-
الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود).. بين التشتت والمهام التنظيمية
من سوء حظ الشعب السوري أنّ هذه المعارضة القائمة على التفتت والتشتت والتمزّق تمثله، وكلما خرجت مجموعة وأعلنت عن وجود هيكلية جديدة نعتقد أنها الأصلح في زمن فساد هياكل المعارضة، نجدها تعود إلى ذات المستنقع المعارض بما يحويه من (ذاتية، نرجسية، أنانية، وفئوية)، بالإضافة إلى أمراض "معارضة الخارج" و"معارضة الداخل"، وما بينهما من اتهامات جاهزة معلبة بدون تدقيق رغم كل المعاناة الخاصة بكل فئة، سواء من معارضة الخارج أو معارضة الداخل.
عملت اللجنة التحضيرية للجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) على مدار أكثر من سنتين في إعداد رؤية سياسية ولائحة تنظيمية تستطيع أن تلبي طموحات القوى المشاركة فيها منذ العام 2019، وحتى آذار 2021، حيث أعلنت أنها بصدد عقد مؤتمر تأسيس جامع لكل قوى اللجنة التحضيرية ومن يرغب من قوى وأحزاب وشخصيات وطنية مستقلة، إلا أنّ الأجهزة الأمنية في دمشق منعت عقد ذلك المؤتمر المعلن عنه بتاريخ 27/3/2021، إذ قامت قوة أمنية في التواجد بمكان انعقاد ذلك المؤتمر في مكتب هيئة التنسيق الوطنية بدمشق، وأخرجت جميع من كان في المكتب بذلك اليوم، وأغلقت المكتب بوجه أعضاء المؤتمر في الداخل، ومنعت أيضاً كل الوسائل الإعلامية التي دعيت لتغطية المؤتمر التأسيسي لجود.
وبذلك أخفقت المحاولة الأولى لعقد مؤتمر تأسيسي. لكن قوى وأحزاب الجبهة الوطنية الديمقراطية لم تستكن للواقع الذي وضعتها فيه السلطات الأمنية السورية، إذ عملت على عقد مؤتمر إلكتروني للجبهة بتاريخ 18/5/2021، وكان بمثابة المؤتمر التأسيسي للجبهة الوطنية الديمقراطية (جود)، حيث جرى انتخاب رئيس للمؤتمر ونائب له ومقرر وأمين سر وتمت مناقشة مشاريع الوثائق (الرؤية السياسية، واللائحة التنظيمية)، فأقرّت اللائحة التنظيمية، وتمت الموافقة على الرؤية السياسية مرفقة ببعض التحفظات ومقترحات التعديلات. وتم الإعلان عن إطلاق الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) في بيان خاص جاء في عنوان "المؤتمر التأسيسي للجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) نحو سوريا دولة مدنية ديمقراطية" بتاريخ 30/5/2021، صادر عن الهيئة المركزية لجود. وأوضح البيان أن جود ستضطلع بالعمل الوطني لبناء جبهة موسّعة مفتوحة لكل القوى والشخصيات الوطنية المعارضة داخل سوريا وخارجها، ما يسهم في تحقيق مشروع التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل لنظام الاستبداد القائم بكل رموزه ومرتكزاته، والمساهمة بإنجاز الانتقال السياسي، وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة، دولة الحق والقانون والمؤسسات المنتخبة، الدولة الحيادية اتجاه الأديان والمذهب، التي تكرس مبدأ المواطنة الحرة المتساوية في الحقوق والواجبات لكل أفراد الشعب السوري، دون تمييز أو إقصاء على القومية أو الدين أو المذهب أو الجنس أو الاتجاه السياسي، وإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة وضمان مشاركتها السياسية الفاعلة غير المنقوصة، وفق ما حدده قرار مجلس الأمن (1325)، دولة يتمتع مواطنوها بالحقوق القومية الثقافية والاجتماعية، في إطار سيادة سوريا، ووحدتها أرضاً وشعباً، وصولاً إلى الدولة المدنية الديمقراطية التي تحقق الحرية والعدالة والمساواة.
