الوضع المظلم
السبت ٢٨ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • إيران والمسيرة الطويلة لتصفية معارضيها في الخارج

إيران والمسيرة الطويلة لتصفية معارضيها في الخارج
إيران

من الجلّي أنّ العقليّة الإقصائيّة الحاكمة في إيران متماثلة، مستنتسخة من ذاتها، مهما اختلفت الأسماء والألقاب التي تحكم، إذ تبقى تابعة للولي الفقيه، وساعية إلى نشر ما تعتبره “ثورة إسلامية”، أيّاً كانت السبل إلى ذلك، بما فيها التخلّص من المعارضين في منافيهم التي أجبروا على اللجوء إليها لتجنب المقصلة، إذ لا تهدأ الأخيرة ليلاً أو نهاراً على مدار العام في طهران.


وفي الصدد، ليس مستغرباً أنّ أساليب النظام الإيراني للتخلّص من معارضيه لم تتبدل منذ أن تقلّد “نظام الملالي” الحكم في العام 1979، حيث تواصل السلطات الإيرانيّة مساعيها للتخلّص من معارضيها، عبر اغتيالهم وتصفيتهم الجسدية، وعليه لم يكن مستغرباً ما تعرّض له “صادق زارزا”، ممثل “الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني”، في التاسع عشر من يونيو الجاري، عندما تعرّض لمحاولة اغتيال بـ15 طعنة بالسكين في مدينة ليوردان الهولندية.


اغتيال خال زارزا.. عبد الرحمن قاسملو


وقد عرض ناشطون مقطعاً مصوراً بيّن “زارزا” مضرجاً بدمائه في داخل سيارته، فيما شدّدت أسرته أنّ الهجوم ذو دوافع سياسية، حيث كان “صادق زارزا” على “قائمة الإرهاب” التي أقرّها النظام الإيراني، بينما كان المهاجم مواطناً إيرانياً قادماً لهولندا بذريعة إكمال برنامج دراسي في الطب، وقد جرى اعتقاله عقب تنفيذه محاولة الاغتيال التي من المؤكد قد ظنّ بأنّه قد فعلها، بعد الطعنات الـ15.


لكن “زارزا” الذي كان قد فرّ من إيران في الثمانينات، كان محظوظاً فيما يبدو، إذ بقي على قيد الحياة، رغم أنّه سيفقد إحدى عينه غالباً بحكم الإصابة، إذ لم تصل طهران، هذه المرة، لما كانت قد خطّطت له، رغم أنّها ذات خبرة كبيرة في هذا المجال، حيث قامت بالعديد من الاغتيالات على الأراضي الأوروبية، ومنها في هولندا، التي طردت، عام 2018، اثنين من الدبلوماسيين الإيرانيين، بتهمة التورّط مع أجهزة الاستخبارات الإيرانية في اغتيال اثنين من المعارضين، أحدهما محمد رضا صمدي كلاهي المقرب من منظمة “مجاهدي خلق” الذي قُتل في مدينة ألميره قرب العاصمة أمستردام، عام 2015، والآخر القيادي الأهوازي، أحمد مولى النيسي، الذي اغتيل أمام منزله في مدينة لاهاي الهولندية، في 2017.


اقرأ أيضاً: إيران تواصل مهارتها بصناعة مليشيات اللادولة في العراق بثلاثٍ جديدة!


وفي السياق، أصدر “المعهد الكُردي للدراسات والبحوث في هولندا” في العشرين من يونيو، تصريحاً إعلامياً حول محاولة الاغتيال، قال فيها: “شهدت هولندا محاولة اغتيال ممثل حزب الديمقراطي الكُردستاني الإيراني في هولندا، السيد صادق زرزا، وهو ابن شقيقة الزعيم الكُردي السابق، الشهيد عبد الرحمن قاسملو، الذي نُفذت عملية اغتياله في فيينا، عاصمة النمسا، سنة 1989”.


أما عن “قاسملو”، فذلك حديث آخر، فرحيل الرجل شكّل انتكاسة كبيرة لكامل الحركة الكُردية في إيران، ولعلّ اغتياله كان من الأسباب التي شرذمت صفوفهم، وقسّمتهم إلى أحزاب متناحرة في كثير من الأوقات، وهو صلب ما كانت تطلبه طهران.


