الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
كيف يمضي السودان في علاقته مع واشنطن إلى 40 عاماً خلت
كيف يمضي السودان في علاقته مع واشنطن إلى 40 عاماً خلت

 


إعداد وتحرير: صادق عبّارة


في أعقاب إطاحة الجيش السوداني بالرئيس السوداني المعزول عمر البشير في نسيان 2019. والتي أتت بعد مظاهرات شعبية واسعة احتجاجا على ارتفاع تكاليف المعيشة، ليصعد بعدها السودانيون من مطالبهم وصولا للمطالبة  بتنحي الرئيس وحكومته. انتهجت قيادة الجيش السوداني الذي يتولاها عبد الفتاح البرهان سياسة يصفها البرهان نفسها بأنها محكومة بمصالح السودان العليا. والتي يبدو أنها على توافق مع رؤية رئيس الوزراء السوداني الحالي عبد الله حمدوك.


يقود كلا الرجلان حراكا للتخلص من إرث البشير ابتداء بالفساد والحرب الأهلية وتقسيم السودان، ووجوده على لائحة الدول الممولة للإرهاب، لتنتهي البلاد في عزلة شبه تامة على مدى العقود الثلاثة التي حكم بها البشير البلاد. ولم يتأخرا بطرق أقصر الطرق وأكثرها سهولة في واشنطن وتل ابيب.


التخلص من تركة البشير "الثقيلة":

ما إن صدر بيان الجيش /رقم 1/ بعزل البشير، حتى تلاه أقرار السلطات الانتقالية السودانية قانون "تفكيك نظام الإنقاذ"، والذي يقضي بحل حزب المؤتمر الوطني الذي كان يتزعمه الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ومصادرة أمواله وتعليق النشاط السياسي لرموزه. وتفكيك مجمل البنية السياسية وشبكة علاقات القوى التي بناها ما يعرف بنظام الإنقاذ في السودان،كما أقر القانون العزل السياسي بحق من يسميهم "رموز نظام الإنقاذ أو الحزب" بمنعهم من ممارسة العمل السياسي لمدة لا تقل عن عشر سنوات. وذلك للعمل على طي صفحة البشير الداخلية إلى الأبد.



الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير خلف القضبان

تاريخ العلاقات السودانية الأمريكية:

تشير المعلومات إلى تاريخ طويل من الاهتمام الأمريكي بالسودان انعكس في صيغة محاولات تجارية واستثمارية، بدأتها واشنطن بالاستثمار في الزراعة بالسودان في أعقاب إعلان استقلال السودان عن الإدارة المصرية البريطانية المشتركة عام 1956 مباشرة، لتمر في مراحل متقلبة بين الهدوء والتوتر. توتربدأ عام 1964 تإثر قيام متظاهرين بمهاجمة السفارة الأمريكية في الخرطوم عقب انقلاب عسكري في السودان، ليتصاعد وصولا للقطيعة الديبلوماسية عام 1976، إثر اندلاع الحرب العربية - الإسرائيلية في الخامس من حزيران. 


في أعقاب وصول جعفر النميري للحكم 1972، باتت العلاقات بين الخرطوم وواشنطن في مرحلة ذهبية، وذلك بعد تحوله إلى معسكر الولايات المتحدة الأمريكية تاركا المعسكر الإشتراكي إبان الحرب الباردة بين المعسكرين.  وبقيت كذلك رغم مقتل السفير الأمريكي، كليو أيه نول ونائبه كيرتس مور، على أيدي مسلحي منظمة "أيلول الأسود" الفلسطينية في الهجوم على حفل للسفارة السعودية في الخرطوم في آذار 1973، ولتسحب واشنطن سفيرها من الخرطوم في يونيو 1974 في أعقاب إطلاق سراح منفذي العملية.



الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري

عادت العلاقات بين البلدين لتشهدا فتورا ملحوظا خلال فترة الحكم الديمقراطي في السودان بعد عام 1985، بدأ بتخفيض البعثة الدبلوماسية الأمريكية كادرها في الخرطوم  بعد التقارب بين الحكومة السودانية ونظام معمر القذافي في ليبيا،إلى أن تدهورات العلاقات في نيسان 1986 إثر قصف الولايات المتحدة على طرابلس، واغتيال أحد موظفي السفارة الأمريكة في الخرطوم نتيجة لذلك،وهو ما دفع واشنطن لسحب غالبية موظفيها غير الأساسيين من السفارة لنحو ستة أشهر.



الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير جوار رئيس حزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي

مع وصول عمر البشير بالتعاون مع الجبهة الإسلامية بقيادة حسن الترابي إلى السلطة عام 1989، علقت الولايات المتحدة مجمل مساعداتها للسودان. لترتفع حدة التوتر وتتدهور العلاقات مجدد بعد اتهام الولايات المتحدة للبشير بدعم جماعات إسلامية متشددة،وانحياز السودان إلى العراق إبانه غزوه الكويت ومعارضته التدخل المريكي، وانتهى بعقوبات مشددة فرضتها واشنطن وتصنيفها كبلدا راعي وممول للإرهاب في أعقاب الهجوم على المدمرة "يو إس إس كول"، والذي اتهمت واشنطن تنظيم القاعدة بالوقف خلفه، كل هذا تزامن مع إيواء نظام البشير لزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، والذي عاش في السودان خمس سنوات.


