الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
سورية من أوباما إلى بايدن
عبد السلام حاج بكري

في لقاء مع دبلوماسي أمريكي قبل سنوات في إسطنبول سألناه عن سبب عدم تدخل أمريكا لوقف مجازر النظام بحقّ السوريين، أجاب: “الحل بأيديكم”، وغادر القاعة قبل الدخول في تفاصيل ما يقصده. إنّه تنصّل من المسؤولية الأخلاقية والقيم الإنسانيّة، ولكن، نحن السوريين، ألم نضع كل ما نملك من أوراق في جعبة الآخرين، وجلسنا نندب ما وصلنا إليه كنساء مفجوعات برجال القبيلة، وقد أبادهم الغزاة.


منذ ثاني مجزرة ارتكبها نظام بشار الأسد بحق المتظاهرين السلميين، واقتصار موقف أمريكا الأوبامية ومعها كل الغرب على التنديد والاستنكار بما جرى ويجري، أدرك غالبية السوريين المعترضين على الديكتاتور أنّهم سيتعرّضون لمجازر أكبر ما لم يتولّوا حماية أنفسهم ذاتياً، أو إسقاط النظام بطريقة ما، وقد اتّضح أنّ العالم سيتركهم لمصيرهم.


وكان أن قرروا حمل السلاح الذي سمح الغرب بتدفقه عبر كل البوابات من الدول المجاورة دون رقيب أو حسيب، واستثمر النظام المتطرفين الإسلاميين الذي هيّأهم ودرّبهم قبل سنوات في حرب العراق، ودسّهم بين ثوار السلاح، ووسم الثورة بالمتطرّفة والقاعدية، واستجلب شذّاذ الآفاق من كل الدنيا، وعلى رأسهم الروس والإيرانيين، لقتل السوريين تحت يافطة محاربة الإرهاب، وبهذا العنوان أعطى للغرب مبرراً أمام الرأي العام لعدم التدخل ضدّه، وحصل القتل بكل الطرق والأشكال.


ولكن هل يحتاج الغرب هذا المبرر؟ وهل كان سيوقف مجازر بشار ويعاقبه لو لم يدخل التطرّف في مفاصل الثورة؟ الجواب لا، لأنّ الغرب أراد توظيف الحرب السورية في خدمة مشروع إعادة صياغة المنطقة برمتها، وفقاً لصفقة القرن، التي لن تكون فيها سوريا كما يعرفها الجميع، وهي الآن تسير بسرعة ووضوح أكبر باتجاه التمزيق، وفي هذا تسهيل لانصياعها للرغبات الإسرائيليّة بإحلال السلام الذي تريده في المنطقة.


لم يكن نظام بشار ووالده من قبله حجر عثرة أمام أيّ مشروع إسرائيلي، لكن ثورة السوريين التي فاجأت الغرب، وجعلته على يقين باستحالة استمراره في تقديم الخدمات المعتادة، وقد بات على هذا القدر من الهشاشة والضعف، بعدما أخرج السوريون ما في صدورهم من كراهية لهذا الحكم الديكتاتوري الذي لا يمكن أن يستمرّ في حكمه إلا بقوّة السلاح، وهذا ما لن يقبلوا باستمراره إلى الأبد، وهم يسيرون بخطوات غير بطيئة باتجاه الخارطة الجديدة للمنطقة.


بدأت بعض ملامح صفقة القرن تتضح عبر التقارب العربي الإسرائيلي، وقبول السلطة الفلسطينية به، والدفع باتجاه إضعاف دور السنّة في الشّرق الأوسط لصالح التمدّد الشيعي بأجنحة متكسرة تمنع إيران من التفكير بالتحليق أعلى مما يريدون ويسمحون، على أن تسهر إيران على حماية حدود الدولة العبرية بشكل مباشر وعبر أذرعها وبأسلحة لا أكثر من تقليدية.


وبنظرة على هذه الحدود، نرى ابتعاد الجيش السوري عنها، وهو الملتزم أصلاً بذلك وفقاً لاتفاقيّة الهدنة عام 1974، وانتشار ميلشيات شيعيّة متعددة الجنسيات تتبع الوليّ الفقيه على الطرف السوري من الحدود، وهذا الأمر ينطبق منذ زمن على الحدود اللبنانيّة حيث تسيطر ميليشيا حزب الله.


تولّى أوباما إدارة ملف إيران في صفقة القرن، فسمح لها بدخول سورية، وتعمل إسرائيل على تشذيبه وتقليمه وصولاً لضبطه باتفاق رسمي، فيما فتح ترامب أبواب العرب أمام إسرائيل، وسيسير بايدين في الخطّين معاً، فيدغم هشاشة أوباما بهيجان ترامب، ليصل لانصياع إيراني ووقف للحرب في سوريا.


لا تحظى سوريا بمكانة كبيرة عند أمريكا، وهي التي لديها أولويات داخلية وخارجية كثيرة، لكن يهمها أمن إسرائيل، ولن تسمح لهذا أن يهدّده سوريون أصيلون، يبتغون جولانهم ونديّة مع خصمهم المجاور، لهذا يريدون سورية ما بعد بشار _الذي بات هزيلاً ضعيفاً_ تسودها لا مركزية في الحكم، تقود أقاليمها طوائف وقوميات كانت تشكّل ما يعرف بسورية.


ولم تقم قيادة المعارضة السورية بما يثبت أنّها ذات خبرة أو صدقية في العمل السياسي، فلم تنجح بفرض نفسها كجزء من العملية السياسية في المنطقة، وبدت كأنّها لم تستوعب المتغيرات الإقليمية، وما تقتضيه صفقة القرن، وكيفية التعامل مع متطلباتها بما يحقق شيئاً ما من رغبات السوريين، فوكّلت أمرها لتركيا ودول خليجية وروسيا، وارتضت على نفسها الانصياع الأعمى لتوجيهاتها، من هنا نفهم معنى قول الدبلوماسي الأمريكي “الحلّ بأيديكم”، ونحن نقول: فرّطنا بما في أيدينا، وفقدنا الأمل بتحقيق ما قمنا بثورة عظيمة من أجله، وننتظر الآن ما سيمنّ به علينا أولي الأمر.


 


ليفانت – عبد السلام حاج بكري

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!