومن المؤكد أنها وصلت لقناعة تامة بعدم وجودها في هذا السوق، وأن الفضاء الالكتروني بات مؤهلاً للتحليق فيه بأمان وحرية تعبير.. ليسير كل إعلامي مع دفة الصالح العام للوطن ضد أية أفكار تطرفية، وما يُشاع عنها خطأً وعن مسيرتها في كافة مناشط الحياة المختلفة.


لو سُئل العاملون في المجال الإعلامي اليوم، بماذا يتذكرون وزراء إعلام شرفوا وزارتنا، لكان الجواب: طفرة القنوات الفضائية في عهد د. عبدالعزيز خوجة، وإثقال كاهل المؤسسات الإعلامية بالمخالفات في فترة د. عادل الطريفي، والسعي لحصول الصُحف على دعم حكومي يليق بها إبّان تولي د. عواد العواد، واقحام إعلاميين في المهنة بلا طائل، بل عدم إبراز هويتنا الخارجية أيام معالي د. تركي الشبانة، فماذا يمكن أن يتذكر الناس للخبير التسويقي د. القصبي غدًا؟، هل يرتبط اسمه بتسويق المملكة ومُنتجاتها الجديدة، وتبنى طريقة التفكير الاتصالي الصرف على طريقة رجال العلاقات العامة؟ تطبيقاً للمقولة الشهيرة «فكّر كرجل علاقات عامة، وتصرّف كصحفي». مُستغلاً وسائل التواصل الاجتماعي بقوة للمنافسة التي أثرت حتى على الإعلانات التلفزيونية، ليكون الهدف هو أن من يقود ويوجه دفة ظهور الوطن برسائل استراتيجية لا أحداث أو أخبار عاجلة، ولا ننسى معالي الوزير أن التدريب في تلك المجالات مازالت محدودة، وأن معظم المؤسسات الصحفية تفتقر إلى مُتخصصين في إدارة معالجة المخاطر والتعامل مع كافة التحديات. وهل سيكون ذلك على حساب المهنة الإعلامية، وإغلاق الصُحف الورقية التي لم يبقي لها شيء، أم بتصحيح المسار الإعلامي؟.


إن البحث عن حلول واقتراحات تُنقذُ ما يمكن إنقاذه، مع ضرورة البحث عن وسائل جديدة للمحافظة على بقاء تلك الصروح المُعبّرة عن تطلعات المُجتمع، والمُتفاعلة مع سياسات الدولة واتجاهاتها الخارجية لجذبِ الاستثمار، والخروج من بوتقة اقتصاد النفط التي نجحت فيها مُؤخراً، من خلال تبنى التفكير الاستراتيجي طويل الأمد، وصناعة الصور وتكريسها، مع تفعيل دور مركز الاتصال الدولي على غرار التجربة البريطانية، والذي لا أثر له يذكر سوى حسابات التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى أن صفحات وحسابات "واس" المُترجمة، ما هي إلا نُسخة من العربية خاليةً من الإبداع الإعلامي، رغم أنه سلاح ذو حدين وقوة خارجية لا يُستهان بها خصوصاً وأنها وكالة رسمية، تُعد مصدراً للأخرين، فلماذا لا تكون على غرار تجربة روسيا اليوم رغم عداء الغرب التقليدي ومقتهم لها، لنراها اليوم تفرض نفسها بحضور مؤثر في تلك المجتمعات، أو كمشروع "الدبلوماسية الشعبية" في كوريا واليابان وأميركا، التي تستطيع وزارة الخارجية من خلالها ضابط الإيقاع والمُحرك، وليس فقط لوزارة الإعلام، بل لكل منظومة الدولة بلا استثناء، فهل يمكن أن نرى وجه السعودية الجميلة والمتوقدة والشابة، ومعها الكثير من القصص التي نفتخر بها، عبر تجربة وطنية جديدة تكن مثالاً لنا كتطبيق "أبشر"؟!، إننا نتطلع أن نراها واقعاً يليق بموقع السعودية الجديدة.


وأخيراً: فـ «لو كنت وزيرًا للتجارة والاستثمار أو وزيرًا للشؤون البلدية والقروية ما القرارات التي ستتخذها في 2020؟»، سؤالاً حصد أكثر من 12 ألف مشاركة أفادت واستفاد منها الوزير، ولكن هل من الممكن أن ينجح الأمر مع المتخصصين من الإعلاميين والصحفيين دون غيرهم ممن ينتسبون للمهنة ولا علاقة لهم بها؟. وباختصار المؤسسات الإعلامية لا تمتلك خطة مُستقبلية تتواءم ومتطلبات رؤيتنا الحالمة لننتقل جميعاً إلى مستقبل أكثر إشراقاً، وتُمكننا من التعامل مع جميع التحديات الصحفية الإعلامية وغيرها. فالعمل الجماعي كفيل بإيجاد طُرق تجعل مؤسساتنا تتجاوز أزمتها الخانقة، فنحن بحاجة ماسة إلى مؤسسات إعلامية قوية قادرة بحرية التعبير والرأي لوطن نحن جميعاً جنوده بالقلم ضد الترسانات الضالة.


ليفانت - د إبراهيم بن جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!