-
هل الحرب السورية ستضع أوزارها لتبدأ مرحلة جديدة (مرحلة ما بعد الثورة)؟
حالة الجذب والشدّ بين الدول المتنافسة على تقسيم الكعكة السورية تكاد تهدأ، وفي الأفق تلوح اتفاقات وتفاهمات بعد صراع دام 10 سنوات، باتجاه التحريض والصراع على الحصص وتوزيع الغنائم والأدوار بين اللاعبين الأساسيين الأقوياء على الأرض السورية، كلٌ منهم من خلال حليفه المحلي، وهم (روسيا– أمريكا– تركيا)، والمصالح لهذه الدول الثلاث هي المفصل والمحور الذي يرتكز عليه أي حلّ أو اتفاق لإنهاء الحرب التي أنهكت الشعب السوري لأنّه الخاسر الوحيد الذي سيخرج من حرب جسّدت في نفوسهم الحقد والطائفية والتشتت ونخرت في اقتصاد بلادهم ليدمر البشر والحجر.
حربٌ أنهت ثورة كانت تدعو للكرامة، فتسلّقت على أكتاف الثورة السورية تجار الحرب وسماسرتها، ومن جانب آخر وبقليل من الإيجابية يكمن الانفراج على وضع بعض القوميات والشعوب التي كانت مقموعة لعقود من الزمن في سوريا، وأتت مصالحها السياسية لترتبط مع المصالح الدولية فأصبحوا حلفاء أشداء وأقوياء مسيطرين على الأرض، هم الكرد، اليوم باتت القضية الكردية تشغل كل الأطراف المتواجدة على الساحة السياسية ليكون الكرد طرف في التفاهمات، لما لعبوه من دور في إدارة مناطقهم وترسيخ لأسس الديمقراطية.
في ظلّ ثورة استحكمت بها تركيا عدوة الكرد ذات الأطماع العثمانية، صاحبة حلم إعادة أمجاد أجدادهم الغابرة على الأرض العربية، فلم يكن أمام الأكراد إلا لفت انتباه المجتمع الدولي نحو قضيتهم، فكانوا من الأوائل الذين انخرطوا في الثورة السورية ضد سلطة ونظام عمد على مر عقود لقمع السوريين عموماً، والشعب الكردي خصوصاً، الذي عانى من سياسة التمييز والظلم والتهميش بالعودة إلى القضية الكردية في سوريا ومجريات الأحداث بعد الثورة السورية، بتصوري لم يبقَ أمامها حلّ سوى التحالف مع الأقوياء، وهذا بالفعل ما اتجهوا إليه بعد خنقهم ووضعهم بين فكي الكماشة، ما بين السلطة التي لم تصل معهم إلى اتفاق وتفاهم ينهي بها مأساتهم، وبين المعارضة (الائتلاف الوطني) التي سُلبت إرادتها من قبل تركيا، حتى أصبحت أشبه بالإنسان المشلول المعلق على كرسي متحرك تديرها تركيا كيفما تشاء، والمتحكم بمسار الثورة وحرفها عن أهدافها لتخدم مصالحها وأجنداتها، إلا أنّ الكرد ما يزالون يحاولون لعب دور مهم، ولاسيما ربط اسمهم بمحاربة الإرهاب الذي أرعب ويرعب منطقة الشرق الأوسط، فكانوا لإرهاب الدولة الإسلامية في العراق والشام بالمرصاد، سواء في سوريا، التي واجهتها قوات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، التي ضمت الكثير من أبناء شعوب المنطقة في شمال وشرق سوريا، من الكرد والعرب والسريان والتركمان… إلخ، أو في العراق، من خلال مشاركة قوات بيشمركة روج، تلك القوة العسكرية المشكلة من الكرد السوريين التابعيين للمجلس الوطني الكردي في سوريا على أراضي إقليم كردستان العراق، حيث يتلقّون الدعم والتدريب، هناك، حيث ساهمت حكومة إقليم كردستان بشكل أساسي في تدويل القضية الكردية بعد الثورة السورية، فكانت بوابة الأمان والحاضن للشعب الكردي في سوريا، واستطاعت فتح البوابات الدولية أمام القضية الكردية ووضعها على طاولات اللاعبين الدوليين في المنطقة، حتى باتت هناك تساؤلات تطرح نفسها في الآونة الأخيرة تستوقف المحللين والسياسيين.
