-
معتقلو الرأي في زمن الكورونا..من يتحمّل مسؤوليتهم؟!
ما تزال قضية معتقلي الرأي هي القضية الأكثر تعقيداً، بعد مضيّ كلّ هذه الأعوام التي انقضت من عمر الثورة السورية. ما يمنح هذه القضية أبعاداً بالغة الأهمية، هو أنّ هذه الممارسات القمعية التي انتهجها النظام في قمع معارضيه، هي من حرفت مسار الثورة عن سلميّتها، بعد أن انصبّ جهد النظام على تحييد الحراك السلمي، من خلال اعتقال رموزه والتنكيل بهم، بغية حصار الرأي العام وإخضاعه لسلطة العسكر من جهة، ولأنّ هذا النوع من السلوك الفاشي تمّ تعميمه كتجربة نموذجية لقمع الحرّيات وكمّ الأفواه، ليس من قبل الفصائل العسكرية العاملة على الأرض السورية فحسب، والتي راحت تحذو حذو النظام، وتحاكي تجربته، فحسب، بل إنّها رفعت السقف لدى الأنظمة الفاشيّة في العالم بأسره، للتنكيل بشعوبها، ومصادرة حرياتها، من جهة أخرى.
في ظلّ هذه الإجراءات، لم تعد القضية مقتصرةً على المطالبة بمعتقلي الرأي لدى النظام السوري، بل بات من الضرورة بمكان التحرّك لإطلاق سراح كلّ معتقلي الرأي السّلميين، ممن لم يحملوا سلاحاً، ولم يتوّرطوا بسفك دماء السوريين، أيّاً كانت الجهة التي تعتقلهم، وأياً يكن انتماؤهم السياسي. معتقلوا الرأي
هذه المطالب تتّخذ طابعاً أكثر جدّية، في ظلّ جائحة فيروس الكورونا المستجد، العابر للقارّات، والذي يتحوّل إلى وباء فتّاك في ظلّ الظروف الصحية السيئة في السجون، سيما مع سوء الأوضاع الصحية للمعتقلين، وإحجام النظام، ومن انتهج نهجه من فصائل تنتمي للمعارضة كهيئة تحرير الشام،وداعش، والأسايش الكردية، وما لفّ لفّها، عن الإفصاح عن معاناة هؤلاء المعتقلين، أو أعدادهم الحقيقية، والغموض الشديد الذي يكتنف مصائرهم، ما يرفع سقف المخاوف إلى حدّ التوقّعات باستغلال هذا الوباء لتبييض هذه السجون، عن طريق تصفية المعتقلين، واتخاذ كورونا كغطاءٍ للتعمية على هذه الجريمة!
من هذا المنطلق تسلّط ليفانت الضوء على المخاوف المتعلّقة بمعتقلي الرأي، وآلية تنسيق الجهود لدفع الرأي العام العالمي لتبنّي قضيتهم، ودفعها إلى دائرة الضوء.
الظروف الإنسانية السيئة في السجون
تشير جميع التقارير الدولية إلى الظروف الصحية بالغة السوء، التي يعيشها المعتقلون في السجون، أياً كانت الفئة التي تحتجزهم. كما أنّها عبّرت في تقاريرها عن مخاوف حقيقية من تردّي الأوضاع الصحية بشكل أكبر، سيما مع الاكتظاظ الشديد، وتفشّي الأمراض نتيجة اتّساخ هذه المعتقلات، ما يجعلها بيئة مناسبة لانتشار الأوبئة.
حول المخاطر التي تهدّد حياة المعتقلين، جرّاء انتشار جائحة الكورونا، تقول السيدة فدوى محمود، عقيلة المناضل عبد العزيز الخيّر والذي اعتقله النظام السوري فور عودته من مؤتمر في الصين لليفانت: "نعم إن تفشي الكورونا في المعتقلات هو مصدر قلق بالنسبة لنا كأهالي معتقلين، وذلك بسبب عدم توفر الظروف الصحيه المناسبه لتواجد المعتقلين، وشدة الازدحام بالمعتقلات، إضافه إلى عدم توافر ظروف النظافة أساساً في هذه السجون". معتقلوا الرأي
أما سوسن .ب، وهي شقيقة أحد المعتقلين الذين فقدوا على الحدود السورية اللبنانية، فتقول: "مخاوفنا أكبر من كورونا، حالياً لا نعلم حقيقة إن كان معتقلاً في سوريا، أو داخل الأراضي اللبنانية. حتى أننا لا نعلم إن كان على قيد الحياة، ولكنني أعرف جيداً أنّه إن كان قد نجا من التعذيب، فلن ينجو من الكورونا، سيما وأنّه يعاني من مرض في القلب".
