-
النصر الروسي على كورونا.. مكاسب داخلية وعالمية بحجر واحد
لم يكن تاريخ الحادي عشر من أغسطس العام 2020 عادياً، فمنذ بداية العام الجاري، أو نهاية العام 2019، دخل العالم نفقاً مظلماً اسمه “فايروس كورونا”، فبعد أيام وأسابيع ومن ثم شهور، وفي ظلّ غموض وعدم وضوح أي نور في نهاية النفق، وبالتزامن مع تصريحات متضاربة بين متفائلة وأخرى متشائمة، فقدَ ما يربو عن 700 ألف إنسان حياته بالوباء، وأصيب أكثر من 20 مليون به، وما يزال الكثير منهم قيد العلاج، إلى أن أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اليوم الثلاثاء، عن تسجيل أول لقاح ضد فيروس كورونا في العالم، معلناً بذلك بداية النهاية للفيروس الذي لا تراه العين وخشيت منه كامل البشرية.
وذكر الرئيس الروسي، خلال اجتماع مع أعضاء الحكومة، من خلال تقنية “فيديو كونفرنس”: “بلغني أنّه تم تسجيل لقاح ضد فيروس كورونا هذا الصباح لأول مرة في العالم”، وأردف بوتين، خلال طلبه من وزير الصحة الروسي، ميخائيل موراشكو، تقديم تفاصيل حول اللقاح: “أعلم أنّه (اللقاح) يعمل بشكل فعال للغاية، ويشكل مناعة مستقرة، وأكرر أنّه اجتاز جميع الاختبارات اللازمة”، منوّهاً أنّ إحدى بناته قد تم تطعيمها باللقاح الجديد ضد فيروس كورونا.
وأكمل: “آمل أن نتمكّن من بدء الإنتاج الضخم لهذا الدواء في المستقبل القريب”، مؤكداً على أنّ التطعيم يجب أن يكون “طوعياً” حتى يتمكن كل من يرغب في ذلك الاستفادة من إنجازات العلماء الروس، مستطرداً: “أعلم أنّ العمل على لقاحات من هذا النوع في روسيا مستمر في مؤسسات أخرى، أتمنى النجاح لجميع المتخصصين، يجب أن نكون ممتنّين لأولئك الذين اتّخذوا هذه الخطوة الأولى، وهي مهمة جداً لبلدنا، وللعالم بأسره”.
الموقف الوبائي الأخير حول العالم
ويأتي الإعلان الروسي ليزيح غمامة سوداء ظلّت جاثمة على صدر البشرية منذ نهاية العام 2019، وبقيت كذلك على مدار تسعة شهور، فيما يأتي الكشف الروسي ليرفع من عزيمة البشرية في مواجهة الجائحة، ويزيده إصراراً ورغبة على الأمل بحياة سليمة، لا يفقدون فيها أعزاءهم، ولا يخشون فيها من ممارسة الحياة، حيث بات البشر خلال الفترة المنصرمة في أشبه ما يكون بالوقت المستقطع من حياتهم، دون نشاط اقتصادي أو عمل لغالبيتهم.
أما على الصعيد الوبائي، فقد أظهرت أحدث الأرقام والبيانات الرسمية، أمس الاثنين/ العاشر من أغسطس، ارتفاعاً مطرداً في عدد ضحايا فيروس كورونا حول العالم، حيث بلغ عدد الوفيات أكثر من 731 ألفاً، فيما اقترب عدد المصابين من 20 مليون مصاب، وبقيت الولايات المتحدة الدولة الأكثر تضرراً في العالم، حيث بلغ عدد الوفيات فيها 163 ألفاً، فيما تجاوز عدد المصابين 5 ملايين شخص.
وفي البرازيل، أظهرت آخر بيانات وإحصاءات جامعة “جونز هوبكنز”، أنّ عدد الوفيات تجاوز 100 ألف، كذلك تجاوز عدد المصابين 3 ملايين مصاب، لتأتي المكسيك في المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر تضرراً، حيث سجّلت أكثر من 52 ألف حالة وفاة، وتجاوز عدد المصابين 4.8 ألف مصاب، وفي بريطانيا حصد فيروس كورونا أرواح نحو 47 ألف شخص، وسجلت السلطات الصحية أكثر من 312 ألف إصابة بالفيروس منذ بدء تفشي الوباء.
