الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
تجربة امرأة شرقية مع الاندماج
تجربة امرأة شرقية مع الاندماج

تجربة امرأة شرقية مع الاندماج

رانيا حلاق | كاتبة وصحفية 


قد يعتقد الكثيرون في ثقافتنا العربية أن المرأة الغربية مختلفة تماماً عن نظيرتها الشرقية إلى درجة أن هناك تصور، سواء في عالم الرجال أو النساء، أن الاختلاف يصل الى حد المقارنة بين مخلوقين مختلفين تماماً من حيث العقل والروح والعواطف. ولكن خلال السنوات الطويلة التي قضيتها في كل من روما ولندن، وجدت أن التشابه بين الغربية والشرقية غير قليل، فهناك نقاط مشتركة في الكثير من النواحي ومنها الاهتمام في مظهرها وأناقتها والبحث عن الزوج المناسب وحرصها على عائلتها وأطفالها. ما استنتجته أننا بالنهاية، شرقيات كنا أم غربيات، نحمل خصائص الروح البشرية نفسها، علاقتنا بالأشياء تتحكم بها نوازع مشتركة، هي النوازع الإنسانية.


الاختلاف الجوهري بين نساء الشرق والغرب، يتحدد في الثقافة والعادات والتقاليد المكتسبة عن طريق التربية، أي في المكتسبات التي تحددها عملية التنشئة والترقية والوعي بفعل البيئة الثقافية والسياسية والمجتمعية... مثلاً المرأة الغربية تملك حرية التصرف واتخاذ القرارات ولا تخاف من (القيل والقال) أو لا تعنيها مثل هذه القضايا. لأنها لن تحاكم من قبل الأخرين من خلال لباسها وسلوكها مادامت ملتزمة بالقوانين، وهي بدورها أيضاً لن تصدر أحكاماً تجاه الآخرين. بينما الشرقية تخشى، حتى وان كانت في الغرب، أن تمارس كامل حريتها. فهي رغم علمها بأن القوانين تحميها، تبقى في العقل الباطن حاملة للخوف من نظرة المجتمع لها.


الجدل الأكثر شيوعاً في التفريق بين المرأتين، أن الشرقية تنظر للغربية على أنها نموذج مختلف في العواطف والحب والحياة الزوجية، وبشكل عام العلاقة مع الرجل. فعلاً، هناك اختلاف كبير في طريقة التعامل مع الحبيب او الزوج، هناك في الشرق، تأخذ المرأة مهام اعمال المنزل وتربية الأطفال على أنها واجبات حصرية لها، وأنها ليست مهمة الرجل.


هنا، في البلدان الأوربية وعموماً في الدول الغربية، النشأة الاساسية للمرأة تقوم على التساوي مع الرجل في الحقوق والواجبات. فليس بالغريب أن تجد الزوج الغربي يعتني بالأطفال ويقوم بواجبات منزلية.


وفي علاقات الحب نرى الشرقية تعاني من خوف مزمن طول فترة علاقتها العاطفية. وأسباب الخوف كثيرة، على رأسها عدم ثقتها بالرجل الشرقي وشعورها الدائم بأنه سيتخلى عنها أو يرحل مع امرأة أخرى تعجبه أو تستثير عواطفه وغرائزه أكثر.


بينما نرى المرأة الغربية أكثر اتزاناً في عواطفها مع الرجل فهي قليلة الغيرة ولا تدقق في الأشياء كثيراً ولا تمانع من صداقة حبيبها للفتيات مادامت مجرد صداقة. وفي هذه النقطة يبدو الرجل هو السبب الأساسي في تحديد طباع المرأة، فهو هنا أكثر وضوحاً والتصاقاً بالتزاماته العاطفية، لأنها ليست خاضعة لمعيار غريزي، بينما هناك، توجد دائما مشكلة في الصدق منبعها أن الرجال عموماً يتحركون عاطفياً بموجب ما تمليه الغرائز، لهذا فإن العواطف تكون مهددة باستمرار بحسب الجانب الغريزي. فضلاً عن هذا أن المنظومة القيمية، القائمة على المساواة، والتي تتحكم بنبض العلاقات الاجتماعية كافة، تخلق الكثير من الثقة والاستقرار عاطفياً ونفسياً تجاه تلك العلاقات. على المستوى الشخصي، ورغم مرور 17 سنة على إقامتي في أكثر من بلد، والاندماج العميق في البيئة الاجتماعية، وتأقلمي مع وقائع اجتماعية وثقافية عديدة... فإن التأثير العقلي والثقافي الذي جرى علي، ودخولي في منظومة القيم، ليس كافيا ليحولني الى امرأة غربية بالكامل.


أسباب متعددة وراء هذا الامر؛ منها أني ما أزال اشعر بضرورة الاحتفاظ ببعض شرقيتي، الأمر هنا مرتبط بشيء من هوية، وبشيء آخر من اقتناع بأن التحول الكامل مكلف. لذا منظومة العيب لدي تلعب دوراً مركزياً في الكثير من السلوكيات، بينما منظومة الحرام مفقودة تماماً، لأن الأولى تمثل بالنسبة لي شروط حياة، أما الأخرى فتعد تصوراً روحانياً عن الحياة، لا أؤمن به. فضلاً عن أن التنشئة الأساسية، أسرياً، لم تبن دينيا، بل سورياً.


تجربة امرأة شرقية مع الاندماج

في المقابل، ما اكتسبته من الغرب هو الاستقلال والاعتماد على النفس، وهذه نقطة كافية بتصوري، في تحديد وبناء شخصية المرأة باعتبارها وجوداً مستقلاً عن الرجل، وفي الوقت ذاته لا تنطلق من الاستقلال الغربي الصرف الذي قد يؤدي إلى شعور بالاغتراب، لا يمكن التأقلم معه.


والخلاصة، من خلال صداقاتي المختلفة للشرقيات والغربيات أجد أن من الضروري القيام بخلطة سحرية يجتمع فيها بعض من الصفات الشرقية والغربية ليصبح مزيجاً مختلفاً، يميز المرأة التي تكتسب من الغرب حريتها ومن الشرق روحه. فالمرأة الشرقية تحركها عواطفها أولاً قبل عقلها وتتميز بالصبر بنته الظروف التي لم تتغير في منطقتنا وحياء فرضه المجتمع مما يضفي الكثير على الانوثة، بينما تمارس الغربية حريتها مما يجعلها عنصراً مؤثرا في المجتمع، وتمتلك ثقة بالنفس تستطيع معه أن توظف حتى عواطفها بشكل سليم، وتحصل على حقوقها بطريقة مناسبة غير مبنية على الخوف من سطوة المجتمع واستبداده.

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!