فيما يرى بسام الأحمد،المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة أنّ "فيروس كورونا عابر للحدود ومراكز الاعتقال، لدى جميع الجهات، وليست معتقلات النظام السوري وحده، مع ضرورة الإشارة إلى أنّ مراكز الاحتجاز عادة ما تكون أشدّ اكتظاظاً ما يجعل ضرره أكبر بكثير من تأثيره في مناطق أخرى، ولكن من الضرورة بمكان أن نسلّط الضوء على أنّ فصائل المعارضة التي لديها مراكز احتجاز كهيئة تحرير الشام، والإدارة الذاتية، وغيرها، مشمولة بهذه المخاوف، حتى النازحون في المخيمات وكبار السن ممن يعيشون في ظروف إنسانية رديئة، هم عرضة لخطر الإصابة أكثر من غيرهم، وبالتالي فإنّ أي انتشار للفيروس في مجتمعاتهم قد يهدّد بكارثة حقيقية".
اقرأ المزيد: المجتمع الدولي يحرج النظام..ويكثّف جهوده لإطلاق سراح المعتقلين
الضغط على النظام والمجتمع الدولي
تقول السيدة فدوى محمود: "بالنسبه للضغط على النظام، نحن نحاول ونناشد ونصدر بيانات، ونتواصل مع المنظمات الدولية والحقوقية للضغط على النظام وحلفائه، ولكن النظام لتاريخ اليوم لا يستجيب لأي من النداءات"، وأوضحت السيدة محمود: "أعتقد بأن المجتمع الدولي كالعادة لا يعوّل عليه، ولكننا سوف نستمرّ في الضغط عليه ليأخذ خطوات جدية بهذا الخصوص"
أما المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فيقول أنّ "أولى الخطوات التي عملنا عليها بشكل جدي هو العمل على إصدار بيانٍ موحّد، قامت عدة منظمات بالتوقيع عليه، وطالبنا فيه بمطالب واضحة، فيما يختص بموضوع المعتقلين، والمخاوف الحقيقية في ظل انتشار فيروس الكورونا".
كما أضاف الأحمد لليفانت، بأنّ "الرأي العام أيضاً مطالب بالتحرّك، وهو ما يمكن أن نعتبره نقطة إيجابية، والسبب أن الجميع يعرف بأنّ هذا الفيروس عابر للحدود والقارّات وهو ما يمكن أن يشكّل عامل ضغط، ليس فقط في الحالة السورية وإنّما في الحالة اليمنية والليبية وجميع النزاعات" لافتاً إلى أنّه "فيما لم تنجح الجهود في القضاء على هذا الفيروس بشكلٍ مطلق، فهو قابل للانتشار مجدّداً، بمجرّد فك الحظر".
كما أوضح المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أنّ ما يقوله ليس على سبيل ابتزاز المجتمع الدولي ومساومته، بل هو توضيح لفكرة بديهية وهي أنّه ما من دولة يمكن أن تعزل نفسها عن العالم بشكل مطلق، بل إن خطر فيروس قائم ما دامت هنالك تنقّلات في هذا العالم، ولذلك يجب القضاء على الفيروس بشكل نهائي.
أما عن آليات الضغط، فيرى الأحمد أنّ "النظام وغيره من الأطراف المعنية، ينبغي عليهم فتح أبواب المعتقلات، وإطلاق سراح الناس المعتقلين بشكل تعسفي، وبشكل غير قانوني، ومعالجتهم، سيما وأنّ الحالة الصحية المهترئة في سوريا، تشكّل عامل خطر حتى على الناس العاديين بسبب تدهور أوضاع المنظومة الصحية وانعدام المشافي المؤهلة لعلاج هذه الخالات، فمكيف يكون الأمر بالنسبة للسجون؟!" ولفت الأحمد إلى أنه يرى أن العقوبات الاقتصادية أسهمت في تدهور المنظومة الصحية بشكل كبير، وأنّه ثمة منظمات أخرى تعارض هذا الرأي.
