-
المملكة العربية السعودية.. المحارب الأخير
تميّزت السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة من العقد المنصرم بالكثير من التكتيكات والخطوات التي سعت لتحقيق أهداف مرحلية واستراتيجية تتميز بالكثير من الاعتدال والتمرّس والواقعية والفعالية الحقيقية لتحقيق هذه الأهداف.
وإذا نظرنا بصورة عابرة نجد أنّ تلك الأسس التي قامت عليها السياسة الخارجية تقوم على مبادئ ثابتة ومعطيات تاريخية ودينية واقتصادية وأمنية وسياسية، وتلك الثوابت في السياسة الخارجية السعودية تم تأطيرها وفق مرتكزات، أهمها حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول في المحيط الجيوسياسي للمملكة العربية السعودية، وبشكل خاص دول مجلس التعاون الخليجي، وباقي الدول في المحيط الإقليمي القريب من المملكة العربية السعودية، بشكل خاص، وباقي دول العالم، بشكل عام.
هذه المرتكزات سعت لإرساء أسس واضحة تقوم على تعزيز العلاقات مع الدول المجاورة على كافة المستويات، الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، بما يخدم المصالح الوطنية للمملكة العربية السعودية والمصالح المشتركة بينها وبين هذه الدول، ولا بد من الإشارة أن هذه السياسة كانت المدافع دوماً عن قضايا المنطقة من خلال انتهاجها لتكتيكات تقوم على التعاون مع جميع الدول الفاعلة في القرار الإقليمي والدولي من خلال المنظمات الدولية والإقليمية.
إن النشاط المتميز للسياسة الخارجية السعودية ازدادت فعاليته مع تولي سمو الأمير محمد بن سلمان لدفة هذه السياسة وتوجيهها وفق المصالح الوطنية للمملكة، ووفق المصالح العربية والإسلامية، حيث انتهج سمو الأمير سياسة فاعلة انطلقت من بعد خليجي وعربي وإسلامي واضح، يقوم على نبذ الخلافات في المحيط الخليجي والمحيط الإقليمي العربي المجاور، وسعت لضمان أمن واستقرار المنطقة عبر وسائل مشروعة، من خلال تكثيف وتعميق مبدأ التعاون بين جميع شعوب المنطقة لضمان أمن واستقرار المحيط الإقليمي.
إن البوصلة السياسية لسمو الأمير ومعاييره في توجيه هذه السياسة تنطلق من مبدأ واضح وصريح، وهو أن مسؤولية أمن منطقة الخليج والمنطقة العربية هي مسؤولية شعوب ودول المنطقة قبل مسؤولية أي طرف دولي أو إقليمي آخر، وأن من حق هذه الشعوب والدول التصرّف وتوجيه سياستها وفق تحقيق المتطلبات الوطنية الخاصة بكل دولة.
ومن يلاحظ توجهات السياسة السعودية الأخيرة يدرك أنّ سياسة المملكة العربية السعودية عبر منظمة مجلس التعاون الخليجي تحاول إرساء مفهوم التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي عبر التشاور واللقاءات والتعاون في جميع المسائل، السياسية والاقتصادية والعسكرية، تعزيزاً لمفهوم الوحدة والشراكة بين دول المجلس كله، وهذا شكل خط الدفاع الأول عن دول مجلس التعاون الخليجي وعن الدول العربية في وجه جميع الأخطار التي تحيط به وبالمنطقة.
إن الدور الريادي والفعال لهذه السياسة شكل أعلى درجات التوافق وتنسيق السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون العربي الخليجي والدول العربية، من خلال جامعه الدول العربية، ومن خلال مؤسسات العمل العربي المشترك، ومن خلال زعامتها التقليدية للعالم الإسلامي.
