-
العراق، ثورة على الولي الفقيه
عبدالله الرفاعي - باحث وكاتب سوري
شكلت الثورة العراقية الشعبية العظيمة صدمة كبيرة لنظام الولي الفقيه في إيران، فقد أفشلت جهوده الكبيرة التي بذلها لسنوات عديدة لاعتقال عقول العراقيين وترويضهم، وجعلهم أداة طيّعة لتنفيذ مشاريعه الإرهابية في العالم، فقد أدرك الشعب العراقي بحسه القومي العالي أن إيران ونظامها الإرهابي لا يحمل الخير لهم ولأبنائهم، وأن هذا النظام يسعى جاهداً لسلب خيرات العراق ونهبه وجعله سوقاً لتصريف المنتجات الإيرانية الرديئة، وأن الشعارات التي أطلقتها الثورة الخمينية لم تكن سوى أكاذيب احتالوا بها على الشعوب فلم يسلم الشعب الإيراني قبل غيره من بطش الخميني وأزلامه فقد قام بتصفية معارضيه والتنكيل بهم، وزجهم في السجون والمعتقلات، وعامل القوميات غير الفارسية بتمييز ودونيه.
ثم بدأ بنشر سموم ثورته وإرهابها خارج الحدود، فبدأ بالعراق الجار الجنب فما صان الخميني للعراق حق الجوار ولا معروف الضيافة العراقية له لأكثر من خمسة عشر سنة، فبدأ بالغدر بهذا البلد وشنّ حرب ظالمة عليه لمدة ثمان سنوات خلفت ورائها العديد من القتلى والجرحى وخسائر بمليارات الدولارات، وكان يرفض أي وساطات للصلح، ولم يتورع عن إثارة القلاقل والفتن للعراق، بل وصف إيقاف الحرب معه وقبول قرار مجلس الأمن رقم 598 لعام 1988م الداعي لوقف إطلاق النار، بقوله: (( ويل لي. أنا أتجرع كأس السم...كم أشعر بالخجل))، فأي حقد يحمله هذا الرجل على العراق وشعبه.
لم تكن نهاية الحرب إلا بداية جديدة للتآمر على العراق وزرع الفتن بين مكوناته، ودعم أتباع إيران في العراق بالمال والعتاد والسلاح، فلم يطب للخميني المهووس بفكرة المهدي الذي يخرج على بحر من الدماء، أن يرى العراق مستقراً هادئاً ينعم بالأمن والأمان، بل سيطرت على عقله المريض أحلام كسروية قديمة بالعودة إلى المدائن وإخضاع العراق للسيطرة الإيرانية الكاملة، والانتقام لهزائمهم في القادسية ونهاوند.
لم يمت حلم الخميني بموته بل سار الخامئني على نهجه وطريقته، وكما يقول الشاعر: ((مات في البرية كلب فاسترحنا من عواه، خلف الملعون جرواً فاق في النبح أباه))، فقد عمل جاهداً على إيذاء العراق بشتى الطرق والوسائل، وكان عوناً وداعماً لقوات التحالف الدولي التي احتلت العراق في 2003م، فزرع ميليشياته الإرهابية في أنحاء العراق لتعيث القتل والدمار والخراب، ولم تتورع عن أي عمل لتخريب النسيج الاجتماعي العراقي، ودست رجالاتها الذين تربوا على بقايا موائد العمائم الإيرانية، ليتصدروا المشهد العراقي لأكثر من ستة عشر عاماً فكانوا مناذرة القرن الحادي والعشرون، فلا قرار ولا استقرار إلا بأمر السيد الإيراني وبإذنه، فحكموا العراق بعقليه العبد المطيع لسيده، الذي يعرف أن السوط الإيراني سيلسع أجسادهم إن خالفوا التعليمات والأوامر، وكما يقول أبو الطيب المتنبي: ((لا تشتر العبد إلا والعصا معه ...أن العبيد لأنجاس مناكيد)).
ولأنهم تربوا على البقايا والفتات، صدمهم أن تكون ثروات العراق ومقدراته تحت تصرفهم، فأعملوا فيها سلباً ونهباً، وأرجعوا العراق العظيم إلى زمن الظلمة والعتمة، فلا خدمات ولا صحة ولا كهرباء ولا تعليم، فزادت نسبة الفقر والأمية والبطالة وتعطلت الصناعة، وشلت حركة الإبداع والعلم، فكسروا أقلام المبدعين والمفكرين، وخنقوا الصحافة، واعتقلوا ألسنه العلماء، ونبشوا قبور القادة العسكريين وقتلوا العلماء والمفكرين، ولوثوا عقول الشباب بثارات عفى عليها الزمن، واشغلوه بصراعات طائفية بغيضة، وسلطوا العمائم المأجورة لتركيعه، وسلب أمواله عبر حيلة الخمس.
لقد أثرى أتباع إيران وصبيانها في العراق على حساب آلام الشعب العراقي وآهاته، فما كانوا بلسماً لجراحه، ولا عرفوا حلاً لمشكلاته، ولا طوروا بنيته التحتية، فانتشر الفساد والمحسوبية في كل قطاعات الدولة، وانتكس الاقتصاد، وازداد تدهور الدينار العراقي، وبدلاً من حل مشكلات العراق نشروا الأحقاد والفتنة الطائفية.
ولكن العراق الأبي عراق العروبة والشهامة الذي لا يرضى الذل والخنوع أعلنها ذي قار جديدة فانتفض بوجه إيران وأذنابها، وملأ الساحات والشوارع في حراك سلمي عفوي يعبر صراحة عن مكنونات هذا الشعب العربي الأبي، ورغم القتل والترويع والترهيب الذي تمارسه المليشيات الإيرانية الإرهابية يصمدون صمود الأبطال يواجهون الموت بصدور عارية لا تهاب الموت، وكلهم أمل بالخلاص من الهيمنة الإيرانية، وبناء عراق جديد مستقر لكل العراقيين، وكلهم ثقة أن العراق كطائر العنقاء الذي ينهض من تحت الرماد.
وأرى أنه لابد لشباب العراق أن يتكاتفوا ويتوحدوا بكل مكوناتهم، وأن يلملموا جراحاتهم وينظموا أنفسهم، وأن يحذّروا العمائم التي تريد أن تركب موجة الثورة لتشتتها وتفرق جمعها، وأن يضعوا خطة واضحة للإصلاح السياسي والاقتصادي في العراق، تنسف الدستور الطائفي والمحاصصة، وتسعي لحكومة كفاءات يفرزها برلمان منتخب بعيداً عن العشائرية والحزبية والطائفية، وأن يعاد تكوين الجيش العراقي والقوى الأمنية ليكون ولائها للعراق لا لإيران، وأن تحل المليشيات الإيرانية، وأن يصاغ الدستور بعيداً عن الحزبية والطائفية والتدخلات الإيرانية، وأن يعود العراق إلى موقعه العربي مدافعاً عن الحقوق العربية وحامياً لها بعيداً عن هلوسات الولي الفقيه.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!