وأكد البيان أنّ (جود) تسعى لاستعادة السيادة الوطنية وتخليص البلاد من جميع الاحتلالات، ومن نظام ينتهج الحل الأمني العسكري، متشبثاً بالسلطة وأجهزته الأمنية التي تكمم الأفواه، وتعتقل تحت التعذيب، وتتحكم بكل مفاصل الدولة والمجتمع، وما زال النظام حتى هذا التاريخ يعطل الحل السياسي الذي نصّت عليه القرارات الدولية، خاصة بيان جنيف (1) لعام 2012، وقراري مجلس الأمن الدولي (2118 لعام 2013 و2254 لعام 2015)، والقرارات الأخرى ذات الصلة، مسوفاً تحت ذرائع شتى بغيبة التنصّل من الاستحقاق السياسي والدستوري، وتشكيل "هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية"، التي تهيّئ لمناخ ديمقراطي وبيئة آمنة للانتقال السياسي، ووضع دستور عصري للبلاد يستفتى عليه شعبياً، وإجراء انتخابات نزيهة بإشراف أممي، مستفيداً من التناقض والاختلاف والصراع الدولي والإقليمي حول الملف السوري.
وبعد المؤتمر تم تعيين مندوبي الأحزاب والكتل في الهيئة إلى جانب المستقل، الذي اختار شخصيات مستقلة تعبر عن إرادتهم، وفي أول اجتماع للهيئة المركزية عينت الشخصيات التي ستمثل أحزابها في الهيئة التنفيذية، وكذلك اختيرت الشخصيات المستقلة فيها، وجرى اختيار رئيس للهيئة التنفيذية، وأمين سرّ لها، ومشرف على صفحة إعلام (جود)، واللوغو وإلى ما هناك من أدوات لعمل (جود)، سواء في المكاتب أو في الهيئة التنفيذية.
إن هذه البدايات الواعدة لم تحقق ما هو المطلوب منها في الأشهر الست الأولى من عمل الهيئة التنفيذية. وبقي الأمل في الست الأشهر الأخرى من العام تحت إشراف رئيس جديد للهيئة التنفيذية.
لكن لم تجرِ الرياح كما تشتهي السفن، حيث تعقد الموقف كثيراً داخل الهيئة عندما رشحت لرئاسة الهيئة سيدة (لم تحز على الموافقة لرئاسة الهيئة)، مما استدعى جلسات لانتخاب رئيس جديد، وهذا لم يتحقق في عدد من الجلسات، لكنه في أحدها تحقق كما يدّعى فريق الأكثرية، بينما يتهمه فريق الأقلية بأن الجلسة غير شرعية لأنها لم تحقق نصاب (17) شخصية لتكون الجلسة شرعية ويحدد العدد (16) شخصية.
إن هذا الصراع لم تتم تسويته حتى كتابة هذه الكلمات، على العكس من ذلك، زاد، إذ إن فريق الأقلية قام بتشكيل "كتلة جود سوريا، سوريا ديمقراطية مستقلة أولاً" بتاريخ 14/3/2022، من خلال بيان جاء فيه "إن القوى المتوافقة على هذه الورقة، وهي تجمعات ومبادرات واتحادات وتكتلات وشخصيات وطنية مستقلة وكلها مكونات ضمن الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود)، تعمل على أن تنهض داخل جود، ومن بين مكوناتها وشخصياتها الوطنية، وتحت شعار (سوريا ديمقراطية مستقلة أولاً). فكتلة جود سوريا تنظر لسوريا وقضاياها الوطنية على مستوى الاستقلال وإسقاط نظام الاستبداد القائم بكل رموزه ومرتكزاته، وعلى إخراج كافة الاحتلالات والقوى الخارجية جيوشاً وميليشيات، واستعادة اللحمة الوطنية لكل السوريين على تنوع إثنياتهم وانتماءاتهم ومشاربهم السياسية، في سياق بناء سوريا ديمقراطية موحدة لكل أبنائها على كامل ترابها الوطني، كأولوية، كما تنظر لقضايا المواطنة والمساواة والعدالة والجندر كأولويات قصوى، ومثلها المعتقلون والمغيبون والمختفون قسرياً والمهجرون".