هذا الدور نتج عنه مواقف ثابتة جنّبت المنطقة والمحيط الإقليمي الكثير من العقبات والمشاكل في تعاطيه مع هذه الملفات. هذا الدور الذي كان له الأثر الكبير في توحيد هذه المواقف في التعاطي مع أزمات دولية وإقليمية، كما حدث ويحدث في الصراع الروسي الأوكراني من خلال اتخاذ موقف موحد وصريح بنبذ العنف وحل المشاكل بين الدول بالقوة ورفض أشكال التدخل بين الدول بالإضافة لتنسيق المواقف بالنسبة للملفات الدولية الأخرى، كالإرهاب والتطرّف والسعي الدؤوب إلى تحقيق مسألة السلام في المنطقة العربية، وحلّ قضايا المنطقة وفق التمسك بالقرارات الدولية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الدور السعودي وسياسته الخارجية المتزنة كان له البعد الأكبر في رسم كثير من سياسات الدول الفاعلة، على الصعيد العالمي، لما تتمتع به المملكة من ثقل اقتصادي وسياسي في منطقة الشرق الأوسط، حيث سعت المملكة العربية السعودية عبر سياستها إلى مجابهة جملة من الأخطار التي تحيط بالمنطقة، ولا سيما مسألة انتشار أسلحه الدمار الشامل والأسلحة النووية، ووقفت حائلاً في وجه المشاريع الهدامة في المنطقة، كالمشروع الإيراني، الذي يحاول زعزعة استقرار المنطقة، بشكل عام، ودول الخليج، بشكل خاص، عبر انتهاج ملالي طهران لسياسة تقوم على العنف والدمار والتغيير الديمغرافي في منطقه الشرق الأوسط لإرجاع أمجاد سابقة يحلم بها ملالي طهران.
إن موقف المملكة العربية السعودية من مسألة الملف النووي الإيراني لم يتغير، ومسألة مناصرتها للشعوب المظلومة في منطقة الشرق الأوسط في وجه هذه المشاريع وأدواتها من أنظمة القتل والبطش هو موقف ثابت يمليه الواجب الأخلاقي والإنساني الذي يوجه الكثير من سياسات المملكة العربية السعودية الخارجية.
جميعنا يدرك ويشاهد تلك السياسة النشطة التي تتحرك بفاعلية، في الأشهر الأخيرة، لرأب الصدع العربي وحل الخلافات البينية ومحاولة تعزيز العلاقات بين الدول العربية، عبر نبذ الخلافات وتشكيل علاقات قوية مع المحيط الإقليمي لمجابهة كل ما يهدد هذا المحيط ويهدد استقرار المنطقة.
تقف سياسة المملكة العربية السعودية، كالمحارب الأخير في وجه التمدد الإيراني في المنطقة، وتحاول جاهدة وقف هذا الإرهاب المستمر والتدمير المنهج للدول التي سيطرت عليها قوى الظلام الإيرانية وأذرعها من ميليشيات إرهابية، كما حدث في سوريا والعراق واليمن، واستطاعت سياسة المملكة الخارجية مؤخراً تشكيل نواة تحالف قوي إقليمي لمواجهة هذا التمدد، يجمع جميع دول المنطقة، حيث وحدتهم طبيعة هذا الخطر الذي يهدّد الجميع، ونرى جميعنا الديناميكية السياسية للخارجية السعودية في تحركاتها وقدرتها على جمع أطراف متناقضة إلى حدّ ما، وتوحيد جهودها من أجل مجابهة هذا الخطر الذي يتهدّد جميع دول المنطقة.
إن الشعوب العربية تشاهد باهتمام بالغ وتتابع ما تقوم به المملكة العربية السعودية من جهود بنّاءة في هذا الإطار، كما تثمّن جميع القوى الوطنية في الدول العربية تلك السياسة التي تنتهجها المملكة العربية السعودية في وجه الخطر الفارسي الذي يهدد وجود هذه الشعوب وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، ولن تكون المملكة العربية السعودية وحيدة في الميدان، فالشعوب العربية ستقف خلف من يتبنى قضاياها وخلف من يتبنى مصالحها وتتمسك جميعها برؤيه المملكة العربية السعودية وتثق -بعد الله- بخطواتها وسياستها لحل هذه المشكلات ومجابهة هذه الأخطار.
ليفانت -عبد العزيز مطر
عبد العزيز مطر
حول الكاتب
- عبد العزيز مطر
- كاتب سوري
لمحة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!