وعلقت واشنطن لاحقا عمل سفارتها في الخرطوم في عام 1996. ليصدر الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون عام 1997، أمرا تنفيذيا بفرض عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية شاملة على السودان أثرت كثيرا على الاقتصاد والبيئة الاستثمارية في السودان، تلا ذلك هجوم بصواريخ كروز، في آب 1998 نفذته إدارة كلينتون، استهدف منشآت في العاصمة السودانية الخرطوم ، وذلك بعد تفجير ضرب السفارتين الأمريكيتين في تنزانيا وكينيا. ليغادر السفير الأمريكي توم كارني الخرطوم قبيل هذا القصف، ولم يعد أي سفير أمريكي إلى السودان إلى يومنا هذا.



زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن جوار الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير

التعاون الأمني سبب بانفراجة في العلاقات:

بدأت مساعي الخرطوم  لفتح قنوات اتصال مع واشنطن صيف عام 2000، مستغلة ملف مكافحة الإرهاب الذي تقوده واشنطن، والذي أثمر بالفعل لاسيما بعد هجمات أيلول 2001 بحسب ما صرحت السفارة الأمريكية في الخرطوم. ثم تصاعد التعاون لتتدخل الولايات المتحدة لتحفيز مسار المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان التي انتهت بتوقيع اتفاقية السلام في نيفاشا. 


تعقيدات المشهد الداخي عائق للانفتاح على واشنطن:

كان للحرب بين حكومة البشير والميلشيات التي يدعمها ضد حركات متمردين  دارفور أثرا كبيرا على العلاقات بين  الخرطوم و واشنطن، ودفع بالأخيرة لفرض عقوبات جديدة على السودان عام 2007، تضمنت تجميد أصول مواطنين سودانيين ضالعين بارتكاب أعمال عنف في دارفور فضلا عن شركات تملكها أو تديرها الحكومة السودانية.


ومع نهاية عام 2009، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عن استراتيجية أمريكية للتعامل مع السودان، والتي تشمل مجموعة نقاط: إنهاء النزاعات وانتهاكات حقوق الإنسان وعمليات الإبادة في دارفور، وتطبيق اتفاقية السلام الشامل بين الشمال والجنوب، والتأكد من أن السودان لن يوفر ملاذا آمنا للإرهابيين الدوليين. وهو ما بقي متراوحا بالعلاقة بين البلدين حتى الإطاحة بالبشير 2019.


الحكومة الانتقالية تطوي أربعة عقود بين الخرطوم و واشنطن:

تزامنا مع طوي الحكومة السودانية الانتقالية لحقبة الرئيس المخلوع عمر البشير، والتي تلقتها واشنطن بتلميحات امتدحت فيها حكومة الحمدوك "الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون على تنفيذ الإصلاحات الواسعة"، ليتجه رئيس الوزراء الحالي نحو واشنطن دون تردد. تُوّج ذلك مع  إعلان وزير الخارجية الأمريكي عن قرب موعد تبادل السفراء، والذي وصفه حمدوك"إن توطيد العلاقات الدبلوماسية الدولية يعتبر معلما هاما في خارطة التنمية. بعد انقطاع دام 23 عاما، من العظيم أن نشهد بدء عملية تبادل السفراء بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية. هذه خطوة مهمة نحو إعادة بناء السودان".



رئيس الحكومة السودانية الانتقالية عبد الله حمدوك يلتقي مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد هيل في واشنطن

كما يأمل السودان أن ترفع الولايات المتحدة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب قريبا، وذلك بعد أن أعلن توصله لاتفاق مع ذوي ضحايا المدمرة الأمريكية "يو أس أس كول"، سيتم بموجبه دفع تعويضات مالية لهم. إضافة لاستجابة السودان لطلب واشنطن بفتح المجال الجوي السوداني أمام الخطوط الجوية الإسرائيلية القادمة من أمريكا الجنوبية. وانتهاء بتصريح نقلته وكالة رويترز للأنباء عن مسؤول بالخارجية الأمريكية قوله الشهر الماضي إن واشنطن ربما ترفع السودان من القائمة وإن البلدين لم تعد تجمعهما علاقة عداء.


بهذا سيصل البرهان والحمدوك في العلاقات مع واشنطن إلى حيث كانت قبل أربعة عقود، حين ترك الرئيس الأسبق جعفر النميري معسكر السوفييت متجها نحو معكسر الولايات المتحدة، والذي شهدت فيه السودان علاقات وطيدة مع واشنطن، وحظي بدعم أمريكي غير مسبوق، فقد بلغت ميزانية المساعدات المقدمة للسودان والتي استمرت حتى عام 1984، وموزعة: 25 مليون دولار مساعدات تنموية و 50 مليون دولار لتمويل شراء منتجات زراعية و 120 مليون ضمن برنامج استيراد سلع. بحسب ما أشار موقع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "يو أس إيد"، والتي قالت  أنها ظلت تحتفظ إلى أواخر الثمانينيات بأكبر بعثة لها في جنوب الصحراء الإفريقية هناك.


 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!