واستندت كتلة جود سوريا إلى اللائحة التنظيمية في المادة (21)، والمادة (22 الفقرة رقم 1). ولم تكتفِ بذلك، حيث أصدرت بياناً صحفياً للرأي العام جاء فيه "تم قبل أيام تداول بيان منافٍ للحقيقة مذيل باسم الهيئة التنفيذية في جود يشير فيه عن انتخاب رئيس ونائب رئيس لها خلال اجتماع وصفته بأنه مكتمل النصاب بحضور ثلثي الأعضاء عقد بتاريخ (6/3/2022).
وأضاف بيان كتلة جود سوريا الصادر بتاريخ 7/4/2022 ما يلي: إن البيان المومأ إليه منفي جملة وتفصيلاً لجهة شرعية الجهة المصدرة للبيان ولناحية محتوى البيان، كما أنه لم يصدر عن طريق مكتب الإعلام.
وأكد البيان في الفقرة الثانية، أن الانتخابات للرئيس ونائب الرئيس "عارية تماماً عن الصحة، حيث الرئاسة غير شرعية، وغير مكتملة النصاب، ودون جدول أعمال".
وأوضح البيان، أن "حساب تويتر الخاص بالمنصة التي نشر عبرها هو موقع غير شرعي، أنشئ دون قرار من أي جهة داخل جود، علماً أن صفحات جود جميعها ومكتبها الإعلامي مقرة باللائحة التنظيمية التي أقرها المؤتمر التأسيسي لجود وهيئتها المركزية والتنفيذية، ولا يحق لأي جهة استخدام الاسم واللوغو الخاص بها تحت طائلة المحاسبة".
وبهذا تنضم "الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود)" إلى قائمة الهيئات والقوى المنقسمة والمشتتة والمفتتة، وهي لم تستطيع أن تثبت وجودها بشكل رسمي مع منصّات المعارضة، وهذا ما جرى مع منصة القاهرة، حيث انقسمت إلى تيارين، والآن هذا ما يجري في الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) حيث ترسم بها تياران أو تكتلان "الأول أعلن عن ذاته في وثيقة "كتلة جود سوريا، سوريا ديمقراطية مستقلة أولاً"، بينما الطرف الآخر أو التيار أو التكتل الآخر، ما زال يعتبر ذاته الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود).
إن هيئات المعارضة والقوى السياسية السورية المعارضة تعاني من أمراض المعارضة المزمنة من زاوية "الذاتية، الشخصية، النرجسية، والفردية" والحضور للزعيم أو القائد الأوحد، ويمكن الحديث مطولاً عن عملية تبادل الطرابيش بين "نصر الحريري" و"أنس العبدة" في رئاسة هيئة المفاوضات، ورئاسة الائتلاف، بينما حتى الآن رئاسة اللجنة الدستورية لـ "هادي البحرة".
ويظهر الآن الصراع في "جود" على موقع الرئاسة، وكأنه موقع رئاسة البلاد، فمن العار بعد هذا الزمن الطويل من ثورة الشعب السوري في آذار 2011، أن تظهر هذه الأمراض.
إن كل الخطابات والرؤى والبرامج السياسية للأحزاب والقوى والهيئات والتكتلات تعتمد بشكل كبير على بيان الأمم المتحدة من بيان جنيف رقم (1) العام 2012، وقراري مجلس الأمن الدولي 2118 لعام 2013 و2254 لعام 2015، والقرارات الأخرى ذات الصلة، في المرحلة الأولى من الحل السياسي.
ونادراً ما تعتمد هذه القوى على نشر وإعلان برامجها السياسية، سواءً الانتقالية أو الاستراتيجية، بحيث تجري قراءة ومناقشة هذه البرنامج أمام المواطن السوري إذ يصبح قادراً على التميز بينها والانضمام إلى إحدى هذه البرنامج التي يحتاجها العمل السياسي المباشر بعيداً عن صيغ الحاجة الوظيفة والمالية في ظل مرحلة القحط والشح التي يعيشها الإنسان السوري.
ليفانت - ماهر إسماعيل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!