أما في الهند، فتسبب تفشي الوباء بوفاة أكثر من 44 ألف شخص، فيما تم تسجيل 2.2 مليون إصابة حتى الآن، وحلّت إيطاليا المرتبة في السادسة في قائمة الدول الأكثر تضرراً، حيث سجلت أكثر من 35 ألف وفاة و250 ألف إصابة، وفي فرنسا حصد فيروس كورونا أرواح أكثر من 30 ألف شخص، وتجاوز عدد المصابين 235 ألفاً منذ بدء تفشي الوباء، تليها إسبانيا التي تجاوز فيها عدد الوفيات 28 ألف حالة وفاة، وبلغ عدد المصابين أكثر من 314 ألفاً.
وجاءت البيرو في المرتبة التاسعة في قائمة الدول الأكثر تضرراً، حيث تجاوز عدد الوفيات 21 ألفاً، وسجلت حوالي 480 ألف إصابة منذ بدء تفشّي الوباء، وفي إيران التي تشهد موجة ثانية من تفشي الوباء، حصد فيروس كورونا، حتى الآن، أرواح نحو 18500 شخص، وتم تسجيل 326 ألف إصابة على الأقل، كما أنّ بلداناً أخرى كثيرة تفشّى فيها الوباء بشكل مضطرد وسريع، في ظل تهالك الأنظمة الصحية فيها، كـ”سوريا”.
أهمية اللقاح في مواجهة الجائحة.. وسياسياً
ويعتبر إيجاد اللقاح عاملاً أساسياً في وقف انتشار الفيروس، وربما يتفوّق في أهميته من إيجاد دواء خاص بالفيروس، حيث قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في السادس من أغسطس الجاري، إنّ الانتعاش الاقتصادي في العالم قد يأتي بشكل أسرع في حالة توفير أي لقاح يتم التوصل إليه ضد “كوفيد-19″، كسلعة للجميع.
وقال تيدروس: “إنّ مشاركة اللقاحات أو مشاركة أدوات أخرى تساعد العالم في واقع الأمر على التعافي بشكل جماعي”، مضيفا أنّ التعافي الاقتصادي يمكن أن يأتي بوتيرة أسرع، وقد تصبح الأضرار الناجمة عن كوفيد-19 أقل”، وأفاد تيدروس بأنّه “يجب انتهاز هذه اللحظة للتجمع تحت مظلة وحدة وطنية وتضامن عالمي لوضع “كوفيد-19” تحت السيطرة، مشدّداً على أنّه لن تكون أي دولة في مأمن إذا لم ننعم جميعاً بالأمان.
وكان تيدروس قد قال، سابقاً، إنّه على الرغم من أنّ فيروس كورونا هو أكبر حالة طوارئ صحية، منذ أوائل القرن العشرين، إلا أنّ السباق العالمي للحصول على لقاح “لم يسبق له مثيل”.
وبجانب أهمية اللقاح الطبية، فقد تحول إلى مادة تنافس سياسي أيضاً، حيث كان سيعتبر أي قائد في العالم يعلن إنتاج اللقاح، بمثابة “بطل” في عيون شعبه، وربما شعوب أخرى حول العالم، ولعل ذلك ما حظي به بوتين في الوقت الراهن، متفوقاُ على ترامب، الذي كان قال صرّح، في السادس من أغسطس، وأشار أنّه من الممكن أن يجري توفير لقاح لفيروس كورونا في الولايات المتحدة قبل موعد الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها يوم الثالث من نوفمبر.
وعليه، يبدو أنّ الرئيس الروسي قد حقق بخطوة الإعلان عن أول لقاح لكورونا في العالم، مكاسب عدة بحجر واحد، على الصعيد الوطني والعالمي، وبكل تأكيد، فإنّ الرئيس الروسي، وفي حال تمكن اللقاح الروسي من إنقاذ البشرية وإعادة عجلة الحياة إلى الدوران مرة أخرى، سيحظى باحترام خصومه قبل حلفائه، وسيعزّز ذلك مكانة روسيا على الصعيد العالمي، وربما يقلب الكفة لصالحها في خريطة التحالفات المستقبلية، خاصة في ظلّ الاستخفاف الأمريكي بحلفائه في الناتو، والأوروبيين منهم تحديداً.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!