الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
أبعاد المواجهة بين تركيا وروسيا وإيران في القوقاز
داليا زيادة


بعد ثلاثة أشهر صيفية طويلة ومزعجة في شرق البحر المتوسط، وصل الصراع بين تركيا واليونان إلى نقطة الهدوء الحذر، حيث تراجعت قوات البحرية اليونانية إلى قاعدة سلاميس، بعد أيام قليلة من انسحاب سفينة الأبحاث التركية “ريس عروج” والفرقاطات المرافقة لها إلى شواطئ أنطاليا، في منتصف سبتمبر. ولكن قبل أن يلتقط الجيش التركي أنفاسه، وجد نفسه متورّطاً في الحرب التي تجدّدت مؤخراً في جبال القوقاز.


في ٢٧ سبتمبر، استيقظ العالم على نبأ تجدد الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان، في إطار الصراع المستمر منذ عقود حول منطقة “ناغورنو-كاراباخ”، وكان قد سبق ذلك أنّ أرمينيا شنّت، في أغسطس، هجوماً على مدينة “توفوز” الحدودية الأذربيجانية، مما أدّى إلى مقتل ما لا يقلّ عن ١٢ جندياً أذربيجانياً، من بينهم لواء وعقيد، بالإضافة إلى مدنيين، ومن المتوقّع، أن يكون الصراع الحالي بين البلدين هو الأكثر دموية، بسبب نشاط كلا الدولتين مؤخراً في تجنيد ونقل آلاف المرتزقة السوريين إلى منطقة النزاع، ربما أكثر شراسة حتى من الحرب التي جرت بين الدولتين في حقبة التسعينات وحصدت أرواح عشرات الآلاف، آنذاك.


تركيا تقف إلى جانب أذربيجان، في هذه الحرب، لأسباب تاريخية وثقافية وسياسية، إذ إنّ الشعب الأذربيجاني ينتمي للعرق التركي، والجيش التركي هو عملياً المؤسسة الراعية للجيش الأذربيجاني، حيث كانت البلدان قد وقعتا، في التسعينيات، اتفاقيات ثنائية حول التعاون الدفاعي والشراكة الإستراتيجية، تلزم البلدين بتقديم “الدعم العسكري” لبعضهما البعض “عند المطالبة بحق الدفاع عن النفس بموجب المادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة”، ومنذ ذلك الحين، يعمل الجيش التركي بشكل وثيق مع الجيش الأذربيجاني، على تقديم الاستشارات العسكرية الفنية، وتدريب الضباط والجنود الأذربيجانيين في المؤسسات العسكرية التركية، كما تنفذ تركيا وأذربيجان باستمرار مناورات عسكرية مشتركة في أذربيجان.


وفي آخر اجتماع بين الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، مع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في أغسطس، قال علييف إنّ بلاده تهدف إلى استخدام “الإمكانات العسكرية الصناعية القوية لتركيا”، مما يعني أن “تصبح تركيا الشريك الأول لأذربيجان في مجال التعاون العسكري”، وهذا ما أثار قلق روسيا، من خسارة سوق السلاح الأذربيجاني لصالح تركيا، حيث إنّ روسيا هي أكبر مُصدّر عسكري لأذربيجان حالياً، حتى إنّ بعض المسؤولين ووسائل الإعلام الروسية، خرجوا محذّرين من خطط تركيا لإنشاء قاعدة عسكرية في أذربيجان، بدعوى موازنة الوجود العسكري الروسي الكثيف في أرمينيا. القوقاز


أما روسيا، فتقف إلى جانب أرمينيا، في هذه الحرب، حيث تسيطر روسيا، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، على أرمينيا، وتتعامل روسيا مع أرمينيا، بشكل رئيسٍ، عبر دورها التقليدي كدولة حامية للمسيحيين الأرثوذكس في العالم، كما تسيطر روسيا على الاقتصاد والثقافة والسياسة داخل أرمينيا، ويترتب على ذلك بالطبع الوجود العسكري الكثيف والقديم لروسيا، بما في ذلك نشر الميليشيات وتدريبها، في داخل أرمينيا، ولروسيا قاعدة عسكرية في أرمينيا تخدم روسيا وحليفتها إيران أكثر مما تخدم أرمينيا نفسها، وربما لهذا السبب فإنّ النظام الإسلامي المتشدّ د في إيران يدعم أرمينيا المسيحية الأرثوذكسية ضد أذربيجان المسلمة، فيما يبدو لكثيرين أمراً غير منطقي بالنظر إلى السياسة العقائدية المتطرّفة المعروفة عن إيران، لكن بالنسبة لإيران وغيرها من الدول، فإنّ أرمينيا ينظر إليها عادة كمقاطعة تابعة لروسيا أكثر منها دولة مستقلة، وبالتالي فإنّ دعم إيران لأرمينيا هو دعم غير مباشر لروسيا وسياستها في المنطقة. القوقاز


باختصار، فإنّ هذه الحلقة الجديدة من الحرب في جبال القوقاز هي في الواقع أكبر حجماً وتأثيراً من أرمينيا وأذربيجان، إنّها حرب بين الأعداء-الحلفاء: تركيا من جانب في مواجهة إيران وروسيا على الجانب الآخر. بالنسبة للمجتمع الدولي، ربما يميل أكثر لمباركة تدخل تركيا، ويعتبر أنّ تركيا تقدم خدمة للعالم من خلال مواجهة أكبر أعداء أمريكا (إيران) وأكبر أعداء أوروبا وحلف الناتو (روسيا). أما بالنسبة لنا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك في حوض البحر المتوسط، ستمنح هذه الحرب، وانشغال تركيا بها، فرصة للمنطقة لالتقاط الأنفاس والعمل بهدوء على إيجاد حلول سياسية للأزمات المزمنة، لا سيما في سوريا وليبيا، بعيداً عن ضغوط التدخل السياسي والعسكري التركي.


ليفانت – داليا زيادة 








 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!