الوضع المظلم
الأربعاء ٠١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
أزمة أردوغان في ليبيا
داليا زيادة

لا تجعل التطورات الأخيرة في ليبيا توهمك بأن أردوغان وإخوانه المسلمين في حكومة الوفاق قد انتصروا في الحرب الأهلية ضد الجيش الوطني الليبي. دقق النظر جيداً لتدرك أن أردوغان في مشكلة حقيقية في ليبيا، وهو لا يعرف كيف ينجو بنفسه من الحفرة التي حفرها بيديه حين قرر استغلال الوضع المأساوي في ليبيا لتحقيق أطماعه في حوض البحر المتوسط، دون أن يسبب مزيداً من الضرر بالمصالح الاقتصادية والعلاقات الدولية لتركيا، ويتسبب في مزيد من الانهيار لشعبيته داخل تركيا بينما موعد الانتخابات العامة يقترب.


قرر أردوغان، العام الماضي، تكرار تجربة اعتداءه السافر على سوريا في ليبيا، وبين ليلة وضحاها قام بنقل أكثر من ١٥ ألف من المرتزقة التابعين له في سوريا إلى ليبيا عبر شركات الطيران التركية، ثم أرسل ألف وستمائة ضابطًا عسكريًا تركيًا إلى ليبيا ليتولوا قيادة العمليات التي سيقوم بها المرتزقة على الأرض، وبرر أردوغان هذا الاعتداء السافر والمجرّم دولياً على سيادة ليبيا بأنه تحرك لحماية ودعم إخوانه في حكومة الوفاق ضد قوات حفتر والجيش الوطني الليبي.


لكن بالطبع لم يكن هذا هو السبب الحقيقي لتورط أردوغان في ليبيا. بل إن الحرب الأهلية المستمرة، والخلافات بين القبائل، والتواجد الآمن للمنظمات الإرهابية هناك، قد شجعت أردوغان، الرئيس التركي الذي يفكر بعقلية رئيس العصابة، على الاستفادة من الوضع لسد احتياج تركيا المتزايد للغاز وموارد الطاقة، حيث أن تركيا هي أكبر مستهلك للطاقة في حوض البحر المتوسط، بقيمة سنوية تتجاوز ٤١ مليار دولار.


لدى تركيا استراتيجية استعمارية تسعى القوات المسلحة لتطبيقها منذ عام ١٩٩٨ بعنوان "الوطن الأزرق"، وهي عبارة عن خطة طموحة، لكنها استعمارية وغير شرعية ككل استراتيجيات تركيا الخارجية، تسعى من خلالها الدولة التركية لتحقيق تفوق جغرافي-سياسي في المنطقة الشرقية من حوض البحر المتوسط، بما يسمح لها بتقاسم حقوق التنقيب عن النفط والغاز مع دول شرق المتوسط؛ ومنها مصر واليونان وإسرائيل.


لهذا كان توقيع اتفاقية الحدود البحرية مع حكومة الوفاق في ليبيا، في ديسمبر ٢٠١٩، حدثاً جللاً بالنسبة لأردوغان، إذ يوجد بها بنود تسمح بتطبيق حلم "الوطن الأزرق" على أرض الواقع من حيث إنشاء منطقة اقتصادية حصرية في البحر المتوسط تسمح لكل من تركيا وليبيا بالمطالبة بحقوق لهم في موارد قاع البحر، كما تسمح الاتفاقية أيضا لتركيا بالسيطرة على حركة السفن وأنابيب الغاز في المنطقة. إلا أن الدول المتضررة بشكل مباشر في الحوض الشرقي للمتوسط، قد اعترضوا على شرعية الاتفاقية، وانضم لهم الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة. فهذه الاتفاقية في حقيقة الأمر هي مجرد ورقة عرفية كتبت بين من لا يملك ومن لا يستحق، وتتعارض تماماً مع القانون الدولي.


لكن الألاعيب غير القانونية التي يحاول أردوغان تنفيذها على الأراضي الليبية منذ أشهر قد بدأت تنقلب ضده الآن، وبدلاً من أن تحقق له المكسب الذي كان يسعى له تحول موقفه إلى أزمة تزداد تعقيداً مع تفاقم الأحداث، سواء في داخل تركيا أو على مستوى علاقات تركيا مع العالم. فلم يعد بمقدور المجتمع الدولي الذي صمت طويلاً على اعتداء أردوغان السافر على سوريا على مدار ست سنوات مضت، أن يصمت جراء ما يمارسه أردوغان في ليبيا اليوم، لأن الأمر لم يعد مسألة داخلية يعاني منها الشعب الليبي وحده، بل إن تدخل أردوغان في ليبيا أصبح يشكل تهديد مباشر للأمن القومي لدول شرق المتوسط، بما في ذلك إسرائيل، وكذلك دول شمال أفريقيا، بما فيها مصر، بالإضافة إلى التهديد الغير المباشر لمصالح الدول الأوروبية، خصوصاً في جنوب أوروبا، الذي يعتمد أمنها الاقتصادي على موارد الطاقة المنتجة في البحر المتوسط.


وحتى القوى العظمى، مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، اللذين مارسا الصمت والتواطؤ مع اعتداءات أردوغان على سوريا نظراً لقرب تركيا الحدودي من الشمال السوري وعلاقة أردوغان وحزبه الإخواني القوية مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في شمال شرق سوريا، والذي كان يخدم مصالحهما، لم يعد بإمكانهما غض الطرف عن محاولات أردوغان استعمار البحر المتوسط عبر التلويح بورقة ليبيا، لأن في هذا ضرر لمصالحهما الاقتصادية وسياساتهما الخارجية في منطقة الشرق الأوسط.


وفي ٦ يونيو، أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر ورئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح مبادرة حل سياسي للأزمة في ليبيا بعنوان "إعلان القاهرة"، تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية وإيجاد حل سياسي لإعادة بناء الدولة الوطنية الليبية. ولعل الدعم الدولي الواسع الذي حظي به "إعلان القاهرة"، أكبر دليل على أن أردوغان أصبح يحارب بمفرده ضد العالم كله، من أجل أرض وبحر لا يحق له استعمارهما، معتمداً على مرتزقة أجانب واقتصاد تركي منهار.


وفي وسط كل هذا، لم يفهم أردوغان بعد أنه هو العقبة الرئيسية في طريق ازدهار تركيا، واستقرار الشرق الأوسط، وأن رحيله عن السلطة هو الحل الفعلي لجميع المشاكل الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها تركيا. فقط تخيلوا معي كيف يمكن أن يكون الشرق الأوسط لو لم يكن أردوغان موجوداً!


 


داليا زيادة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!