-
هل يكفي التعويل على مواقف الرئيس بايدن السابقة كردياً؟
لا يخفى حجم التأثير السلبي لقرارات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، على العالم والمنطقة والكرد تحديداً، ولن ينسى الكرد في سوريا كيف أنّه أوعز للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في مكالمتة الهاتفية الشهيرة، بالتدخل عسكرياً في شرق الفرات، والتي نتج عنها احتلال منطقتي سري كانيه (رأس العين)، وكري سبي (تل أبيض)، على الرغم من وجود قوات بلاده في المنطقة، قبل أن يأمر بسحبها من هاتين المنطقتين وحصر تواجدها حول آبار النفط شرق القامشلي (قامشلو) .
لاشك، أنّ فوز الرئيس جو بايدن في الانتخابات الأمريكية الأخيرة سيغلق الستار على صورة "أمريكا المحرجة" من رئيسها وقراراته الارتجالية. بايدن الرئيس، سبق له أن كان نائباً للرئيس أوباما، وهو ذاته من كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي، ومسؤولاً عن ملفات مهمّة في الشرق الأوسط، وله خبرة كبيرة في الصراعات القائمة بين دول المنطقة، وهو من طرح مقولة "لا يمكن لمشاكل العراق أن تنتهي ما لم يقسّم إلى ثلاثة أقاليم، كردي سني شيعي"، ولكن ، هل سيتمسك بايدن بمواقفه هذه؟.
قبل الخوض في الإجابة عن هذا التساؤل، لابدّ من الإشارة إلى المشاكل التي أحدثها الرئيس ترامب مع الكثير من دول العالم، وعلى رأسها أوروبا، والصين، وإيران... إضافة إلى المنظمات الدولية وقرارات سحب بلاده منها، كما أنّ البحث في تاريخ بايدن ومواقفه، ربما يصلنا إلى الجواب المقنع.
عُرف عن الرئيس بايدن أنّه يغرّد خارج السرب أحياناً، فهو لم يتوافق مع رئيسه أوباما آنذاك في قرار زيادة عدد القوات في أفغانستان، وأيد الانسحاب من العراق، ولم يكن مشجعاً قوياً لثورات الربيع العربي، كما كل الديمقراطيين في السياسة الخارجية. إذاً، هو تقليدي أكثر من كونه مبادراً لرسم سياسية جديدة خارج المألوف، وبهذا الإدراك، يمكن القول إنّ بايدن سيعمل سريعاً على إعادة العلاقة مع أوروبا، واحتواء النفوذ الصيني والروسي، والعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، واتفاقية المناخ، ومنظمة الصحة العالمية، هذه الملفات ستكون أكثر أولوية من الملفات الشرق أوسطية لمصالح الولايات المتحدة اليوم.
ففي سورية، من المرجّح أن يستمر بايدن بالنهج الحالي مع بعض التعديلات الطفيفة، والتي تتركز على محاربة بقايا تنظيم داعش، والوقوف في وجه التمدد الإيراني وإخراج إيران من سوريا، كذلك إعادة الأمن والاستقرار، لتوفير المناخات الإيجابية للبدء بالعملية السياسية، وفق مسار جنيف والقرار الأممي 2254، دون الانخراط مباشرة مع الأسد.
لن يكون هناك مفاجآت من بايدن، بسبب تراجع الاهتمام الأميركي ونفوذ واشنطن في المنطقة، سيحافظ على إبقاء قوة عسكرية محدودة في سوريا، ربما يدفعه الحاجة لاحتواء نفوذ روسيا باتجاه مراجعة السياسة مع تركيا ورئيسها أردوغان، والسير نحو فرض عقوبات على أنقرة لشرائها منظومة أس-400 الروسية، بالتزامن مع سعيه لإبعاد أنقرة عن موسكو، وهذه المهمة لا تبدو سهلة ما لم يُقدّم ما يرضى به أردوغان.