– هل هناك اتفاق دولي يمنح الكرد بموجبه أي حق من حقوقه؟
– هل مشروع تقسيم سوريا بات قاب قوسين أو أدنى؟
-هل الحرب السورية ستضع أوزارها لتبدأ مرحلة جديدة (مرحلة ما بعد الثورة)؟
هذه الأسئلة التي فرضت نفسها على الساحة السياسية لم تكن وليدة الصدفة، بل جاءت وتعمقت أكثر لتشغل الجميع ما هي إلا نتيجة لعدة تحركات دولية ولقاءات واتفاقات، في الآونة الأخيرة، لنسلط الضوء على بعض هذه التحركات والمواقف، لنستشف منها بعض النتائج:
توقيع مذكرة تفاهم في موسكو بين حزب الإرادة الشعبية بقيادة قدري جميل (رئيس منصّة موسكو)، ومجلس سوريا الديمقراطي بقيادة السيدة إلهام أحمد، بمباركة روسية على لسان سيرغي لافروف، هذه المذكرة التي أثارت الجدل لما لروسيا من انتقاد لسياسة واشنطن التي تدعم قوات سوريا الديمقراطية، واتهام روسيا لها بأنّ لها أجندات انفصالية، وسرعان ما نبّهت تركيا روسيا من خط أي خطوة نحو دعم حزب العمال الكردستاني، ونصّ الاتفاق هو (أن تتحرّك جميع القوى الوطنية الديمقراطية للعمل المشترك على وقف المأساة السورية والتدمير المتواصل لسوريا، بحيث أكّد طرفي التفاهم على وحدة الأراضي السورية)، وبالنظر إلى مجريات الأحداث والتحركات الروسية سنتوصّل إلى أنّ موسكو تريد حصة أو أي شكل من أشكال النفوذ في شمال شرقي سوريا، ويريدون من جهة أخرى دفع قدري جميل ليكون لاعباً في منطقة شرق الفرات، ربما هي محاولة من موسكو لتهيئة البديل في حال الاتفاق على إنهاء دور الأسد في سوريا، وتقديم قدري جميل كرئيس قادم.
زيارة جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص بالملف السوري إلى المناطق الكردية، وما حملته من رسائل وتأكيد على ضرورة تشكيل مرجعية كردية موحدة لمواجهة التغيرات والتحديات القادمة، حيث التقى بقادة الأحزاب الكردية وشخصيات ووجهاء عشائر عربية وشخصيات وأحزاب آشورية مسيحية، وذلك بهدف حل الخلافات بينهم، وقد أشارت مصادر إلى أنّها تتوقّع أن يسعى جيفري إلى حشد تأييد مكونات الشعب السوري لدعم الموقف الأمريكي، في تحميل دمشق وحليفتها روسيا مسؤولية فشل العملية السياسية والاستمرار بالحل العسكري وعرقلة أعمال اللجنة الدستورية.
ومن جهة أخرى، تحاول أمريكا إقناع حلفائها في قوات سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي pyd بعدم الرهان على الدور الروسي في تقريب وجهات النظر بينها وبين الحكومة السورية. بالعودة إلى ما قبل هذه التحركات من زيارات جرت، وأخرى مرتقبة، كان الاتفاق الموقّع بين الإدارة الذاتية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، قسد، وشركة أمريكية لاستثمار النفط في شمال شرقي سوريا، الذي أثار الاستياء والسخط من قبل النظام السوري والمعارضة على حد سواء، حيث اتهموا الطرفين بنهب وسرقة النفط السوري، إلا أنّ أمريكا لم تقف عند هذا الأمر، بل سعت إلى دعم إعلان تشكيل جبهة باسم جبهة السلام والحرية التي ضمت تجمعات عربية لتأمين غطاء عربي يضم بذلك شرق الفرات وجنوب الحسكة، كل ذلك تم بعد توسيع أمريكا قاعدتها العسكرية في منطقة الشدادي، جنوب الحسكة.
نقلت وكالة الأناضول التركية عن مصادر وصفتها بالمطلعة على زيارة جيفري، أنّ تركيا لن تطلق عمليات عسكرية جديدة ضد حزب العمال الكردستاني بعد لقائها مع قوى وأحزاب كردية سورية، والملفت أنّ تركيا لم تعلّق رسمياً على تلك الزيارة.
ما هذا إلا غيض من فيض، لمجموعة التحركات والتفاهمات المعلنة وغير المعلنة بين الأطراف المتصارعة، التي تأتي بالدرجة الأولى لخدمة مصالح وأجندات القوى العظمى، والخاسر من كل هذه الحرب والصراع هو الشعب السوري الذي دفع فاتورة باهظة للتغير والثورة ودخوله نفق مظلم ومستنقع المصالح الدولية.
ليفانت – نسرين محمود
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!