حيت تم اغتيال الدكتور “عبد الرحمن قاسملو”، وهو رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، آنذاك، في العاصمة النمساوية فيينا، في 13 تموز 1989 مع اثنين من رفاقه، على أيدي عناصر من المخابرات الإيرانية، فيما تقول المصادر الكُردية، أنّ أوامر الاغتيال كانت قد صدرت مباشرة من “هاشمي أحمد رفسنجاني” الذي شغل مختلف المناصب بما في ذلك رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية، لدورتين متتاليتين، والرئيس الإيراني السابق “محمود أحمدي نجاد”، فيما تشير الأطراف الكردية إلى امتلاك حكومة النمسا كل الأدلة الجنائية والثبوتية بتورّط “نجاد” بتلك الجريمة، إذ تم استدراج الدكتور “قاسملو” لإجراء مفاوضات مع الجانب الإيراني، لكن تم اغتياله بدلاً من التفاوض معه.


من “صادق زارزا” إلى “صادق شرفكندي”


وعقب جريمة اغتيال الدكتور قاسملو ورفيقيه، جرى اغتيال الشخصية التي نابت عنه، وهو “صادق شرفكندي” الذي كان يشغل بدوره منصب الأمين العام لحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، إذ تمّت عملية الاغتيال في برلين، في 17 أيلول للعام 1992، مع ثلاثة من مساعديه، على أيدي عناصر المخابرات الإيرانية، الذين استطاعوا الهروب والاختفاء، دون أن يتعرّضوا للملاحقة من قبل الأجهزة المختصة في ألمانيا، حيث لم يتمّ اتخاذ أي اجراءات ذات مغزى، باستثناء الصخب الإعلامي والتنديد الخجول ضد عناصر الجريمة.


اقرأ أيضاً: طهران تُواصل التنكيل بالأحوازيين سعياً لخنق مُقاومتهم


وجرى عقبها إقفال الملف الجنائي دون معرفة الجناة أو ملاحقتهم بشكل جاد ومؤثر وفعال، حيث تقول المصادر الكردية، إنّه كانت توجد أيادٍ قوية ومؤثرة من قبل أطراف حكومية إيرانية، وقفت بقوة وراء عملية الاغتيال تلك، ليضحى الجناة بعيدين عن العدالة والقصاص منهم، رغم أنّه لن يشفع لمقتل هؤلاء، سوى محاسبة النظام الإيراني بأسره، كما هو الحال اليوم مع العقوبات الأمريكية عليه، والتي بدأت تفقده قيمة عملته، التي أضحت في الحضيض.


الكُرد وحقوقهم في إيران


ويقاتل كل من “الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني (إيران)” إلى جانب حزب الحياة الحرة، وأحزاب كُردية أخرى في إيران، للمطالبة بحقوق شعبهم، والتي تختلف الرؤى حولها، وتندرج من “الحكم الذاتي” إلى “الفيدرالية” وصولاً إلى “الاستقلال”، فيما تشير المصادر الإعلامية، إلى أنّ عدد الأكراد يبلغ في إيران حوالي 9 ملايين نسمة، حيث يقطنون في المحافظات الغربية المجاورة لتركيا وكُردستان العراق.


اقرأ أيضاً: روحاني يُكابر على الألم الناجم عن العقوبات الأمريكية المُتوالية


ولا يبدو أنّ مسيرة الدماء التي خطّتها السلطات الإيرانية بحقّ معارضيها قابلة للإصلاح أو الترميم، فالسلطة التي تعتمد على القتل للتخلص من معارضين على بعد آلاف الكيلومترات، تدرك جيداً أنّ وجودها قائم على الحديد والنار، وهي زائلة بزواله، أو بوجود قوة أكبر منه، ليبقى الرهان الأهم على مواصلة الضغوط على طهران، إلى أن ترضخ للقانون الدولي، وتنهي عقوداً من الاستبداد الديني المقيت.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!