على الصعيد الكردي السوري، صحيحٌ أنّ الإدارة الأمريكية ما زالت منخرطة في رعاية المفاوضات الكردية بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية، وعينت مسؤولاً رفيعاً في خارجيتها لإدارة هذا الملف، إلا أنّ هذا التوجّه وحده لن يحقق الأماني الكردية، خاصة تلك المتعلقة بوضع مناطقه المحتلة من قبل تركيا والمليشيات التابعة لها، ولن يُقدم الرئيس بايدن وإدارته على الاعتراف بدعم الشعب الكردي في سوريا وقضيته سياسياً خارج المعلن عنه مسبقاً، في تأكيدهم على "دعم حلفائهم عسكرياً ضد تنظيم داعش"، لربما أكثر ما تذهب إليه الإدارة الأمريكية الجديدة هو تحجيم التدخل التركي عسكرياً في شرق الفرات إذا ما فشلت في مساعيها لإقناع أردوغان بالابتعاد عن روسيا، إلا أنّ أنقرة بدأت تحضّر أوراقها السياسية للتأقلم مع أي متغيّر قادم.
بالاستناد إلى ماسبق، وإذا ما أردنا الاحتكام إلى لغة المنطق السياسي وقراءته بعيداً عن الأوهام والأمنيات، يمكن الوصول إلى خلاصة أنّه لا يمكن الرهان "الأعمى" على المواقف السابقة للرئيس بايدن تجاه الكرد، ولا يكفي البناء على" اللاود" السابق لمسؤول الأمن القومي الجديد، بريت ماكغورك، وآخرين تجاه تركيا والأزمة السورية، ما لم نعِ أهمية الأولويات والقضايا التي تنتظر الرئيس بايدن وإدارته بالمقارنة مع جزئيّة "دعم قضايا الشعوب" في السياسة الأمريكية.
لكن المعطيات الكردية على الأرض، وتحديداً من طرف حزب الاتحاد الديموقراطي، تبدو مغايرة تماماً لهذه المراجعات، وتوحي تصرفات الحزب المذكور وتصريحات بعض قادته، مؤخراً، أنّه قد تم اتخاذ قرار التعويل المبكر على حتمية إيجابية السياسات الأمريكية تجاهه وبالضد من خصومه، وأنّ الشعب الأمريكي عاقب الرئيس السابق ترامب لتخاذله مع هذا الحزب بتصويته لبايدن الذي جاء لنصرة هذا الحزب في سوريا، الأمر الذي دفعه للتراجع "غير المعلن" عن بعض توجهاته وتقييمه للواقع السوري وحجم المخاطر والتهديدات التي تواجه المناطق الكردية المتبقية في شرق الفرات، وبدا ذلك أكثر وضوحاً من خلال العودة إلى ممارسة الأعمال التخريبية الاستفزازية، وكيل الاتهامات والتخوين ضد المجلس الوطني الكردي ومكاتبه، وذلك في محاولة بائسة منه لنسف المفاوضات الجارية، والعودة بالمناخات السياسية إلى مربعها الأول.
لا شك، أنّ المجلس الوطني الكردي، وانطلاقاً من مبدأ الحرص على وحدة الموقف، وصون خصوصية الشعب الكردي والدفاع عن قضيته، والوقوف في وجه التحديات والتهديدات التي تحدق بالمناطق الكردية، واستثماراً للفرصة التاريخية التي قدمتها الإدارة الأمريكية، برعايتها، للمفاوضات الكردية، سيبذل ما في وسعه لتحقيق هذا الاتفاق والذي يجد فيه جذباً وكسباً لمزيد من الحلفاء والداعمين الإقليميين والدوليين لحقوق الشعب الكردي ودعم قضيته ومطاليبه المشروعة، وهو ينتظر من إدارة الرئيس بايدن توفير أفضل المناخات، بالتنسيق مع قيادة إقليم كردستان، لإنجاز هذا المشروع على الأرض، لما فيه من دعم لوحدة المعارضة السورية، وتعزيز لدورها في العملية التفاوضية واللجنة الدستورية في العملية السياسية الخاصة بالأزمة السورية، وفق مسار جنيف وقرار مجلس الأمن 2254 .
ليفانت - عبد الوهاب أحمد
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!