اقرأ المزيد: أطلقوا سراح المعتقلين تعسّفياً والمواطنين الأمريكيين لتفادي انتشار كوفيد- 19
العفو الأخير الذي أصدره النظام السوري معتقلوا الرأي
تقول السيدة فدوى محمود، زوجة عضو هيئة التنسيق المعارضة، الطبيب عبد العزيز الخير، والذي اعتقل قبل ثماني سنوات، وفي ظلّ الأنباء عن تدهور أوضاعه الصحية "مرسوم العفو لا يشمل المعتقلين السياسيين أو من هم موجودون في مراكز الاحتجاز السرية، وهم كثر، والنظام بالأصل لم يعترف بوجودهم وهذا المرسوم هو عباره عن ذر للرماد في العيون".
يرى بسام الأحمد "العفو كما هو واضح لم يشمل المعتقلين السياسيين، في كافة مواده، وقد تناول الحقوقيون السوريون هذا الموضوع بشكل أكثر تفصيلاً". معتقلوا الرأي
وبهذا الصدد، أصدر قسم العدالة و دولة القانون في المركز السوري للإعلام و حرية التعبير، تحليلاً قانونياً حول العفو الأخير الذي أصدره بشار الأسد، حيث ورد في البيان: " على الرغم من إصدار الكثير من مراسيم العفو منذ العام 2011، لم يستفد منهم إلا عدد محدود من معتقلي الرأي حيث أن النيابة العامة المتخصصة بمحكمة الإرهاب السورية ، تعي جيدا فحوى هذه المراسيم، و بالتالي فإنها حريصة دائماً على تضمين تهم تندرج ضمن قائمة الاستثناءات التي نص عليها هذا المرسوم وسابقيه من مراسيم العفو التي يصدرها الأسد ، عدا أن المراسيم نفسها تراعي جيداً استثناء قائمة التهم التقليدية التي تصدرها محكمة الإرهاب و غيرها من المحاكم التي تختص بمحاكمة معتقلي\ات الرأي و المعتقلين\ات السياسيين\ات".
ولفت البيان إلى أنّ "أعداد كبيرة من المعتقلين في سوريا، تتم إحالتهم الى محكمة الميدان العسكرية والتي تنعدم فيها شروط المحاكمات العادلة، بالإضافة إلى أن الكثير منهم هم مختفون ومختفيات قسرياً، دون إحالتهم لمحاكمة عادلة في سياسة منهجية تتبعها السلطات السورية، يقبعون في معتقلات تابعة لأجهزة المخابرات السورية، أو في مراكز احتجاز سرية وغير رسمية ولا يستفيدون نهائياً من هذه المراسيم التي أضحت تقليدية، و غالباً ذات هدف سياسي سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي". معتقلوا الرأي
اقرأ المزيد: سميح شقير لليفانت: ما وصلني من المعتقلين يشعرني بقدرة الأغنية على أن تكون سنداً للروح المحاصرة
تبقى قضية المعتقلين والمعيبين قسرياً سواء في سجون النظام السوري، أو في مراكز الاحتجاز والاعتقال، من أعقد الملفات، سواء أكانت المسؤولية تعود إلى النظام السوري أو فصائل المعارضة التي تحتجز معتقلي رأي لديها، في ظلّ غياب احتمالية إجراء محاكمة قانونية عادلة، دون تسييس أو استغلال لأهداف أخرى. وقد باتت هذه القضية أشدّ تعقيداً في ظل انتشار فيروس الكورونا، والمخاوف الحقيقية على مصير هؤلاء المعتقلين، سيما في ظلّ الظروف الاقتصادية العصيبة التي قاد نظام الأسد إليها، والتي أدّت إلى تداعي المنظومة الصحية، إضافة إلى وصول 80 بالمائة من الشعب السوري إلى خط الفقر، ما يجعل من سوريا معتقلاً كبيراً، ويجعل المخاوف من انتشار المرض في سوريا، بكافة بيئاتهاـ أمراً بالغ الكارثية.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!