الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
عيسى رحال
عماد أيو 


أعرف أنكم لم ولن تسمعوا باسم عيسى رحال، ومن أين لكم أن تسمعوا به، فهو لم يكن مناوئاً للسلطة ولا موالياً لها، كما لم يكن قائداً ثورجياً ولا مُنظراً أيديولوجياً، كما إنّه ليس محللاً سياسياً من أولئك الذين نبتوا كالفطر المسموم، حيث يتنقلون من قناة تلفزيونية لأخرى، في خفة ورشاقة القرود.


لم يغادر عيسى رحال بلدته ليرتمي في أحضان الدولة التركية المجاورة والمتاخمة لمدينته، كما فعل الكثيرون، هؤلاء الكثيرون الذين تم استخدامهم وتجنيدهم، كثوار مرتزقة، لصالح الأجندات التركية التوسعية، فمرة يُرسلون إلى ليبيا البعيدة ليخوضوا حرباً بالوكالة، بالتعاون مع تنظيم داعش وأخواتها من التنظيمات الراديكالية الظلامية، ومرات يُقاتلون برفقة الدواعش أنفسهم، الذين تم استقطابهم من جميع بقاع العالم، بإشراف الاستخبارات التركية، مع مشاركة الجيش التركي بكل أسلحته المخيفة والمستوردة من الدول الديمقراطية العريقة، ليحتلوا المناطق الكردية في الجغرافية السورية، ويُهجروا مئات الألوف من المدنيين المسالمين من أراضيهم، مما فُرض على هؤلاء معايشة مرارات النزوح وعذاباته، التي تفوق الطاقة الإنسانية على الاحتمال، بعد أن تركوا منازلهم وممتلكاتهم والخيرات الوفيرة، التي استولت عليها تلك الحثالات المتوحشة، كما في مدينة عفرين وتل أبيض ورأس العين . حيث لم يكتفِ بذلك  الطاغية الغارق في أحلامه عن أمجاد السلطنة العثمانية، وبات في كل خطاباته يُهدّد كافة المدن الكردية الواقعة على الحدود، الأمر الذي صيّر نهار سكان تلك الجغرافيا الغنية ليلاً، وليلهم نهاراً.



كما رفض عيسى رحال الهجرة المليونية عبر الحدود التركية إلى أوروبا، التي فتحت الدولة التركية حدودها، وسهلت الهجرة من قبل الطاغية العثماني، لاستثمارها كورقة ضغط لابتزاز أوروبا، والتلويح بها، كلما وقف الاتحاد الأوروبي موقفاً مضاداً لمطامع الطاغية، وأوهامه الهذيانية.


كما لم يعمل عيسى رحال في المؤسسات العسكرية لإدارة الذاتية، كما فعل كثير من مجايليه، طمعاً في الرواتب السخية،  والامتيازات التي وفرتها تلك المؤسسات.


عيسى رحال لم يستسغ خيبات النزوح المريرة، حيث أبت روحه النقية العيش على المساعدات، والسلال الغذائية المُرسلة من منظمات _غير خيرية ولا إنسانية_ ومنافقة، وسرعان ما عاد إلى بلدته رأس العين مع زوجته وأطفاله الصغار، عاد إلى بيته المتداعي نتيجة القصف، وأعاد بناءه كيفما اتفق.


عيسى رحال، يا أيها الساسة جداً، يا أيّها الساسة السوريون القاطنون في أرقى فنادق أنقرة وإسطنبول، وحيث لا يحلو لكم تناول وجباتكم إلاّ في المطاعم الفاخرة، بينما لن ُيغفر لكم إن خرجتم عن وصايا وتعليمات وأوامر ولي نعمتكم. عيسى رحال،  يا أيها الثوار، ثوار أردوغان المأجورين الذي يحرككم كالدمى، غير إنكم دمى مبطنة بالقنابل المتفجرة، ماذا فعل بكم عندما اعترضت حفنة صغيرة الذهاب إلى ليبيا؟ قطع عنهم الرواتب، وتوعدهم بقطع أعناقهم. 


هل يهمكم أن تعرفوا عيسى رحال، أعرف أنكم لن تهتموا، فهو لديكم كائن بلا ملامح، مجرد رقم يُضاف للأرقام اللانهائية، والحقيقة لن يُشرّف عيسى رحال أن  يعرفكم أو أن تعرفوه.


عيسى رحال، يا باعة الأحلام والمبادئ والأوطان، لم يتمكن من إكمال الشهادة الابتدائية لفقر الحال، عمل منذ نعومة أظفاره ليعين عائلته.. عيسى رحال بائع خضار متجول، اعتاد أن يركن عربته بجوار البريد، يستيقظ باكراً كعادته اليومية ليؤمن رزقه وقوت عياله، وبينما هو يرتب الخضار، والابتسامة لا تفارقه، في لحظة مثقلة بالعماء، انفجرت سيارة مفخخة بالقرب منه، اختلطت أشلاؤه بعربة خضاره، وابتسامته الأخيرة لأول مرة يشوبها ذهول مبهم.


حتى إن أردتم أن لا تعرفوه أيها الوطنيون كثيراً، فكل الأبناء الشرفاء، في مدينة رأس العين المحتلة، يعرفوه معرفة كاملة، حيث طال الحزن، وخيم الأسى، على كل من عرف طيبته واستقامته وابتسامته النابعة من قلب لم يعرف الضغائن، فقد كان مثالاً للإنسان المبدئي بلا مزاعم، ونموذجاً للأب الصالح، والجار الوديع، وابن البلد الشهم.


أعرف أنكم أيها الناضجون، بشكل لا يُضاهى، ستقولون إنها الحروب، ولكل حرب ضحاياها،  أجل، وأعرف أيضاً أن ثمة عيسوات لا حصر لهم في سوريا، ذهبوا لموتهم حزانى ومفجوعين على حياتهم الموؤودة، وأحلامهم المبتورة، ولأنهم خلفوا لأحبتهم، من أبناء وزوجات وأمهات وأخوة وأخوات وأصدقاء، ندوباً في أرواحهم لن تندمل أبداً. ربما، بل أكيد أنّ هؤلاء العيسوات النبلاء أنصع مثال على ضعتكم، ودليل هذه الضّعة، إبرامكم صفقة لبيع أرواحكم غير الفاوستية مع مفستوفيليس العصر، أردوغان الطاغية، الذي يحاول أن يعيد الزمن للوراء لإحياء العثمانية المقبورة، دون أن يعرف بأنّ التاريخ عندما يعيد نفسه مرة ثانية، كما قال ماركس مرة، فلن يعيد نفسه إلاّ كمهزلة، هذا مع المعرفة أنّ التاريخ لا يعيد نفسه البتّة، فإحياء الموتى بحاجة للأنبياء، وقد توقفت السماء عن إنتاج الأنبياء.


ليفانت – عماد آيو 



كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!